يضغط نظام الأسد والميليشيات الإيرانية بقوة لحسم المعركة في درعا البلد جنوبي سوريا لصالحهم، وتؤكد المعطيات والتطورات الأخيرة على الأرض، أن النظام عزم الدخول في معركة كسر عظم مع أهالي حوران، وأنه لن يقبل بأي حلّ لا يمكّنه من بسط سيطرته الكاملة على المنطقة، وما يعزز ذلك، تعطيله جولات التفاوض، وإخلاله بتنفيذ ما ينتج عنها، والأهم من ذلك، استمراره بإرسال التعزيزات إلى المحافظة، والأسلحة شديدة التدمير، ومنها راجمات "جولان 1000".
تحمل راجمات الصواريخ المستخدمة في قصف درعا اسم "جولان"، نسبة للجولان السوري المحتل، لكن لم يكن لهذه الراجمات من اسمها نصيب، إذ لم يطلق أي منها على قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبدلاً من ذلك يجري استقدام هذا النوع من الراجمات من قبل نظام الأسد وقوات "الفرقة الرابعة" المقربة من إيران إلى محيط مدينة درعا، ويتم نشرها على عدة محاور، واستخدامها في تدمير الأحياء السكنية المحاصرة.
من الواضح أن النظام لجأ لاستخدام صواريخ "جولان" في درعا بسبب غياب الطيران الحربي الروسي والسوري عن المشهد، وكذلك لدورها في الضغط على السكان في درعا، وإخضاعهم بالقوة، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية، خاصة في ظل عدم وجود نقاط طبية أو أدوية داخل الأحياء المحاصرة.
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 29, 2021
تغيب عن الجولان وتحضر في درعا
استخدمت "الفرقة الرابعة" صواريخ "جولان" و"فيل" بقصف عدة مناطق في درعا، وفي ليلة أمس السبت، تعرضت الأحياء المحاصرة للقصف بأكثر من 34 صاروخاً.
وتظهر فيديوهات نشرتها وسائل إعلام محلية في درعا، تعمّد الفرقة الرابعة استخدام أكثر من راجمة في الوقت نفسه بقصف أحياء درعا البلد.
مصادر محلية في درعا أفادت لموقع تلفزيون سوريا، بأن انفجارات ضخمة تُسمع عند سقوط الصواريخ داخل الأحياء المحاصرة، ويصل صداها في غالب الأحيان إلى داخل الأردن.
تشير المصادر إلى أن الصواريخ تخلّف دماراً كبيراً، ويستخدمها النظام عند محاولته الضغط على لجان التفاوض، لإجبارها على القبول ببعض الشروط.
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 29, 2021
وصعّد النظام قصفه على درعا البلد بصواريخ "جولان" بعد أن رفضت لجان التفاوض عدة مطالب للنظام، ومنها الاعتراف بعلم النظام كعلم معترف به لكل سوريا وهو خط أحمر، وأن جيش النظام هو المسؤول عن أمن سوريا، والاعتراف بأن بشار الأسد رئيساً شرعياً منتخباً لسوريا.
وفي 20 آب الجاري نشرت وكالة أنباء نظام الأسد "سانا" صوراً لتعزيزات عسكرية متوجهة إلى درعا، وكان من ضمنها نحو 3 راجمات على الأقل من نوع "جولان".
ادعت "سانا" أن التعزيزات تهدف إلى إخراج "المجموعات الإرهابية الرافضة لجهود التسوية" من درعا البلد وطريق السد، وتسليم كل أنواع الأسلحة التي بحوزتها.
وسعى النظام لأن يصور حربه على درعا، بأنها جزء من "مقاومته" للغرب وإسرائيل، في محاولة لتبرير استخدام الأسلحة شديدة التدمير في قصف السوريين، على بعد كيلومترات قليلة من نقاط التماس مع الجنود الإسرائيليين.
ونقلت "سانا" عن مصادر ميدانية زعمها أن "تعنت المجموعات الإرهابية يرتبط بالتصريحات الصادرة عن بعض الدول الغربية الداعمة للإرهاب وبالعدو الإسرائيلي الذي يكرر اعتداءاته على سوريا في محاولة لرفع معنويات الإرهابيين" حسب وصفها.
وتبدو تبريرات النظام مستفزة للسوريين، ما دفع الكثير منهم للتعليق على الأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم الصحفي ورد فراتي، حيث قال إن نظام الأسد تعاقد مع الروس لتصميم "راجمات جولان" عام 2017، لتدخل الخدمة رسمياً عام 2018، وقد اختار لها اسم أرض سورية يحتلها الكيان الصهيوني منذ عام 1967 (الجولان).
وأشار "فراتي" في تغريدة عبر تويتر، إلى أن أقرب ما وصلت إليه هذه الراجمة من الجولان هو مدينة درعا، لتقصف "أهلها الأحرار وتدمر منازلهم فوق رؤوسهم".
— ward furati (@wardfurati88) August 28, 2021
وأضاف: "من المفارقات المؤلمة أن القصف الذي يشنه جيش نظام الأسد ضد أهالي درعا باستخدام "راجمات جولان" يشمل سكان المدينة، إضافة إلى نازحين من أبناء الجولان كانوا قد استوطنوا المدينة بعد احتلال الصهاينة لها".
راجمة "جولان"
منذ عام 2017، بدأت وسائل إعلام النظام، والوكالات الروسية بالترويج لراجمات "جولان 1000"، وحاول الإعلام الروسي تصوير هذا السلاح على أنه إنجاز فريد بالنسبة لـ"سوريا".
ضخّم الإعلام الروسي من شأن الراجمات المذكورة، حيث سمّتها وكالة "سبوتنيك" بـ "الوحش السوري"، و"غول صاروخي"، وكذلك وصفتها بأنها "أقوى راجمة صواريخ في العالم".
