لاقى العرض الأول لمسلسل دنيا بنسخته الفرنسية على تلفزيون (Tele Quebec) الكندي في العاشر من الشهر الجاري إقبالاً جماهيرياً واسعاً، بعد أن شهدت السنوات التي تلت ثورة 2011 إنتاج عدة أفلام سورية جسدت الواقع الذي عاشه السوريون تلك الفترة، وحصدت جوائر دولية، فيما غابت أعمال الأنيميشن الموجهة للأطفال، ليأتي اليوم مسلسل (دنيا) من إخراج وكتابة ورسم الفنانة السورية (ماريا ظريف) واضعاً لبنة أساسية لتوثيق ماحدث بذاكرة الأطفال، معتمداً أسلوباً إبداعياً في النص والصورة.
العلاقة بين الفنانة (ماريا ظريف) وشخصية (دنيا) ليست حدثاً طارئاً، تقول ظريف لتلفزيون سوريا: "دنيا معي وأرسمها منذ بداية التغريبة السورية، وأنا أتألم ككل السوريين لما يحدث وخاصة للأطفال"، ونوهت ظريف إلى أن الغالبية الساحقة من الإعلام العربي والعالمي لا يحترم ما سمَّته "الحق للصورة"، أي حق الطفل بأن تكون له صورة إعلامية إيجابية، محترمةً شخصه وكرامته، وأن لايقتصر تصوير الطفل السوري في حالة البكاء والألم والموت، فالطفل قادر دوماً على نبش البسمة من تلال القهر لينشرها على وجوه المقهورين عنوة، سحر الطفولة السورية هذا ما أرادت ظريف تجسيده في المسلسل.
اقرأ أيضا: ترودو: إعادة توطين اللاجئين السوريين في كندا مستمر
عن دنيا:
دنيا طفلة سورية حلبية تخسر بيتها في المدينة القديمة نتيجة القصف، فترحل إلى المجهول مع جدها درويش وجدتها مونة ومجموعة من الأصدقاء الذين حرصت (ظريف) أن يمثلوا مختلف الأطياف السورية.
في زحمة الألم الذي عاشته العائلة نتيجة خسرانهم منزلهم، ورحلة البحث عن مكان آمن، تستطيع دنيا أن تزرع البسمة على وجوه المنكوبين لتنقذ المجموعة من مآزق يمرون بها خلال رحلتهم باستخدامها قوة السحر في حبات البركة التي تحملها معها.
ترى (ظريف) أن (دنيا) هي طفولتنا نحن السوريين البالغين، تلك التي خسرناها بتدمير بلادنا، والتي نواجهها مجدداً بقدومنا إلى عوالم جديدة تطلب منا أن نبدأ من جديد، دنيا هي الألم والأمل.
اقرأ أيضا: سوريتان تتحدثان عن تجربة السفر لمتابعة الدراسة في كندا
من الفكرة إلى الشاشة
حديثٌ دار بين الفنانة (ماريا ظريف) والمنتجة الكندية (Judith Beauregard) في شركة (Tobo) حول مشروع فني عن ظاهرة اللجوء العالمية، أوحى لظريف أنه الوقت المناسب لإخراج (دنيا) التي لازمتها لسنوات إلى النور.
ثمانية عشر شهراً عملت خلالها ظريف على إنجاز العمل رسماً وكتابة، وبتمويل جهات كندية رسمية (Fonds Des Medias Du Canada)، وبمشاركة تمويلية من المحطة التلفزيونية الرسمية الناطقة باللغة الفرنسية (Tele Quebec)، تم تطوير العمل إلى مسلسل كرتوني من ست حلقات مدة كل حلقة ثماني دقائق، أخرجته (ماريا ظريف) بالتعاون مع المخرج الفرنسي الكندي (André Kadi) في استوديو الرسوم المتحركة (Du Coup Animation).
وأشارت (ظريف) في حديثها لتلفزيون سوريا إلى أنَّ دبلجة العمل للغة الإنكليزية شارف على الانتهاء، كما ستتم دبلجته للعربية تحضيراً لبثِّه على قنوات عربية وعالمية خارج كندا.
من جهة أُخرى كشفت المخرجة أن العمل على تحويل المسلسل إلى فيلم سينمائي سيبدأ مطلع 2021.
طاقم العمل
حرصت المخرجة أن يكون معظم الممثلين من أصول سورية أو عربية، فالطفلة السورية اللاجئة في كندا (رهف عطايا) أدت دور البطلة (دنيا)، وأدت الفنانة الدمشقية المقيمة في مونتريال (ايلزا مارديروسيان) شخصية الجدة (مونة)، أما شخصية الجد (درويش) فكانت للفنان الكندي المصري (Manuel Tadros).
