عملت "هيئة تحرير الشام" منذ بداية العام 2022 على الانتقال في خطابها الإعلامي الموجه من حالة التنظيم إلى حالة الدولة التي تفخر وتجاهر بمنجزاتها المزعومة وتعمل على تضخيمها بشكل مبالغ فيه، ويركز النهج الجديد على عدم تفويت أي فرصة يمكن استثمارها (المناسبات والأنشطة والفعاليات العسكرية والدينية والمدنية وفي قطاع الخدمات) والاحتفاء بها بطرق احتفالية تركز على استقطاب الشارع باعتباره هدفاً بارزاً للخطاب المستجد بداية العهد الجديد الذي افتتحه زعيمها "أبو محمد الجولاني" مطلع العام في أثناء احتفالية "تدشين" الطريق السريع، باب الهوى-حلب.
المجاهرة بالمنجزات وتضخيمها
تسعى تحرير الشام من خلال النهج الاحتفالي والمجاهرة بالإنجازات وتضخيمها إلى توسعة الحاضنة الشعبية، وتحويل أنظارها عن أزمة المعيشة والقبضة الأمنية المتصاعدة، وذلك عبر شعارات كبيرة ورنانة، كالزحف نحو دمشق بالبناء والتنمية وخلق مشروع دولة منافس يسحب البساط من تحت القوى التي تتقاسم جغرافية البلاد.
ويبدو أن هدفها الكبير هو الترويج لمشروعها "دولة تحرير الشام" والذي تعددت تسمياته على لسان عدد من قادتها ومنظريها والذين واكبوا بشكل لافت التغييرات في الخطاب الإعلامي.
كثفت تحرير الشام وحكومتها "الإنقاذ" وبشكل غير مسبوق دعايتها والترويج لمشروعها خلال شهر كانون الثاني/يناير، وأبرز الفعاليات التي تلت ظهور "الجولاني" بداية الشهر، تكريم الطلاب الأوائل في جامعة إدلب، وطلاب صفوف تحرير الشام تخرجوا من الجامعة ذاتها.
وكذلك إقامة فعالية عسكرية في سرمدا تضمنت معرضاً للأسلحة واستعراضاً عسكرياً، وخطابات وملتقيات نظمتها إدارة التجنيد العامة في سرمدا، والتي أعلنت عن فتح باب التجنيد في مختلف التخصصات العسكرية والألوية التابعة لها، كما أعلنت إدارة الحواجز عن رغبتها بضم أعداد جديدة من المجندين.
وتوسعت الدعاية لتشمل كتائب القناصة والمدفعية والمراصد العسكرية، وأعلنت عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية هي الأولى من نوعها في جبهات ريف إدلب. بينما عملت "الإنقاذ" على تسليط الضوء على العمران ومشاريعها وجهودها في مختلف القطاعات الخدمية، وتحسين الشكل الجمالي للساحات العامة، وجولة رئيسها علي كدة في مخيمات النازحين قرب الحدود السورية-التركية والتي تزامنت مع حملات إغاثية نفذتها "الإنقاذ" في عدد من المخيمات بالتزامن مع موجة البرد والعاصفة الثلجية التي عصفت بالمنطقة، واختتمت تحرير الشام الشهر بالاحتفاء بذكرى تأسيسها بطريقة مختلفة.
الاحتفاء بذكرى التأسيس
احتفت تحرير الشام في 28 كانون الثاني/يناير بذكرى تأسيسها الخامسة، ففي مثل هذا التاريخ من العام 2017 أعلن الزعيم السابق لحركة أحرار الشام هاشم الشيخ أبو جابر عن تأسيس الهيئة بقيادته، والتي ضمت حينئذ كلاً من "جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة".
لخّصت تحرير الشام، في إصدار مصوّر بذكرى تأسيسها الخامسة، سنواتها الخمس من وجهة نظرها وبشكل يتوافق مع تحولاتها وخطابها المستجد والذي زعمت فيه بأنها "درع الثورة ومشعلها"، وأنها "تحمل رايات الحرية والكرامة".
وجاء في الإصدار الذي نشرته مؤسسة "أمجاد" الإعلامية عبر "تلغرام" في 28 من كانون الثاني/يناير وحمل اسم (خمسة أعوام من الجهاد والبناء)، أن "العالم لا يعرف الكثير عن بطولاتنا وتضحيتنا ولكن يكفي أن الله يعلم كم عملنا وجاهدنا"، وجاء أيضاً "إيمان جنودنا وصلابة قادتنا وصبر شعبنا جعلنا نكبر على الألم ونتخطى المراحل، ولمن يسأل عنا من نحن، نحن درع المحرر وحاملو اللواء، نحن الحرية والكرامة، نحن مشعل الثورة وقادتها، نحن هيئة تحرير الشام".
