تشير جملة من المعطيات والمؤشرات إلى بقاء عام /2021/ عام تجميد الملف السوري على الصعيد الدولي وحصره بالمساعدات الإنسانية فقط. بالمقابل ربما تتحول المصالحة الخليجية إلى فاعل لتحريك الملف السوري عربياً، قوامه التخلص من الضواغط التي منعت خفض التوتر والتصعيد في سوريا، خاصة أن المصالحة جاءت في أصعب وأخطر مراحل التحدّي الإقليمي والدولي على مصالح شعوب المنطقة.
كما توفر العلاقات بين قطر والسعودية ومصر إمكانية تحريك العمل السياسي المشترك، لما لها من أهمية مركزية في العمل السياسي العربي عامة والسوري خاصة، وما شهدته الساحة السورية من ضعف النتائج السياسية خلال الأعوام الأخيرة؛ كإحدى نتائج خلافات هذه الدول العربية ذات التأثير الوازن والعميق في القضية السورية داخلياً وخارجياً. وعليه فإن ثلاث محطات إقليمية متداخلة ومترابطة تخلق أملاً وتساعد السوريين في تعبيد الطريق نحو التحول المنشود، الأولى: هذه المصالحة تعني عودة القرار العربي إلى الواجهة والفاعلية السورية سياسياً، وخلق كتلة وقوة عربية متجانسة للفاعل الأميركي ودوره في الملف السوري سواء سياسياً عبر اللجنة الدستورية أو ميدانياً، والثانية: تمكّنَ إقليم كُردستان العراق، حيث مركز وثقل قرار العالم الكردي، من تجاوز العقبات التي كانت لا تتوانى في خلقها جهات داخل وخارج الإقليم لخلق التوترات وجر قوات الإقليم إلى حروب ونزاعات داخلية يكون لها امتدادات خارجية على كُرد سوريا وتأثير ذلك على جزء مهم من سوريا؛ لما للإقليم من علاقات مميزة وعميقة مع جهات فاعلة سياسياً في العمق السوري خاصة في المناطق الكردية وعموم شمال وشرق سوريا، والثالثة: الدور المحوري لتركيا كفاعل إقليمي يتمتع بأدوات فاعلة محلية عسكرياً وسياسياً في شمال غرب سوريا، وحراكه الدبلوماسي النشط ذي الوتيرة العالية باتجاه السعودية ومصر والإمارات، وعلاقاتها المميزة مع قطر، ومساعيها للعودة إلى صفر مشاكل مع الدول العربية الفاعلة وذات القوة في الملف السوري.
كُل هذا، يُنبئ بسيولة سياسية في المشهد العربي والكردي، فتدفع بضرورة وجود قوة سياسية محلية توفر انسجاما مع الأطراف الإقليمية والموافقة الدولية عليها، وحاملة مع باقي الأطراف مفاتيح الانتقال السياسي المنشود. والتي من بينها جبهة السلام والحرية كإحدى الأجسام السياسية التي سيُعول عليها كفاعل رئيسي؛ فهي تضم القوميات والمكونات السورية الرئيسية من /كرد، وعرب، وآشور وسريان/ وتتجه النية صوب ضم المكون التركماني وفي مرحلة لاحقة ضم مكونات وأديان وإثنيات أخرى تؤمن بالحل السياسي والتحول الديمقراطي. لهذا فإن المبادرة التي أعلنت عنها جبهة السلام والحرية لتقديمها إلى قطر والسعودية ومصر، وضمان دور وفاعلية تركية مهمة، والإعلان عن ذلك من كردستان العراق، وسلسلة اللقاءات السياسية التي قام بها رئيس الجبهة السيد أحمد الجربا في كردستان، تشير إلى وجود وتوافق ثلاثي مُشكل من كافة الأطراف ذات الثقل أو المصالح أو الامتداد التاريخي لها في سوريا، تأخذ كلاً من /قطر، مصر، السعودية/ مكانة القاعدة الرئيسة في هذا المثلث، ويشكل إقليم كردستان وتركيا ضلعي المثلث، مع صفر مشاكل لمكونات الجبهة مع أميركا وروسيا.
