رغم الأزمات التي يعاني منها السوريون في الداخل السوري، إلّا أنّ كارثة الزلزال التي أصابت مناطق سيطرة المعارضة والنظام السوري على حد سواء، احتلت الواجهة الإعلامية والإنسانية نظراً للضحايا والأضرار الكبيرة التي لحقت بمناطق سيطرة الجانبين, الأمر الذي استدعى استنفاراً شاملاً على كلّ المستويات، لكن استجابة "النظام" كانت منفصلة عن الواقع تماماً، فضلاً عن استثماره للكارثة على حساب ضحايا الزلزال.
وأدّى الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر السادس من شباط الجاري، إلى دمار كبير في كل من محافظتي حلب واللاذقية وأجزاء من محافظتي حماة وطرطوس نظراً لقربها الجغرافي من مركز الزلزال في ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا، كما خلّف آلاف الضحايا بين وفيات ومصابين.
وشهدت مدن في مناطق سيطرة النظام السوري، إخلاء السكّان للأبنية المتضررة جزئياً والسليمة تحسباً من هزات ارتدادية، وبلغ عدد الأفراد الذين خرجوا من منازلهم باتجاه الساحات العامة وأطراف المدن، خلال الأيام الثلاثة الأولى من الكارثة، أكثر من 290 ألفاً، وفق تصريحات وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام حسين مخلوف.
"حكومة النظام" وكارثة الزلزال
غاب دور حكومة النظام السوري عن الواجهة، إلا من بعض قرارات متأخرة فيما يتعلق بالدوام الرسمي وقرارات العطل، أما على مستوى عمليات الإنقاذ والبحث عن عالقين تحت الأنقاض وإغاثة المنكوبين، لم يكن ثمة خطة واضحة ولا تصريحات رسمية، ففي حين أعلنت تركيا رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة الرابعة التي تقتضي تدخل فرق الإغاثة الدولية، لم يصدر أي تصريح رسمي من النظام عن حقيقة الوضع في مناطق سيطرته، التي عُدّت منكوبة بحسب ساكنيها، خاصةً حلب واللاذقية.
اقرأ أيضاً.. النظام استحوذ على 64% من مساعدات الزلزال في سوريا
ورغم إرسال عدة دول عربية أبرزها مصر والجزائر والأردن والإمارات، طائرات محمّلة بالمساعدات الإنسانية إلى النظام السوري، وفعلت ذلك دول غير عربية منها إيران وروسيا والصين، مع تأكيد الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي بأنّ العقوبات لا تشمل المساعدات الإنسانية، إلّا أن الخطاب الرسمي للنظام السوري واصل الاستثمار بالكارثة عبر مطالباته المتكرّرة برفع العقوبات المفروضة عنه وأنّها السبب بتأخّر وصول المساعدات.
فرق إنقاذ أهلية لانتشال العالقين وتبرّعات للمنكوبين
وبحسب السكّان المتضرّرين من الزلزال في مناطق سيطرة النظام، فإنّ إغاثة المنكوبين تبنتها جهات مدنية ولجان محلية وجمعيات خيرية عن طريق جمع التبرعات من أهالي المحافظات غير المتضرّرة، فقد أعلنت اللجان المحلية في درعا عن جمع خمسة مليارات ليرة سورية لصالح المنكوبين، وجمعت الفعاليات الصناعية والتجارية والأهلية في محافظة ريف دمشق تبرعات مالية بقيمة 4 مليارات و 481 مليون ليرة سورية، إضافةً إلى 50 طناً من المساعدات والمواد الغذائية والأدوية الطبية.
كذلك تبرّع عدد من الفنانين السوريين بمبالغ مالية بين 15 مليون ليرة و 360 مليون ليرة سورية، كما أقدم مغتربون سوريون من بلدان مختلفة على تقديم الدعم المادي لضحايا الزلزال، وشارك في ذلك العديد من المشاهير العالميين.
أما عمليات الإنقاذ وانتشال العالقين من تحت الأنقاض، كان الجهد الأكبر فيها للمستثمرين الذين قدموا آلياتهم الإنشائية والهندسية أو تبرعوا بمبالغ مالية للمساعدة في عمليات الإنقاذ، بحسب تصريح نقلته صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام عن مدير عام "المناطق الحرة" إياد كوسا.
