لأول مرة منذ عام 2006 تستخدم إسرائيل الطائرات الحربية في قصف جنوب لبنان، الأمر الذي اعتبرته السلطات اللبنانية تصعيداً خطيراً وانتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وفي المقابل تحاول تل أبيب إيصال رسائل تهديد "بالغة الشدة" عبر إعادة استهداف البنى التحتية المدنية بعد امتناع دام عقداً ونصف عقد .
وأعلنت الحكومة اللبنانية، أمس الخميس، أنها تعتزم تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن العدوان الإسرائيلي على بلادها.
وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية "الوطنية لإعلام" أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب طلب من وزارة الخارجية "تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي الأخير"، داعياً المجتمع الدولي لردع تل أبيب لوقف انتهاك السيادة اللبنانية.
كما دان الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، الغارات الجوية الإسرائيلية التي تعرضت لها قرى وبلدات في جنوب لبنان، معتبراً أن "استخدام إسرائيل لسلاحها الجوي في استهداف قرى لبنانية هو الأول من نوعه منذ العام 2006، ما يؤشر الى وجود نوايا عدوانية تصعيدية تتزامن مع التهديدات المتواصلة ضد لبنان وسيادته".
وشدد البيانان المنفصلان من الرئاسة والحكومة في لبنان على أن الاعتداء الإسرائيلي "خرق فاضح للقرار 1701"، وتهديد لأمن واستقرار الجنوب منذ حرب لبنان الثانية.
وفي 11 أغسطس/ آب 2006، تبنى مجلس الأمن هذا القرار، الذي يدعو إلى وقف كل العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، على خلفية حرب بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" اللبناني.
الغارات الإسرائيلية
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن طائراته الحربية أغارت، مساء الأربعاء، على أهداف في منطقة مرجعيون جنوب لبنان، ردا على إطلاق ثلاثة صواريخ، سقط اثنان منها في مستوطنة إسرائيلية (كريات شمونة)، وتشير تل أبيب بأصابع الاتهام إلى عناصر فلسطينية بأنها تقف وراء إطلاق الصواريخ وليس حزب الله كما هو معتاد في المناوشات التي تشهدها المنطقة الحدودية.
وإلى ساعة إعداد التقرير لم تعلن أي جهة تبنيها إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنة الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن الغارات استهدفت المناطق التي انطلقت منها القذائف الصاروخية من لبنان، إضافة إلى استهداف بنية تحتية في المنطقة.
وسبق الغارات إطلاق الجيش الإسرائيلي أكثر من 100 قذيفة على الأراضي اللبنانية. مما أدى لاندلاع حرائق في المنطقة الحدودية لعدة ساعات.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي امتنع هذه المرة عن مهاجمة قوات حزب الله في الجنوب، على الرغم من أنه يحمل "حزب الله" مسؤولية "الفوضى في الجنوب اللبناني".
كما لم يعلن أي طرف عن وقوع ضحايا، سوى أضرار مادية لحقت بإحدى الطرق الحيوية في منطقة مرجعيون، وتعمدت الطائرات الإسرائيلية تعطيله، بحسب "يديعوت أحرونوت"، إضافة إلى نشوب حريق في بلدة راشيا الفخار نتيجة قذائف المدفعية الإسرائيلية.
أما بالنسبة للصواريخ الثلاثة التي أطلقت من لبنان فقد سقط أحدها في الأراضي اللبنانية واثنان في منطقة خالية داخل مستوطنة "كريات شمونة" الواقعة في مثلث الحدود بين سوريا ولبنان والأراضي المحتلة.
لماذا هذا التصعيد؟
يقول معلق الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، إن الهجوم باستخدام طائرات سلاح الجو ليس مجرد تصعيد فحسب، بل هو اعتراف بخطورة التهديد الذي يمثله نشاط العناصر الفلسطينية في جنوب لبنان.