هذه المقاربات والتحولات ودور تلك الدول لا يمكن لها أن تستمر وتنجح من دون توافق عربي –عربي، عربي-تركي، ودور وازن لإقليم كردستان في الملف السوري والكردي في سوريا
ويبدو أن تحولاتٍ عميقة مقارنة بسياقاتها التاريخية في السعودية ومصر، في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية الناشئة وإنعاش ملف الحريات السياسية والمدنية، والدور الخليجي في الملف اليمني، ومساعي مصر للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وحل خلافاتها مع تركيا، واتفاق العرب على إنجاز التحول السياسي والانتخابات الليبية، تخلق طريقاً جديداً لمواقف الإدارة الأميركية من تلك الدول. هذه المقاربات والتحولات ودور تلك الدول لا يمكن لها أن تستمر وتنجح من دون توافق عربي –عربي، عربي-تركي، ودور وازن لإقليم كردستان في الملف السوري والكردي في سوريا.
وفقاً لذلك فإن هذه الجبهة ومبادرتها من المرجح أن تنال مركزاً ريادياً في المرحلة المقبلة، فهي فضلا عن رضا كل تلك الدول عنها، ومشاركتها في دعم القرار السوري والاستقرار والانتقال السياسي، فإن تمثيل مكونات الجبهة في اللجنة الدستورية والهيئة العليا للتفاوض، والائتلاف السوري، ومنصة القاهرة، وطرحهم للامركزية كنظام حكم مستقبلي لسوريا، يحمّل هذه الجبهة أهمية سياسية وثقلاً معتبراً في الملف السوري.
أخطأت الأطر السياسية في النظر للجبهة على إنها ولادة هشّة، أو إنها ستتحول إلى استطالات لدول ضد أخرى
وليس مستبعداً أن تشكل هذه الجبهة منصة جديدة باسم منصة أربيل، وهي النقلة النوعية الجديدة بالنسبة للكُرد وباقي المكونات في سوريا، والعبء الإضافي على إقليم كردستان، وما سيلعبه من أهمية في دفع الحوار الكردي-الكردي السوري للأمام، خاصة أن قسد والإدارة الذاتية ومسد هي الأخرى باتت تستشعر حجم الفقد والخسارة السياسية التي منيت بها من جراء عدّم تمثيلهم السياسي في أيَّ محفل دولي أو إقليمي حول سوريا، في مقابل وجود غريمه السياسي "المجلس الكردي" في كل تلك المحافل، بل إن مكونات الإدارة الذاتية من /عرب وسريان وآشور وتركمان/ هم أيضاً يُدركون خسارتهم السياسية طيلة الأعوام الماضية في مقابل وجود المنظمة الآثورية الديمقراطية والمكون العربي في شمال شرق سوريا ضمن تلك الاجتماعات من دستورية، ومسار الحل السياسي جنيف والقرار 2254...إلخ ووفقاً لذلك فإن المساحة تضيق أكثر على الإدارة الذاتية ومكوناتها، مقابل توسع الأفق ومشاركة مكونات جبهة السلام والحرية/المنظمة الآثورية، تيار الغد، المجلس العربي في الجزيرة والفرات، والمجلس الكردي) مع تلك الدول ذات الشأن والثقل الوازن والفعال في الملف السوري، وخاصة أن ما يهم الإدارة الذاتية والاتحاد الديمقراطي هو سحب ورقة التمثيل الكردي في تلك المحافل من يد المجلس الكردي، وحال نجاح مبادرة الجبهة للدول العربية /قطر –والسعودية-ومصر/ وتوافقهم مع تركيا، والدعم السياسي الذي سيلقونه من الإقليم - علماً أن المعطيات والمصالحات تُمهد لنجاح المبادرة- فإن رجحان كفة جبهة السلام والحرية ومكوناتها، ستكون الأعلى شأناً مقارنة بالإدارة الذاتية ومكوناتها.
أخطأت الأطر السياسية في النظر للجبهة على أنها ولادة هشّة، أو إنها ستتحول إلى استطالات لدول ضد أخرى، لكن الأصح إنها تتحول بهدوء لتكون صاحبة مبادرة سورية لأجل شعب ومستقبل سوريا، وتحظى بدعم مآلات المصالحة العربية، ونتائج تصفير المشاكل التركية –العربية، وثقل وتطلعات إقليم كردستان العراق، لما لهذه الدول من أهمية في الاستقرار السوري، من دون إغفال سياق ومكان تشكيل والإعلان عن الجبهة على أرضٍ سورية وبقرار سوري.