ولا يغيب عن المشهد دور المتطوعين من الكوادر الطبية الذين ساهموا في معالجة المصابين إضافة إلى الشركات الطبية التي أعلنت تقديم المستلزمات الطبية مجاناً إلى متضرّري الزلزال، وتوزيع الأدوية اللازمة عليهم.
كذلك، لجأ الذين فقدوا بيوتهم إلى المساجد أو إلى المدارس أو إلى مراكز المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية التي افتتحت مراكزها لاستقبال المنكوبين، فضلاً عن فنادق ومقاهٍ عامة تبرّع أصحابها بإيواء العائلات بشكل مؤقت.
مَن يسرق مساعدات الأهالي للمنكوبين؟
هذه المساهمات وغيرها على سبيل المثال لا الحصر، توحي بأن متضرّري الزلزال من مصابين ومنكوبين وعالقين تحت الأنقاض بحال جيدة نسبياً، لكن الروايات التي كانت تصل من المتضرّرين أنفسهم تشير إلى أن "لا مساعدات ولا تبرّعات، وإن وجدت فإنّها لا تكفي إلا القليل منهم، فضلاً عن رداءة التبرعات العينية التي تُقدّم لهم، ما يثير التساؤل حول الحلقة المفقودة".
تفيد روايات الشهود في المناطق المتضرّرة بوجود "استغلال كبير من قبل مَن يستلمون المساعدات الآتية من المحافظات والمدن الأخرى، ففي حي اسطامو بمدينة اللاذقية والذي يعد من الأحياء الأكثر تضرراً، وردت شكوى عن سلب المختار للمساعدات (ألبسة ومواد غذائية) وتوزيعها على أقربائه وإن لم يكونوا بحاجة، وفي مدينة جبلة المنكوبة، سُلّمت المساعدات من الهلال الأحمر إلى منسّقين عيّنهم النظام، والذين استبدلوها بمساعدات مخزّنة منذ سنوات من بطانيات أصابها العفن، مع توزيع ربطة خبز وأربع بيضات لكل عائلة متضرّرة".
وكذلك الحال في مدينة حلب، حيث إنّ الشاحنات المحمّلة بالإسفنج والمخصّصة للأهالي المنكوبين في منطقة الحمدانية لم تُسلّم إلى مستحقيها، وفي مركز "مصطفى العقاد" للإيواء بحي سيف الدولة، سُحبت معظم المواد الغذائية المخصّصة لكل عائلة من الهاربين من حي صلاح الدين، ومثل ذلك في حي بستان الباشا، إذ وُزّغت ألبسة على الأطفال، قبل استعادتها منهم بعد تصويرهم بها".
وهنا يتساءل الأهالي المتضرّرون في مناطق سيطرة النظام: "هل يُعقل في كارثة إنسانية أحدثت مناطق منكوبة، أن توكل الاستجابة بشكل عشوائي إلى جهات غير رسمية، وأن يُفسح المجال لضعاف النفوس باستثمار الكارثة لملء الجيوب الممتلئة أصلاً خلال سنوات الحرب والحصار؟ أين دور الحكومة وخطتها الرسمية التي تقتضي التنسيق بين الجهات المتبرعة من جهة والإفصاح عن برنامج متكامل لإغاثة المنكوبين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم خلال خطة زمنية واضحة على غرار ما يجري في أي بلد آخر؟".
وتابعوا: "مَن المستفيد من هذه العشوائية والتخبّط في الاستجابة لهذه الكارثة المدمّرة؟ أم أنّ غاية النظام السوري فقط، استثمار الكارثة من أجل تحريك الخطاب العام نحو رفع العقوبات عنه، التي لا تشمل الجانب الإنساني أصلاً، وأكّد ذلك، عشرات طائرات الإغاثة والمساعدات التي وصلت إلى مطارات النظام من عدة دول عربية وغيرها".
وبحسب المتسائلين: "ربما يكمن الجواب في تأخّر النظام السوري بإعلان المناطق المتضرّرة بأنّها منكوبة، إذ جاء الإعلان بعد خمسة أيام من الكارثة، وفسّر محللون سبب التأخير، رغبة النظام في بقاء ملف المساعدات تحت سيطرته، إذ إنّ إعلان أي منطقة بأنها منكوبة يقتضي تدخلاً أممياً، بحيث تكون الإغاثة عن طريق الفرق الأممية إلى المناطق المنكوبة مباشرة من دون وساطة الجهات المحلية، وهو ما يقلّص دور الجهات المحلية التابعة للنظام في التحكّم بالموارد الآتية من دول العالم".