رحل مساء اليوم الإثنين السياسي والمعارض السوري البارز رياض الترك، في العاصمة الفرنسية باريس، عن عمر ناهز الـ93 عاماً قضى نحو عقدين منها داخل سجون ومعتقلات النظام السوري في حقبتي الأسد الأب وابنه.
ونعت نسرين الترك والدها عبر حسابها على فيس بوك، قائلة: "وداعاً والدي الغالي رياض الترك".
ويعدّ الترك، المعروف بين رفاقه ومحبيه بلقب "ابن العم"، من أشدّ وأشرس المعارضين لنظام الأسد خلال العقود الخمسة الأخيرة، ليدفع ثمن ذلك نحو 18 عاماً في سجون حافظ الأسد وقرابة السنتين في عهد ابنه بشار، ليُلقّب نتيجة ذلك بـ "مانديلا سوريا".
وفي لقاء عبر برنامج "المشهد" على شبكة (BBC) عام 2020، تحدث الترك عن قضاء تلك الأعوام الـ18 في السجن الانفرادي، قائلاً إن حافظ الأسد لم يسجنه لوجود شيء شخصي، بل ببساطة "لأنه يسجن كل من يعارضه حتى لو كان أقرب الناس إليه". كما تحدث أيضاً عن ضغط أنيسة مخلوف على ابنها بشار لاعتقاله بسبب تعليقه الجريء على موت أبيه حافظ.
فبعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، علّق الترك في لقاء مباشر من العاصمة دمشق مع قناة الجزيرة القطرية، بالقول: "مات الديكتاتور"، ليُحكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة، قبل أن يطلق سراحه في أواخر عام 2002 لتدهور أوضاعه الصحية.
المشوار السياسي لرياض الترك
شغل الترك منصب الأمين العام لـ "الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي" المحظور من قبل النظام السوري منذ سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتغيّر اسمه إلى "حزب الشعب الديموقراطي السوري" في بدايات تسلّم بشار الأسد السلطة في البلاد.
وفي عام 2005، كان الترك أحد أبرز الموقعين على "إعلان دمشق" الذي صدر بمبادرة من مجموعات معارضة سورية للمطالبة بالتغيير الديموقراطي في سوريا.
وعقب اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011، أعلن الراحل تأييده الكامل للثورة ودعمه للحراك السلمي المعارض لنظام الأسد، ووقوفه إلى جانب المحتجين.
ومن أبرز تصريحات الترك عن ثورة السوريين، ما جاء في كلمة ألقاها في تشرين الأول 2011، حين قال: "ثورتنا سلمية شعبية ترفض الطائفية، والشعب السوري واحد. لا تنازل ولا تفاوض حول الهدف المتمثل بقلب النظام الطاغية".
وكان الترك من مؤسسي المجلس الوطني السوري الذي ترأسه في الفترة ما بين 2012- 2014. كما كان عضواً في المجلس الوطني الانتقالي السوري الذي تأسس في عام 2012 كحكومة مؤقتة للمناطق المحررة من سيطرة النظام السوري.
حياة رياض الترك
ولد رياض الترك عام 1930 في مدينة حمص، وعاش سنوات طفولته الأولى في دار أيتام تابعة للجمعية الإسلامية الخيرية في حمص. درس في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وحصل على إجازة في المحاماة عام 1958.
دخل الترك السجن أول مرة عام 1952 في عهد الرئيس السابق أديب الشيشكلي وبقي فيه خمسة أشهر، ثم عاد إليه مرة أخرى سنة 1960 -خلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا- ولبث فيه 15 شهراً.
خلال مسيرته السياسية، تقلد الترك منصب الأمين العام للجناح الثالث (بعد جناح وصال بكداش وجناح يوسف فيصل) للحزب الشيوعي السوري المعروف باسم "الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي".
وكان الحزب الشيوعي السوري قد تأسس عام 1924، وتعرض لنزاع داخلي عام 1969 ظل ينمو حتى عام 1972 حين انقسم إلى جناحين: جناح بكداش وجناح رياض الترك. وانضم جناح الترك إلى تحالف المعارضة اليسارية السورية "التجمع الوطني الديمقراطي" منذ تأسيسه عام 1980.
وقد أحرج الترك النظام السوري أكثر من مرة بسبب مواقفه الصريحة والعلنية، فقد كتب مقالا بعنوان "حتى لا تكون سوريا مملكة للصمت"، وانتقد الطريقة التي تمَّ بها تعديل المادة 80 من الدستور السوري عام 2000 غداة وفاة حافظ الأسد، لتصبح السن القانونية للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية 34 عاماً -وهو عمر بشار الأسد حينذاك- بدلاً من 40 عاماً المنصوص عليها في الدستور.
وفي الأيام الأولى من الثورة السورية، كتب الترك مقالاً قال فيه: "نعم، سوريا الله حاميها، لأنها باقية بشعبها وجيشها ودولتها. أما الاستبداد فإلى زوال، قصر الزمن أو طال، وإن غداً لناظره قريب".