حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش''، اليوم الإثنين، من خطر انهيار المنظومة التعليمية في لبنان، تحت تأثير الأزمة الاقتصادية التي تعصف في البلاد منذ عدة أشهر، وانعكاسات جائحة كورونا التي أدت إلى تراجع العملية التعليمية في جميع المؤسسات التعليمية بالبلاد.
وقالت المنظمة في بيان نشرته على موقعها، إن نظام التعليم في لبنان على شفا الانهيار مع تبعات وخيمة على الأطفال، حيث تسبّب تقاعس السلطات الفادح عن التخطيط في تفاقم تأثير الأزمة المالية وتفشي فيروس "كورونا" في البلاد، وزاد احتمال أن يفوت مئات آلاف الأطفال تعليمهم للعام الثالث على التوالي.
وطالبت المنظمة المانحين الدوليين بالسعي إلى توجيه مزيد من المساعدات مباشرة إلى المدارس، والمعلمين، وأسر الأطفال الملتحقين بالمدارس لضمان تمكّن كل طفل في البلاد من ارتياد المدرسة.
بدورها، قالت آية مجذوب باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: "إن الدولة اللبنانية تترك المدارس، والمعلمين، وأولياء الأمور يتدبرون أمورهم بأنفسهم وسط الأزمة الاقتصادية الحادة والوباء، ما يُفاقم انعدام المساواة بين قلة من الأطفال الذين يستطيعون تلقي تعليم جيد لأن أهاليهم يمكنهم تحمل تكاليف تأمين تعليم جيد لهم، وكثيرين لا يستطيعون ذلك. ثمة حاجة لاستجابة شاملة من الحكومة، والمانحين، والأمم المتحدة لتجنب كارثة للأطفال والبلاد".
مشاكل عالقة متعددة تُهدد العام الدراسي.
وبسبب إضرابات المعلمين، أجلّت وزارة التربية فتح جميع المدارس الرسمية من 27 أيلول إلى 11 تشرين الأول، بينما رفض معلمو المدارس الرسمية العودة إلى العمل من دون زيادات في الأجور وحوافز أخرى، قائلين إن رواتبهم فقدت 90% من قيمتها في العامين الماضيين من جرّاء التضخم السريع.
وقالت مديرة مدرسة رسمية في منطقة الشوف لـ هيومن رايتس ووتش إن راتبها الشهري لا يتجاوز مليونين و100 ألف ليرة لبنانية (ما يعادل حاليا 119 دولاراً أميركياً).
وفي 7 تشرين الأول 2021، أعلن وزير التربية والتعليم عباس الحلبي، عن حزمة جديدة من الزيادات في الدخل لمعلمي المدارس الرسمية من شأنها، إذا أقرّتها الحكومة، زيادة رواتب معلمي المدارس الحكومية المتفرغين بنسبة 50% (90 دولاراً إضافياً شهرياً بسعر صرف السوق)، ومنح بدلَ نقلٍ أعلى، لتقوم نقابة المعلمين في المدارس الرسمية الابتدائية، في اليوم التالي، بالموافقة مبدئيا على العودة إلى التدريس.
نقص في الموارد وضغوط على أولياء الأمور
وتفتقر المدارس إلى الأموال اللازمة لها للعمل وسط تضخم حاد، وانخفاض سريع في قيمة العملة، وأزمة كهرباء على امتداد البلاد، وتفشي فيروس كورونا. حيث قال مديرا مدرستين وناظر مدرسة لـ هيومن رايتس ووتش إن مدارسهم ، كانت تعاني لتوفير المواد الأساسية مثل القرطاسية، ومعدات الكمبيوتر، ومواد النظافة الضرورية لمكافحة فيروس كورونا، ولديها بالكاد بضع ساعات كهرباء في اليوم أو لا كهرباء بتاتا.
وأشارت المنظمة إلى أنّ أولياء الأمور والطلاب بدورهم يتعرضون أيضا لضغوط هائلة، إذ دفعت أزمات لبنان 80% من الأسر إلى الفقر، ما جعل التكاليف المتعلقة بالمدرسة، مثل النقل، فوق طاقة كثيرين.