عضو مجلس شورى تحرير الشام مظهر الويس قال في قناته على تلغرام: "خمس سنوات على تأسيس تحرير الشام وسبقتها عقود من العمل الإسلامي تبلور في الثورة السورية المباركة، وتحقق الكثير ولا زال ينتظرنا الأكثر ليتحقق في ميدان الواقع والصراع والعطاء".
وأضاف الويس: "خمس سنوات ثبات على المبادئ وارتقاء وتطور في الأدوات والأساليب بما يتناسب مع المرحلة التي تعيشها أمتنا، مع الاستفادة من التجارب السابقة والحالية والبعد عن القوالب الجامدة والصور النمطية لنصل لمرحلة المشروع الذي يتجاوز قوقعة التنظيمات والجماعات".
وتابع: "خمس سنوات وأمامنا واجبات ثقيلة تتمثل في الاستمرارية بالدفاع عن أهلنا وإعادة الأراضي المغتصبة وإخراج قوى الاحتلال وتمثيل أهل الشام بالشكل اللائق وإقامة نظام الإسلام العادل الذي تتجلى فيه الهوية التي نسعى ونطمح".
وكتب الكثير من قادة ومنظري تحرير الشام بمناسبة ذكرى التأسيس، وكانت تصريحات الجهادي التونسي في تحرير الشام عبد الرحمن الإدريسي لافتة، وتعبر عما تريد قوله تحرير الشام رسمياً، وقال الإدريسي في تلغرام: "تحرير الشام ثمرة اعتصام العديد من الفصائل السورية لتكون كياناً محلياً جامعاً بين الفئات والشرائح العاملة في الثورة السورية تحت مقاصد كلية واحدة، وكان لها الفضل في إطلاق جناح المؤسساتية والإدارة المدنية ليشُدُّ من عضُدِ جناح العسكرة بعد أن طورته وجعلته جيشاً منظَّماً قادراً على الترميم الذاتي والاستمرارية مع عوامل الزمن وتغيرات الواقع.
وأضاف الإدريسي: "تحرير الشام مهدت الطريق وأفسحت المجال للكوادر المدنية والنخب الوطنية الثورية بأن يكون لهم المشاركة الفعالة في إعمار الأرض وبناء الوطن، فأُنشئت البُنى التحتية وفُعِّلت الجامعات وبُنيت المشافي بأيادٍ محلية ثورية، وجعلت الحفاظ على الأمن مثالاً يُحتذى به، التنظيمات ما هي إلا وسائل تروح وتأتي ويبقى المشروع الذي بنته أيادي الصادقين وتبقى أسماء الرجال الذين بنوا هذا الصرح خالدةً في سجلات التاريخ".
لم يقتصر الاحتفاء بذكرى تأسيس تحرير الشام على إصدار "أمجاد"، بل راحت منصات إعلامية رسمية وأخرى في قطاع الإعلامي الرديف نشأت أخيراً تروج للذكرى وتحتفي بها بإصدار أناشيد تمجد تحرير الشام وقادتها باعتبارهم "حماة" حصون الثورة.
ونشرت شبكة المراسل العسكري التابعة لها إصداراً مختصراً بعنوان "خيرة الأجناد"، ونشرت أنشودة لأحد منشدي تحرير الشام، يدعى أبو سعيد الهذلي، بعنوان "سلامي للهيئة سلام".
الاحتفالية العسكرية في سرمدا
أقام الجناح العسكري التابع لتحرير الشام في مدينة سرمدا شمالي إدلب احتفالية كبيرة منتصف الشهر الحالي، ركزت على إظهار منجزات مفترضة للجناح، وذلك في نواحي التصنيع العسكري والتدريب والتجنيد والتنظيم والإدارة، ونظم الجناح استعراضاً عسكرياً في سرمدا وريفها القريب لجذب أنظار الناس ودفعهم لحضور الاحتفالية التي تضمنت فعاليات متنوعة، أهمها معرض للأسلحة والذخائر ومن بينها دبابة صغيرة الحجم يتم التحكم بها عن بعد، وقد ثبت عليها رشاش، وهي مخصصة للاستخدام في جبهات القتال المفتوحة والمكشوفة مع قوات نظام الأسد والميليشيات الموالية لها، بحسب الشرح الذي قدمه عناصر تحرير الشام لزوار المعرض من المدنيين.