ويضيف بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بالجهات الأمنية والعسكرية في إسرائيل، أن دقة الضربات الصاروخية التي اتضحت من الصواريخ الثلاثة التي أطلقت باتجاه "كريات شمونة"، فقد كانت "أكثر دقة مما كان عليه في الحالات السابقة".
ويوضح المحلل الإسرائيلي، في حالات إطلاق النار السابقة باتجاه إسرائيل كانت الصواريخ تطلق بوسائل بدائية ومن قاذفات مرتجلة، بينما الصواريخ التي سقطت على "كريات شمونة" يوم أمس أطلقت من منصة إطلاق متنقلة مُثبت عليها قاذفة ذات فتحات متعددة لصواريخ الكاتيوشا من عيار 122 ملم.
استهداف البنى التحتية
وبحسب إعلان الجيش الإسرائيلي فإن الغارات الجوية وسعت أهدافها بضرب بنى تحتية، بزعم أن الصواريخ انطلقت منها، ومن أهمها الطريق الحيوي في منطقتي مرجعيون والنبطية، المنحدر من نهر الليطاني باتجاه بلدة المحمودية.
واستهدفت الطائرات هذا الطريق بقنبلة كبيرة خلفت حفرة كبيرة، ومن المعلوم أن هذا الطريق شديد الانحدار الأمر الذي يزيد من صعوبات اللبنانيين في إنشاء ممر التفافي للمكان الذي تعرض للقصف بسبب التضاريس الصخرية والمنحدرة.
ويعتبر استهداف المنشآت الحيوية أمراً مخالفاً لقرار مجلس الأمن 1701، ومخالفاً للسياسة المتبعة منذ 15 عاماً، حيث امتنعت حكومة أولمرت تحت ضغط أميركي عن استهداف البنى التحتية التي تعطل حياة المدنيين، مثل مصادر الطاقة والكهرباء، بعد "حرب تموز".
التذكير بدمار الضاحية
استهداف البنى التحتية خلال الغارات الأخيرة كان أمراً مخططاً، ولم يكن نتيجة خطأ أو سوء تقدير خلال التنفيذ، بل على العكس حيث يقول رون بن يشاي إن "إسرائيل أدركت أن قرار عدم قصف البنية التحتية كان خطأً فادحاً".
ويضيف المحلل الإسرائيلي، إن إسرائيل استفادت من دروس حرب لبنان الثانية (2006) حيث صاغت منها ما يعرف بـ "عقدة تدمير الضاحية"، التي بلورها رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، مضمونها قائم على عدم استثناء البنى التحتية والمنشآت ذات الطابع المدني خلال العمليات القتالية، مثلما حدث للضاحية الجنوبية (جنوبي بيروت) خلال تلك الحرب.
ويوضح بن يشاي أن هدف الجيش الإسرائيلي من إعادة استخدام الطائرات الحربية واستهداف البنى التحتية في العدوان على الأراضي اللبنانية أو الرد على الاستفزازات القادمة من لبنان، هو رسالة للبنانيين بأن "عقدة تدمير الضاحية" ما تزال قائمة.
ويأتي التصعيد الإسرائيلي في وقت يمر فيه لبنان بأصعب الظروف نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تضع البلاد على حافة الانهيار.
وتشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية مناوشات واستفزازات متبادلة، عادة ما يكون طرفاها الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، ولكن شدة التصعيد الأخير دعت الطبقة السياسية اللبنانية الغارقة بأزمات وجودية للتدخل ومطالبة المجتمع الدولي بإدانته.
وبعد انسحاب "أحادي الجانب" من جنوب لبنان الذي نفذته حكومة إيهود باراك في تموز/يوليو 2000، شهدت الحدود بين الطرفين حرباً واحدة في 2006 تعرف باسم "حرب لبنان الثانية" أو "حرب تموز".
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان وإسرائيل توصلتا، في بداية تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، إلى "إطار اتفاق" للتفاوض حول ترسيم الحدود بينهما بوساطة أميركية.