انطلق الخطّاط السوري أيهم نجار برفقة ثورة وعائلةٍ وحروف، قبل أربع سنوات، في رحلة لجوء إلى ألمانيا يحفها الموت والهلع، للبحث عن حلمٍ رفض تحقيقه في بلدٍ ما يزال يحكمه نظام الأسد.
ولم تكن إلّا سنوات قليلة أعقبت وصول "نجار" إلى ألمانيا، لـيكون اسمه لامعاً في بلاد رأت في لوحاته التي رسمها بحروف عربيّة، ما كان يجسّده فيها مِن روح الثورة السوريّة ومعاناة السوريين، إلّأ أن هذه الشهرة لم تساعده بعد في نسيان رحلة الموت التي خاضها وعائلته للوصول إلى ألمانيا.
يروي "نجار" لـ موقع تلفزيون سوريا، بأنه عقب انطلاق الثورة السوريّة اعتقلته مخابرات نظام الأسد برفقة أصدقائه في مدينة حلب، قبل أن يُخلى سبيلهم بعد فترة مع الاستمرار في محاكمتهم، ولم يكن أمامه إلّا خيار الخروج مِن سوريا.
في عام 2016 انطلق أيهم نجار وعائلته لـ خوض رحلة اللجوء، ورغم أنه جاء متأخراً عن رحلات تدفق اللاجئين إلى أوروبا التي أُغلقت الطرق إليها - بعد اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي في العام ذاته -، فإنه تجاوز كل الصعوبات والمخاطر ووصل إلى ألمانيا بعد رحلة استمرت أربعة أشهر.
وكما تجاوز أيهم مخاطر رحلة اللجوء، تمكّن أيضاً مِن مواجهة العديد مِن الصعوبات عقب الوصول إلى ألمانيا، حيث أتقن اللغة الألمانية واندمج بشكل سريع وكان مستعداً بشكل جيّد للعمل على معارض لـ لوحاتهِ، رغم تردّده في البداية، نتيجة مخاوف مِن ألّا تجد فكرة عرض لوحاتٍ بحروف عربيّة في بلد أوروبي قبولاً.
ولكن "نجّار" - وفق قوله - أصرّ على المثابرة والعمل وأنّ تجربته في رسم لوحاتٍ بحروف عربية ستقدّم شيئاً مختلفاً، وهذا ما كان فعلاً، حيث قدّم في شهر كانون الأول 2019، أول معرضٍ أقيم برعاية الجمعية الإسلامية في الصالون الثقافي للمرأة العربية في هامبورغ - المدينة التي يعيش فيها بألمانيا -، ولاقى المعرض نجاحاً وإقبالاً كبيرين مِن العرب والألمان وغيرهم مِن الجنسيات.
وحسب "نجار"، فإنه قدّم في المعرض الأول - الذي كان بتشجيع بعض الأصدقاء الألمان وخصوصاً البروفسور Heinrich Zankl -، لوحات تبرز جماليات الخط العربي وفضاءاته الإبداعية، كما شارك "نجار" في معرض آخر مشترك مع 38 فناناً عالمياً، مشيراً إلى أن أغلب الحضور كان مزدحماً في قسم العرض الخاص به لأنه كان الخطّاط الوحيد فيه، الأمر الذي أعطاه دافعاً ليكمل مشروعه الجميل.
ومعظم لوحاتِ "نجّار" تُحاكي الثورة السورية ومعاناة الشعب السوري، وأحياناً يخطّ فيها أشعار بعض الصوفية كـ الحلاج وجلال الدين الرومي، مشيراً إلى أنه عرض في المعرض المشترك لوحةً تتضمن مقطعاً مِن قصيدة "موطني" بالخط "النيسابوري" والمنفذة على خشب ملبّس بورق الفضة وألوان إكريليك، إضافةً لـ لوحةٍ حملت كلمة "اعتقال" نفذت على ورق الكانفس وألوان الإكريليك.
وعقب المعرض المشترك، تلقّى "نجار" مِن الخطّاطة العالمية (Katharina Pieper) دعوة لـ إقامة معرض في استيديو "Stiftung Schriftkultur" الذي تملكه بمدينة "هومبورغ"، ولاقى المعرض رواجاً وإقبالاً كبيرين أيضاً لدى المواطنين الألمان.
بدايات أيهم نجّار مع الخط
يروي الخطّاط السوري أيهم نجّار بدايته مع الخط والرسم بالحروف قائلاً، إنه تتلمذ على يد والده الخطّاط (محمد نجار)، الذي كان يجلس معه لـ ساعات طويلة يعلّمه أسرار هذا الفن العربي العريق، فضلاً عن سعيه للبحث عن كبار الخطّاطين المشهورين والتعلّم مِن تجاربهم وخبرتهم، وأن للخطاطين الكبيرين (عدنان الشيخ عثمان، وأحمد الباري) فضلاً كبيراً عليه.
وفي مرحلة متقدّمة مِن المهارات التي اكتسبها "نجّار" في الخط العربي والتي كان يحاول إثبات ذاتهِ كـ خطّاط، أقام معارض عدّة في السعودية التي بقي فيها لـ سبع سنوات، ولاقت رواجاً وحضوراً أيضاً، قبل أن يتجّه في مراحل لاحقة إلى تطوير تجربته والانتقال إلى الحروفيات.
وعن مصطلح "الحروفية" يقول "نجّار"، إن الخط العربي في الماضي كان يُكتب بحبر أسود على ورقة بيضاء ويُدعى بـ"الخط الكلاسيكي" ثم تطور لاحقاً لـ يحتل اللون مكاناً في اللوحة، وبعد ذلك أخذ الخطّاطون يهتمون بالتكوين واللون على حساب معنى الكلمة، ومِن هنا ظهر مصطلح "الحروفية"، وهي تشكيل حروف الخط العربي بقالب جميل وألوان باهرة مع الحفاظ على قواعد هذا الخط.
وأشار "نجّار" إلى أن أي عمل خطّي يتطلب أن يكون هناك مضموناً ومحتوى يتم على أساسه بناء اللوحة سواء كان بالتكوين أو اللون أو نوع الخط، لـ تصل هذه اللوحة إلى أعلى مستوى لها، مضيفاً أنه لا يعتمد الاستهلاك والأسلوب التجاري في أعماله، منوهاً أن "على الفنان في زمن التلوث البصري السعي للتميز، لأن البقاء للأفضل ويجب أن تلامس اللوحة مشاعر المتلقي، وعندها يمكن القول إن ما يقدمه الفنان هو فن حقيقي ويكتسب صفة الديمومة"، حسب تعبيره.
ورغم العديد مِن المعارض التي أقامها "نجار" خارج سوريا، قبل الثورة السورية، فإنه رفض بشكل قاطع إقامة معارض داخل سوريا حينها، مرجعاً السبب لأن أي معرض وأي شيء تنوي إقامته لا بّد وأن يكون برعاية رأس نظام الأسد، أو بمناسبات تابعة لـ"النظام".
يطمح الخطّاط السوري أيهم نجّار إلى تدريس الخط العربي بشكل أكاديمي في ألمانيا، وافتتاح مركز يقدّم مِن خلاله دورات للراغبين في تعلّم هذا الفن، بهدف نقله إلى الأجيال القادمة، فضلاً عن رغبةٍ بأن يكون لهذا الفن العريق متحف في ألمانيا يضّم - باستمرار - أعمال كافة الخطّاطين.