ألّف الفنان السوري (فواز باقر) القسم الأكبر من موسيقا المسلسل، وأداها مجموعة من الموسيقيين السوريين المقيمين في فرنسا وكندا.
ولم يفت المخرجة الجانب النفسي للعمل إذ أشرفت السورية (أندريا ظريف) المختصة بسيكولوجيا أطفال الحرب على مراجعته وتدقيقه بحسب اختصاصها، لضمان الأثر النفسي السوي للمسلسل على الطفل المتلقي.
اقرأ أيضا: قصة عائلة سورية لجأت من تركيا إلى كندا
رسالة محبة
وعن رسالة (دنيا) قالت (ظريف): "لا أؤمن بالرسائل في الفن، بل بطرح الأسئلة والعوالم الحسية الجديدة، لذلك (دنيا) مجرد طرح للجمهور كباراً، وصغاراً، عرباً، وغربيين عن صورة مختلفة لضحايا الحرب"، صورة تراها ظريف أقرب للحقيقة، فالشخصيات تجسد ألواناً ومشاعر وأحاسيس متنوعة تقرِّبها من المشاهد، وبالتالي تساعده على مشاركة الآخر التجربة دون تلقين الأحكام المسبقة.
وترى (ظريف) أن هذا العالم لا يحتاج أعمالاً فنية لإثبات نظريات أو إيديولوجيات محددة بقدر حاجته إلى محبة أكبر، وهذا ما أرادته من العمل.
المسلسل إنساني لا سياسي
(دنيا) الأول من نوعه الذي تم إنتاجه رسماً وكتابة وتحريكاً بجهد شخصي غير موجه من قبل أي جهة إعلامية أو منظمة، وبالتالي لم يؤدلج لصالح أحد، كما أكدت (ظريف) أنها عمدت من خلال هذا المسلسل على تسليط الضوء على الحالة السورية ببُعدها الإنساني وليس السياسي.
وأضافت أنها: "تأمل أن يشكل العمل ذاكرة مشتركة عن معاناة النزوح واللجوء التي مررنا بها لدى كل الأطفال السورين دون استثناء، ويخلق ألواناً وأحاسيس وعوالم جديدة لمخيلة الجمهور الكندي وخاصة الأطفال، بما يمكّنهم من التعامل مع الأطفال السوريين المهاجرين بأرضية خاصة من التسامح والمحبة بدلاً من مفاهيم وقواعد الاندماج".
ويأتي مسلسل (دنيا) ببعده الإنساني انعكاساً لقناعة المخرجة بضرورة امتلاك الفنان شجاعة التعبير رغم كل التحديات، من خلال الحفاظ على استقلالية العمل الفني بعيداً عن الإيديولوجيات والتوجيهات الإعلامية أو الإنتاجية العالمية أو الوطنية المسيّسة، فالفن ليس سفيراً للسياسة، لكن يُستخدم كثيراً لهذا الغرض، والتعامل مع هذه الحقيقة من أصعب ما يكون، لكنه ضروري جداً بحسب ظريف.
اقرأ أيضا: 25 ألف سوري يسلطون الضوء على أفضل ما في الهجرة إلى كندا
من حلب إلى مونتريال
(ماريا ظريف) فنانة وكاتبة ومخرجة سورية متخصصة في مجال الرسم والإنيميشن، من مواليد حلب 1982 تتحدث العربية والإنكليزية والفرنسية، وصلت إلى كندا كطالبة جامعية عام 2000. التحقت بجامعة مونتريال لتدرس في قسم الإعلام والاتصالات، ثم أكملت مسيرتها في قسم المسرح في جامعة (UQAM)، وحصلت على منحة لتدرس في المعهد الوطني للصوت والصورة (INIS).
أخرجت مسرحيات للأطفال وهي طالبة جامعية، وحصلت على عدة جوائز كمصممة وكاتبة ومخرجة.
عملت كاتبة مقالات فنية عام 2003، ثم مقدمة برامج في عدة إذاعات، من برامجها (Radio Dodo) عام 2018 الذي يسرد قصص أطفال المخيمات حول العالم بثلاث لغات.
لعبت (ماريا) دوراً فعالاً في الجالية السورية في كيبيك، حيث أسست وأدارت (بيت سوريا) عام 2013، وهو منظمة ثقافية تسعى لنشر الثقافات السورية في كيبيك حصلت على ميدالية السلام (YMCA) عام 2018.
كما أسست مع مجموعة من السوريين منظمة (بدي ألعب) التي بنت ملاعب للأطفال السوريين النازحين في الداخل، وفي مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان، وحصلت على ميدالية السلام لعام 2016.
خلال إدارتها الفنية لبيت سوريا قدمت (ظريف) وأخرجت العديد من العروض الفنية والمسرحية والموسيقية والمعارض للتعريف بالثقافة السورية ونشرها.