تعد راجمة "جولان 1000" نسخة مطورة عن "جولان 65" و"جولان 250" و"جولان 300" و"جولان 400"، وتم استخدامها بشكل فعلي في مطلع عام 2018، خلال المعارك ضد تنظيم الدولة في بادية السويداء.
لجأ النظام لاستخدام النسخ القديمة من "جولان" خلال المعارك بريف دمشق في السنوات الأولى للثورة، ويبلغ وزن صاروخ "جولان 300" 180 كغ، وطوله 240 سم، وعياره 120 ملم وبإمكان الراجمة إطلاق 12 صاروخاً دفعة واحدة.
أما "جولان 400"، فقد استخدمها النظام بالمعارك في أحياء دمشق، ومنها القابون وجوبر، وتحتوي بعض الأنواع منها على 3 رؤوس لإطلاق الصواريخ، وبعضها 6 رؤوس.
النسخة المطورة من الراجمات (جولان 1000)، تم تثبيتها على مجسم دبابة نوع "تي 72"، وتحتوي على 3 رؤوس لإطلاق الصواريخ، البالغ عيارها 500 ملم، ويمكن التحكم بها عن بُعد خلال الاستخدام القتالي.
صُممت الراجمة الجديدة من قبل مهندسين روس، وتزن 44 طناً، ويبلغ عدد الطاقم الخاص بها 3 أفراد، ويبلغ طولها 9.5 متر، وعرضها 3.5 متر، وارتفاعها 3.2 متر.
يبلغ وزن الرأس الحربي في الصاروخ الواحد للراجمة 500 كغ، فيما يتراوح مدى الصواريخ من 3 إلى 12 كم.
دور إيراني
يتم استخدام راجمات الصواريخ "جولان 1000" في غالب الأحيان من قبل "الفرقة الرابعة" المقربة من إيران، وبأمر من قائد قوات "الغيث" بالفرقة، العميد غياث دلا.
وفي شهر شباط من عام 2019، نقلت صحيفة "زمان الوصل" عن مصدر مطلع، أن قائد الفرقة الرابعة، ماهر الأسد، أوعز ببناء هنكارات، يتم داخلها إنشاء خطوط إنتاج جديدة للصواريخ الخاصة براجمة "جولان 1000".
ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله: "إن نظام الأسد وبالتعاون مع خبراء إيرانيين بصدد بناء خطوط إنتاج جديدة، من أجل متابعة تصنيع وتطوير أنواع جديدة من الصواريخ والقواعد الصاروخية الأشد تدميراً، والتي كان من إصداراتها السابقة (جولان- بركان)، التي ساهمت في تدمير المدن والبلدات السورية الثائرة".
وأفاد بأن منتجات هذه الخطوط الجديدة ستكون من نصيب قطعات الفرقة الرابعة بشكل خاص، إلى جانب ميليشيا "حزب الله" اللبناني.
أماكن استُخدمت فيها "جولان 1000"
جرى استخدام راجمة "جولان 1000" في شهر شباط من عام 2018، خلال المعارك في منطقة تلول الصفا ببادية السويداء ضد تنظيم الدولة، كما استخدمت في المعارك ضد التنظيم بمنطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك بريف دمشق.
وحضرت الراجمة خلال الحملة العسكرية التي شنها النظام على الغوطة الشرقية بريف دمشق عام 2018، حيث تم نشر العديد منها في مزارع حرستا الغربية، وحي برزة، ومنها كانت تنطلق الصواريخ نحو مختلف المدن والبلدات في الغوطة.
وخلال المعارك بين فصائل المعارضة ونظام الأسد في أرياف إدلب وحماة وحلب عامي 2019 و2020، تم استخدام هذا النوع بكثافة من قبل "الفرقة الرابعة".
وقالت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا إن الفرقة الرابعة ثبتت خلال تلك المعارك عدة راجمات على جبهات حلب، واستخدمتها في القصف تمهيداً للتقدم البريّ.
وأشارت إلى أن الفرقة الرابعة استخدمت راجمات "جولان" خلال الحملة العسكرية على محور الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي، واستطاعت الفصائل تدمير راجمة منها.
وقال الرائد ماهر مواس، المتخصص بسلاح المدفعية في الجبهة الوطنية للتحرير، إن نظام الأسد يستخدم الراجمات ذات القوة التدميرية الكبيرة منذ بداية الثورة، مضيفاً أن قوات "النمر" التي يقودها سهيل الحسن، كانت أكثر الميليشيات التابعة للنظام استخداماً لها.
وأوضح "مواس" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام زاد من وزن الحشوة المتفجرة للصاروخ أضعافاً عن وزنها الأساسي، من أجل تحقيق أكبر قدر من التدمير في المناطق السكنية.
وأكد أن الراجمات المذكورة شاركت بقصف عدة مناطق في سوريا، ومنها كفرنبوذة شمالي حماة، والغوطة الشرقية بريف دمشق، والآن في درعا.
وبحسب الرائد "مواس"، فقد كانت راجمات "جولان" حاضرة بكثافة خلال الحملة العسكرية الروسية الأخيرة على الشمال السوري، وخاصة على جبهة الكبينة.
وكانت العديد من الشبكات الحقوقية، ومنها هيومن رايتس ووتش، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد أكدت منذ عام 2013 أن قوات نظام الأسد تستخدم صواريخ باليستية لقصف الأحياء السكنية بشكل عشوائي، ما يؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال.
وخلال تلك الفترة أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، استخدام النظام ما لا يقل عن 131 صاروخ أرض-أرض طويل المدى في قصف المدنيين بين كانون الأول 2012 ومطلع تموز 2013 فقط، ما أدى لمقتل نحو 260 مدنياً.