حملت الاحتفالية في سرمدا اسم "سننشد عضدك بأخيك"، والتي تخللها أيضاً التعريف بإدارات التجنيد العسكري الثمانية المنتشرة في عموم مناطق إدلب، وتسليط الضوء على المميزات التي من المفترض أن يحصل عليها المجند، وتم عرض فيلم تسجيلي قصير يوضح طرق الانتساب والأوراق والشروط المطلوبة، وتضمنت الفعالية أيضاً خطباً وكلمات حماسية ألقاها عدد من شرعيي وقادة الجناح العسكري، وبدت طقوس الفعاليات والديكور المستخدم شبيهة إلى حد كبير بطقوس الفعاليات التي تنظمها الحركات الإسلامية المعتدلة.
قالت مصادر محلية متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا"، إن " المعرض العسكري الذي نظمته تحرير الشام في سرمدا هو الأول من نوعه، وقد جذب بالفعل الأنظار إليه، كان يقف أمام كل نوع من الأسلحة عنصر من تحرير الشام ليشرح للزوار عن مميزات السلاح وطرق استخدامه وفاعليته في معارك تحرير الشام، ويتحدث العناصر للزوار عن عمليات تطوير بعض أنواع الأسلحة، كما ضمت الفعالية عرضاً للزي العسكري لعدة تشكيلات".
عرض عسكري للأسلحة الحربية أثناء فعاليات حملة "سنشد عضدك بأخيك" والتي نظمتها إدارة التجنيد العسكري بالتعاون مع إدارة منطقة سرمدا pic.twitter.com/NZNzrbi9NT
— قتادة صاعقة (@omarii49) January 15, 2022
تزامنت الدعاية والنهج المستجد في الخطاب الإعلامي لتحرير الشام مع هجمات منظمة قادها منظروها وعدد من قادتها ضد المناهضين الذين انتقدوا مشروعها وقللوا من قيمة إنجازاتها المزعومة في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية، وأهم التصريحات التي تفرغ قادة بارزون في تحرير الشام للرد عليها، كان تصريحاً لكنان النحاس أحد قادة حركة أحرار الشام، والذي قال في تويتر في 24 كانون الثاني/يناير "هناك خطوتان هامتان لا بد من القيام بهما، الأولى، بيان فساد مشروع الهيئة وقيامه واستمراره بالظلم والعدوان، والثانية، وجوب العمل لبناء النموذج الصحيح الذي ننشده ونطمح إليه، وعجزنا عن الثانية لا ينفي صحة الأولى، وقيامنا بالأولى لا يغني عن وجوب العمل لتحقيق الثانية".
وأضاف النحاس: "تحرير الشام، فصيل قام على البغي والظلم والخداع والمزايدة، وبعد تدميره الفصائل المسلحة وسيطرته على مقدرات إدلب لم يتمكن من الحفاظ على الأرض، ولم تتوقف أخطاؤه وجرائمه، بل سلك مسلك الدول الشيوعية بالحكم والإدارة، كل ما سبق يجعل استمرار السكوت عنه اليوم جريمة ومساهمة بتشويه ديننا".
وفي رده على النحاس، قال الجهادي العراقي في تحرير الشام أبو ماريا القحطاني في تلغرام: "لم يبق لكم يا كنان شيء على الأرض، رأس مالكم في الطعن بمن جعلتموهم خصوما لكم، فلم يبق لكم منبر تعبرون فيه عن مشاعركم الخائبة، وضعكم محزن وتثيرون الشفقة". أضاف القحطاني "يتكلمون الليل والنهار ويحرضون على تحرير الشام، بل مشكلتهم معها أو مع الشيخ أبي محمد مشكلة نفسية، أقول لكم كلامكم على النت شعارات، يا كنان، أوجدوا لنا مشروعاً بديلاً وأوجدوا لنا قائداً نلتف حوله بديلاً عن الشيخ أبي محمد وأنا موقن أن هذا شرطي لكم شرط تعجيزي، لكن شعاراتكم أتعبتكم أنتم أنفسكم، لا مشروع عندكم إلا النوح والعويل".
أما الجهادي جهاد عيسى الشيخ أحد قادة تحرير الشام وعراب العلاقات بينها وبين الفصائل المعارضة، فقد قال في رده على النحاس: "من أضاع إرث قادة الأحرار وقضى على أكبر فصيل بالساحة وكان عثرة أمام أي اندماج يوحد الساحة لا يحق له أن يتكلم عنها خصوصاً بعد أن خرج من الساحة معنوياً وحقيقة، إن تحرير الشام اليوم ضمان الساحة وقلعة السنة".