جموع غفيرة من أهالي المعتقلين. وجوههم تحكي قصصهم تجمعت تحت جسر الرئيس وسط دمشق خلال اليومين الماضيين بانتظار عثورهم على أبنائهم المعتقلين منذ سنوات، إذ تنقل بعضهم خلال الساعات الماضية بين ساحة منطقة صيدنايا وجسر الرئيس ومنطقة المرجة.
لكن مشهد تلك الجموع اختلف أمس عند الساعة الرابعة عصراً، إذ بدأ الازدحام يخف وسط ترقب المنتظرين لأبنائهم وتداول حديث عن وصول حافلة تحمل قرابة الـ 40 معتقلاً.
وتداول عدد من الأهالي أحاديث وصوراً لأبنائهم، حيث كانوا يتنقلون بين صفحات الفيسبوك علهم يجدون خبراً جديداً ينهي مأساتهم، وسط دعوات رجال الشرطة وبعض العناصر الأمنية التابعة لنظام الأسد الموجودة تحت جسر الرئيس من الأهالي للذهاب إلى منازلهم، "ما عاد في خروج معتقلين ليوم الأحد"، وفق ما قال شرطي يقف بين المتجمهرين. لكن الأهالي مرابطون في مكانهم.
كم عدد المفرج عنهم؟
وفي وقتٍ سابق، قال مصدر خاص لموقع "تلفزيون سوريا" إنه حتى هذه اللحظة خرج ما يقارب نحو 300 شخص غالبيتهم من ريف دمشق وبعض المحافظات السورية، وأن ما يقارب 80 في المئة من الذين خرجوا من السجون فاقدون للذاكرة، وبحاجة إلى مصحات عقلية لمتابعة وضعهم الصحي.
وشهدت شوارع العاصمة دمشق كـ "جسر الرئيس وحي الميدان ومدينة صيدنايا وعدرا وساحة العباسيين" تجمعات كبيرة للأهالي ممن لديهم معتقلون مغيبون في سجون النظام منذ سنوات، وذلك بعد إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد، السبت الفائت مرسوماً تشريعياً يقضي بمنح "عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ الثلاثين من نيسان لهذا العام عدا التي أفضت إلى موت إنسان".
وتقول أم خالد وهي امرأة خمسينية أتت من حلب إلى دمشق لموقع "تلفزيون سوريا"، "إلنا هون من الساعة 5 صباحاً وزوجي معتقل من عشر سنوات، وأفكر بالعودة لحلب كونه لم يأتِ ولا باص معتقلين اليوم، وهناك من يقول ما عاد في للأحد". "وصرنا رايحين وراجعين على ساحة المرجة أكثر من 3 مرات بعد كلام عن وصول معتقلين لكن لم يصل أحد".
وتوضح في حديثها أنَّه عندما اُعتقل زوجها كان أصغر أولادها عمره تسعة أشهر وأكبرهم 11 عاماً، واليوم أصبح الكبير طالباً في السنة الثانية للهندسة والصغير في الصف الخامس.
اعتقال لسنوات طويلة
أما سميرة (اسم مستعار) وهي شابة فلسطينية تنتظر أخاها المعتقل منذ عشر سنوات. تتساءل "معقول يعرفني؟" وتقول "أتمنى أن أعرفه بعد 9 سنوات اعتقال كان عمري حينها 12 سنة، واليوم لا يمكن أن يعرفني".
أم خالد وسميرة ليستا حالة فريدة، هذا حال معظم النساء والأمهات القادمات من دمشق وريفها وحلب وحماة وحمص يجلسنَ على الأرض ويقرأن الأخبار من صفحات الفيس بوك وسط تضارب الأنباء عن مصير المعتقلين وساعات الإفراج عنهم، وفي ظل تعمد النظام السوري قهر ذوي المعتقلين في صور ومشاهد لا يملك أهاليهم قدرة التعبير عنها رغم ظهور ذلك على وجوههم.
وبينما ينتظر شاب آخر من بلدة كناكر بريف دمشق والده وثلاثة من إخوته بعد عشر سنوات اعتقال، يطالب ذوو المعتقلين "بآلية واضحة ومعينة لإخراج المعتقلين وتحديد مكان للانتظار" عوضاً عن أماكن التجمعات التي حدثت في عدة مناطق من دمشق.
من جانبه، قال محامٍ يعمل في قضايا الإرهاب "ليس هناك أية جهة حكومية أو أمنية تعلم عدد من سيفرج عنهم، حتى وزارة العدل المسؤولة عن القضاء لا تملك العدد"، ويضيف مفضلاً عدم ذكر اسمه أن "عملية الإفراج عن المعتقلين تجري على مستوى قصور العدل، وفروع الأمن والمخابرات إضافة إلى السجون دون أدنى تنسيق بين كل هذه الجهات.
وتشير تقارير، إلى وصول ثلاثة دفعات من المعتقلين إلى محيط جسر الرئيس عبر حافلات عسكرية، منذ صدور العفو الرئاسي، وأن عمليات الإفراج عن المعتقلين ستستمر حتى حزيران المقبل، ومن المفترض أن تشمل الآلاف تباعاً.
وقدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هناك ما لا يقل عن 131 ألفاً و469 شخصاً ما بين معتقل ومختف قسرياً لدى النظام السوري منذ شهر آذار 2011 وحتى آب 2021. وأن من بين المعتقلين أو المختفين قسرياً لدى النظام 3621 طفلاً و8037 سيدة.وكانت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري طلبت من الذين ينتظرون ذويهم المفرج عنهم تحت "جسر الرئيس" عدم الانتظار هناك، مؤكدة أنها لم تخصص مكاناً لتجمع ذوي المعتقلين المفرج عنهم بموجب المرسوم رقم 7 الصادر أخيراً.