في الأول من آذار الجاري نشر موقع (focus.de) الألماني تقريرا مطولا تحدث عن عائلة أوكرانية يفترض أنها قدمت طلب لجوء في ألمانيا، لكن السلطات الألمانية اكتشفت أن العائلة تعيش في أوكرانيا وتلقت نحو 40 ألف يورو كمساعدات من دائرة الهجرة الألمانية.
التقرير دفع زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU -وهو حزب المستشارة السابقة أنغيلا ميركل- فريدريش ميرز إلى القول "ربما كان من الخطأ أننا سمحنا قبل عامين للاجئين الأوكرانيين بالحصول على مزايا المواطن على الفور، بدلا من الحصول في البداية على مزايا طالبي اللجوء لفترة معينة من الزمن".
وتزامنا مع هذه التصريحات، تعتزم السلطات الألمانية تشديد الرقابة على التحويلات المالية للاجئين، لمعرفة ما إذا كانوا يرسلون جزءا من "مزاياهم الاجتماعية النقدية إلى الخارج"، ولأجل ذلك تسعى الحكومة الألمانية لاعتماد بطاقات الدفع عوضَا عن المساعدات المالية النقدية.
وبدأت هيئة الرعاية الاجتماعية في مدينة هامبورغ إصدار بطاقات مخصصة لطالبي اللجوء الوافدين حديثاً، لتلقي الإعانات على شكل "رصيد" بدل النقد، لتكون بذلك أول ولاية ألمانية تدخل نظام الدفع بالبطاقات وإلغاء "المعونات النقدية" للاجئين، وذلك بعد نقاشات طويلة وجدل واسع.
وجاءت هذه الخطوة بعد نقاشات طويلة وجدل واسع، حتى اتفق رؤساء حكومات الولايات مع المستشار الألماني أولاف شولتس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على أن يحصل طالبو اللجوء على جزء -على الأقل- من الإعانات كرصيد على بطاقة دفع بدلًا من النقد. وكان الهدف البارز وقتها، كما ذكر موقع "شبيغل" الألماني، هو حرمان طالبي اللجوء من فرصة تحويل أموال الإعانات التي يحصلون عليها إلى أقاربهم وأصدقائهم في بلدانهم الأصلية.
وأضاف الموقع أن بطاقة الدفع "خطوة مهمة لتقليل حوافز الهجرة غير القانونية إلى ألمانيا. ومن خلال منع إمكانية تحويل أموال الإعانات إلى بلدان المنشأ، تتم مكافحة تهريب البشر".
المساعدات المالية للاجئين والبطاقة الجديدة
البطاقة الجديدة عبارة عن "بطاقة خصم" مع ائتمان يتم تعبئته شهريا بالرصيد، وبالتالي يكون هامش "الكاش" ضيقا جدا، ويتوفر فيه السحب النقدي بشكل جزئي فقط.
واعتبارًا من العام 2024، تم تحديث مبلغ "راتب الجوب سنتر" في ألمانيا ليصبح 563 يورو شهريًا، مما يعكس زيادة قدرها 61 يورو عن السابق، أما بالنسبة للبالغين الذين يعيشون مع شريك، فقد تم تحديد المبلغ بـ 506 يورو لكل منهما، ووفقا للخطة الجديدة سيتم تحويل 460 يورو شهريا كرصيد في البطاقة، ويمكن السحب النقدي من هذه البطاقة بحد أقصى 50 يورو شهريا.
يشار إلى أن أكثر من 329 ألف لاجئ سوري من الحاصلين على حق الإقامة في ألمانيا، يتلقون مساعدات مالية من "الجوب السنتر" وذلك بحسب إحصائية صادرة عن وكالة التوظيف الفيدرالية.
كيف سيؤثر القرار على اللاجئين السوريين؟
أبو عبد العزيز لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا قبل عامين في رحلة كلفته أكثر من 10 آلاف يورو، وبسبب عدم إكماله كورسات اللغة الألمانية لم يتمكن من التفرغ للعمل ويحاول أن يضغط مصاريفه ليسدد ديونه المتراكمة.
