أسقطت القوات الأميركية طائرة مسيّرة تركية شمالي سوريا أمس الخميس، ويعتبر هذا الحادث الأول من نوعه في تاريخ حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حيث تسقط قوات حليفة طائرة تابعة لحليف آخر، مما أثار ردود فعل واسعة في الوسط التركي.
رصد موقع تلفزيون سوريا أبرز ما نشر في الصحف عن إسقاط المسيرة، حيث انتقد الصحفي فاتح التايلي الحادثة واصفا ما حصل بـ "الوضع الخطير".
وقال التايلي "الحقيقة المحزنة هي أن مسيرتنا، وهي العنصر الأكثر أهمية في الحروب الحديثة المحلية والوطنية، قد أسقطتها طائرة من طراز F16 تابعة للحلفاء".
وأضاف "قبل أن يبرد حطام طائرتنا بدون طيار، تعرضت القاعدة التركية لهجوم بقاذفات صواريخ متعددة الفوهات من المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني في سوريا، أصيب على إثرها 8 من عساكرنا".
وتابع قائلا "من الواضح أن حزب العمال الكردستاني، الذي نفذ الهجوم، لم يشتر نظام إطلاق الصواريخ متعدد الفوهات من (محل بقالة في سوريا)".
إسقاط المسيرة.. حادثة "Çuval Olayı" الثانية
وأفاد التايلي "على الرغم من أن الولايات المتحدة علمت أنها طائرة تركية، إلا أنها أسقطتها دون أي تردد أو تحذير، بالنسبة لي، هذا واضح جدا، يمكن أن نعتبرها حادثة "Çuval Olayı" الثانية".
وتابع من خلال التطورات نرى أن الولايات المتحدة ترسل رسالة إلى تركيا مفادها: "لا تتواجدوا هنا أكثر من اللازم".
ومن جانبه أشار نائب حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول وكبير مستشاريه للعلاقات الخارجية، وسفير واشنطن سابقاً ناميك تان، في بيان على منصة إكس، قائلاً "للمرة الأولى في تاريخ الناتو، يعني هذا صراعاً مسلحاً بين عضوي الحلف صاحبي القوة العسكرية الأعظم".
وأضاف "هاجمت القوات الأميركية طائرة حليفتها تركيا، تحت مظلة التحالف الدولي، بحجة الدفاع عن النفس، ومهما كان عدد التحذيرات التي وجهت فهو غير مقبول ونحن ندين هذا بأشد العبارات".
من ناحية أخرى، انتقد تان "الحكومة" مشيراً إلى أن ذلك نتيجة لعدم التنسيق بين الحلفاء، وقارن ما جرى بحادثة "Çuval Olayı" التي حدثت عام 2003 في العراق، ووصفها بأنها "الثانية".
ودعا الحكومة التركية إلى الإدلاء ببيان حول الحادث وذكر أن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي تعتبر ذراعاً لتنظيم حزب العمال الكردستاني يمثل مشكلة للعلاقات بين البلدين.
وأكد أن الحل لهذه المشكلة "ليس من خلال المظاهر المسلحة التي قد تكون لها عواقب خطيرة بين الحليفين، ولكن من خلال الفعالية الدبلوماسية".
صراع عضوي الناتو وصل لـ "عتبة خطيرة"
وذكر الكاتب التركي سيدات إرجين في صحيفة حرييت التركية، "كان هناك صراع عنيف بين تركيا والإدارة الأميركية على مدى السنوات الثماني والتسع الماضية بسبب الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية، امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا".
ومع الرسالة التي وجهها وزير الخارجية هاكان فيدان، تم الوصول إلى "عتبة خطيرة" في الصراع مع الولايات المتحدة، عندما صرح "جميع البنية التحتية والمنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في العراق وسوريا ستكون هدفا مشروعًا لتركيا من الآن فصاعدا".
وبعد ذلك مباشرة، قال: "أوصي الأطراف الثالثة بالابتعاد عن منشآت وأفراد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب".
وأوضح بينما أصدرت أنقرة هذا التحذير، انتشر خبر عن إسقاط طائرة تركية بدون طيار من قبل التحالف الدولي في شرق الفرات وهو ما من شأنه جعل الميدان أكثر خطورة و"إشكالية".
ومن جانبه قال الأدميرال المتقاعد توركر إرتورك، في بث مباشر على قناة Halk TV، إن الطائرة الأمريكية F-16، التي أسقطت الطائرة التركية بدون طيار، أقلعت من قاعدة إنجرليك الجوية في أضنة.
وأضاف: "أنتم تقومون بعملية عبر الحدود من أجل أمن الأناضول، وقد أسقطت طائرة أخرى أقلعت من هذه الأراضي تلك الطائرة" .
إسقاط المسيرة
وأعلنت وزارة الخارجية التركية اليوم، في بيان لها فقدان طائرة مسيرة مسلحة بدون طيار شمالي سوريا، في أثناء استهداف مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني.
وجاء في بيان وزارة الخارجية، "طائرة مسيرة مسلحة فقدت في شمال شرقي سوريا، "لتقييمات فنية مختلفة" مع أطراف ثالثة على الأرض، بالإشارة إلى القوات الأميركية الموجودة هناك.
وأكد البيان أن فقدان الطائرة لم يؤثر على سير العمليات، وقال البيان: "الحادث المعني لم يؤثر على تنفيذ العملية الجارية بأي شكل من الأشكال (ضد حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب) وضرب الأهداف المحددة".
ومن جانب آخر تابع البيان "بعد العمليات المحلية الناجحة، تركيا ستواصل تدمير الأهداف الإرهابية في سوريا والعراق واحدا تلو الآخر".
تصعيد تركي في مناطق حزب العمال الكردستاني
ويأتي إسقاط الطائرة بعد ساعات قليلة من استهداف مسيّرات تركية مواقع عسكرية لـ "قسد" في منطقة القامشلي ومدينة الحسكة.
وذلك بعد أن خلصت أنقرة إلى أن المهاجمين اللذين استهدفا وزارة الداخلية التركية صباح الأحد الفائت، قد جاءا من سوريا.
وبعد الهجوم، زادت تركيا عملياتها في المناطق التي ورد أن "حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب" يوجد فيها.
ما هي حادثة "Çuval Olayı" التي ذكرها المحللون؟
حادثة وقعت في 4 من تموز 2003، عقب غزو القوات الأميركية للعراق، حيث ألقت القوات المسلحة الأميركية القبض على مجموعة من العسكريين الأتراك الذين يعملون شمالي العراق، وأثارت ضجة في تركيا وكادت أن تؤدي إلى انهيار العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأثارت ردود فعل واسعة حينها، واعتبرت حادثة كبرى في تركيا ورأى مواطنون كُثر أنها إهانة متعمدة وأطلقوا عليها اسم "Çuval Olayı"بسبب قيام القوات الأمريكية بوضع (أغطية الرأس تشبه الشوال) على رؤوس العسكريين الأتراك المعتقلين في أثناء اقتيادهم إلى المعسكر الأميركي.
وأطلق سراحهم بعد 60 ساعة من الاعتقال، عقب محادثات دبلوماسية مكثفة بين واشنطن وأنقرة، وأعلن حلمي أوزكوك، رئيس الأركان العامة التركية حينها، أن الحادثة قد سببت "أزمة ثقة" بين تركيا والولايات المتحدة.
وشكلت لجنة أميركية تركية للتحقيق في الحادثة وأصدرت بيانا مشتركا للاعتذار، بالإضافة إلى ذلك كتب وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، خطابا إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعرب فيه عن أسفه حيال تلك الحادثة.