الطلاب ينتقلون من المدارس الخاصة إلى العامة
قبل الأزمة، كان أكثر من 60% من الطلاب في لبنان يرتادون مدارس خاصة، لكن تقدر الأمم المتحدة انتقال 100 إلى 120 ألف طفل إلى المدارس الحكومية بين 2019 و2021، جراء عجز أسرهم عن تحمل تكاليف المدارس الخاصة، ما يزيد الضغط على قطاع يعاني أصلا من شح الموارد.
زادت بعض المدارس الخاصة أقساطها الدراسية هذا العام بنحو 80%، دون السماح للأهالي بالاطلاع على ميزانياتها، وطالبت بتسديد الأقساط بالدولار الأميركي بدل الليرة اللبنانية، في انتهاك للقوانين اللبنانية، حسبما قالت لما الزين، رئيسة "اتّحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان"، لـ هيومن رايتس ووتش.
700 ألف طفل لم يتلقوا تعليمهم العام الماضي
ولم يتلقَّ 700 ألف طفل، أي ثلث السكان في سن الدراسة، أي تعليم العام الماضي، وتلقى 1.3 مليون طفل تقريبا الذين التحقوا بالمدارس تعليما محدودا من جرّاء إغلاق المدارس لفترات طويلة بسبب الاحتجاجات المعارضة للحكومة، وتفشي فيروس كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، الذي دمّر 163 مدرسة.
كما لم يكن التعلم عن بعد متاحا للأطفال الذين يفتقرون إلى الأجهزة، أو الاتصال بالإنترنت، أو ما يكفي من التيار الكهربائي.
التسرب من التعليم
ووفقاً لتقرير المنظمة، تسرب العام الماضي وحده نحو 42 ألف طفل من المدرسة، وتتوقع "الأمم المتحدة" و"البنك الدولي" استبعاد المزيد من الأطفال هذا العام. فوجدت الأمم المتحدة أن 50% من الأسر خفّضت إنفاقها على التعليم في العام الماضي، وأخرج 15% منها أطفالهم من المدرسة، وأرسل 9% منها أطفالهم للعمل. بالنسبة لأطفال اللاجئين السوريين، انخفض حضورهم 25% العام الماضي. تشير النتائج الأولية لتقرير " تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان" إلى أن 30% من الأطفال السوريين اللاجئين لم يرتادوا المدارس قَطّ.
موعد عودة الطلاب غير واضح بعد
رغم هذه التحديات الضاغطة، ما تزال خطة وزارة التعليم لإعادة الأطفال إلى المدارس واحتياجات التمويل غير واضحة رغم مرور أسابيع على الموعد الذي كان يُفترض أن تفتح فيه المدارس. أفاد الحلبي خلال اجتماع مع لجنة التربية النيابية في 5 تشرين الأول أن الأمم المتحدة والبنك الدولي تبرعا بـ 70 مليون دولار لقطاع التعليم، سيستخدم نصفها لدعم المعلمين والنصف الآخر لمساعدة المدارس الحكومية في تغطية تكاليف عملها، والقرطاسية، والكتب، ومستلزمات النظافة. قال مسؤول بالوزارة لـ هيومن رايتس ووتش إنه رصدت ميزانية لخطط العودة إلى المدارس. لكن من غير الواضح متى ستتاح هذه الأموال للوزارة، أو ما إذا كان التمويل المرصود كافيا لاحتياجات التعليم.
كذلك، لم تخطط السلطات لاحتياجات الطلاب المتوقعة. بعد نحو عامين من التعلم الضائع بسبب الاحتجاجات المعارضة للحكومة وإغلاق المدارس جراء فيروس كورونا، حيث ذكر مسؤولو وزارة التربية لأول مرة في منتصف سبتمبر/أيلول أنهم يخططون لدراسة كيفية إنشاء فصول للتعويض، دون تفاصيل أو جدول زمني. وخفضت الوزارة المناهج الدراسية في هذا العام الدراسي بمقدار النصف والتعليم الحضوري إلى أربعة أيام في الأسبوع، لكنها لم تشر إلى ما إذا كانت تخطط، أو كيف تخطط، لتعويض هذه الدروس الإضافية الضائعة. كما أنها لم تخطط لاحتمال عدم قدرة المدارس على فتح أبوابها.