يقول أبو عبد العزيز (طلب عدم ذكر اسمه) لموقع تلفزيون سوريا: "ألمانيا بلد الحريات، ولكن هذا القرار يقيد حرياتنا ويجبروننا من خلاله على شراء أشياء تعتبر كمالية لصرف مبلغ موجود بالبطاقة ولن نتمكن من التصرف بالمبلغ البسيط".
ويرى أن القرار سيؤدي "لوجود أشخاص يمتلكون كتلة مالية ضخمة لا يمكنهم إدخالها إلى حسابات مصرفية لأنها من مصادر غير شرعية وهؤلاء الأشخاص سوف يستغلون حاجة الناس للكاش ويشترون البضائع ببطاقاتهم ولكن بدفع مبلغ أقل من سعرها".
اعتاد أبو عبدالعزيز أن يحول نحو 150 يورو شهريا لوالدته في جرمانا لتغطية أجور السكن بعد أن نزحت من بيت سحم في غوطة دمشق الشرقية، ولكن بعد تطبيق قرار البطاقة سيكون من الصعب جدا عليه تحويل هذا المبلغ دون اللجوء إلى بيع بطاقته بسعر أقل من قيمتها، وفق ما يقول.
تشديد الرقابة على تحويلات اللاجئين
من جهته استهجن اللاجئ السوري محمد الحسين الخطوة وقال "تحاول ألمانيا أن تدعم ماليا الدول المستضيفة للاجئين، والمشاريع التي تم تنفيذها في لبنان والأردن وتركيا كثيرة جدا، فمن باب أولى أن ينظر للمبلغ الزهيد الذي يقطتعه اللاجئ من راتبه ليسند به أسرته في سوريا على أنه عامل استقرار للبعض للبقاء هناك وعدم التفكير بالهجرة".
من جانبه أكد اللاجئ سامح المصيطف على أن "تشديد الرقابة على تحويلات اللاجئين المالية سينعكس سلبا على ألمانيا، لأن الحوالات في وضعها الراهن تمر عبر مكاتب رسمية وبالتالي هناك هامش ربح من الحوالات يذهب للخزينة العامة للدولة، وفي حال طبق نظام البطاقات سيتم التحويل عبر سماسرة في السوق السوداء".
ويخصص سامح كل شهر نحو 100 يورو لشراء أدوية لأخته التي تعاني من فشل كلوي في سوريا ويلزمها أدوية غير متوفرة في الصيدليات العامة، مما يدفعهم لشرائها من لبنان أحيانا، يقول سامح: "كيف لي أن أتدبر أدوية أختي بعد تطبيق هذا النوع من القرارات، ربما الحكومة الألمانية تنظر للاجئ على أنه مخلوق يلزمه الطعام والشراب فقط لا غير".
الجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية اتخذت جملة إجراءات للحد من الهجرة، ومؤخرا قالت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فايزر: "لقد حققنا في الأشهر القليلة الماضية أكثر مما حققناه خلال السنوات السابقة للحد من الهجرة غير النظامية، وشملت هذه الإجراءات الإصلاح المخطط له لسياسة اللجوء الأوروبية المشتركة، والتغييرات التشريعية الوطنية - على سبيل المثال لتسهيل عمليات الترحيل - والأمر بفرض ضوابط إضافية على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا في أكتوبر الماضي".
ورداً على سؤال حول المدة التي ينبغي أن تستمر فيها هذه الضوابط، التي كان من المقرر مبدئياً أن تستمر حتى منتصف حزيران المقبل، أضافت الوزيرة: "ستكون ضرورية على الأقل طالما لم يكن لدينا أي وسيلة أخرى للحد منها، لأنه فقط الإصلاحات المخطط لها على مستوى الاتحاد الأوروبي مع إجراءات على الحدود الخارجية لمجموعات معينة وتوزيع مختلف يمكن أن تقلل بشكل دائم من عدد حالات الدخول غير المصرح به".