قال بحث ميداني جديد أجرته جامعة كوين ماري بلندن إن الكثير من الأطفال السوريين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء والنزوح تعايشوا مع مشكلات الصحة العقلية بشكل أكبر مما يعتقده كثيرون.
إلا أن الفريق البحثي أعلن بأن الأطفال وأسرهم الذين يعيشون في بيئات مليئة بالتحديات يحتاجون لدعم أكبر.
أجريت الدراسة على أكثر من 1500 طفل في مخيمات أقيمت بلبنان، وجميعهم من اللاجئين بسبب الحرب في سوريا، إذ كان هدف الفريق البحثي دراسة وتقصي الأمور التي جعلت بعض الأطفال يتأقلمون مع مشكلات الصحة العقلية بالرغم من أنهم عاشوا صدمة الحرب.
تبين بأن غالبية الأطفال (84%) تعرضوا لتجربة القصف، و37% منهم تعرضوا لتجارب مباشرة تتصل بالعنف بين الأشخاص مثل مشاهدة التعذيب، في حين أن 44% منهم ذكروا بأن شخصاً مقرباً منهم قتل في الحرب.
وبناء على ما ورد في بحث سابق، قدر الباحثون بأن نصف الأطفال في تلك العينة التي درسوها يحققون معايير التأقلم، ولكن النتائج أظهرت بأن أقل من طفل واحد من بين كل خمسة أطفال استطاع أن يتأقلم.
يقول الدكتور مايكل بلويس أستاذ علم النفس في جامعة كوين ماري: "إن الدراسة التي أجريناها فريدة من نوعها، وذلك لأننا جمعنا بيانات من الأطفال اللاجئين الذين يعيشون في مختلف المناطق الحدودية مع سوريا، في حين أن أغلب الدراسات الأخرى درست اللاجئين المعاد توطينهم في دول ذات دخل مرتفع... أي أننا قمنا وبكل عناية ودقة بمقارنة الأطفال الذين يعانون من مشكلات تتصل بالصحة العقلية والذين لا يعانون من تلك المشكلات وذلك بناء على خبراتهم المحددة مع الحرب، كما درسنا مشكلات الصحة العقلية المختلفة في الوقت ذاته بدلاً من التركيز على إحداها (مثل التركيز فقط على كرب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب)، وهذا ما سمح لنا بالبحث في مستوى تأقلم الأطفال اللاجئين بشكل أكبر مما دُرس في الأبحاث السابقة، وأتت النتائج مميزة، وهي أن نحو 20% من الأطفال حافظوا على تأقلمهم بالرغم من تعرضهم لتجربة الحرب والنزوح. وفي الوقت ذاته، من المقلق أن يكون غالبية الأطفال يعانون من خطر الإصابة بمشكلة تتصل بالصحة العقلية. إذ تبين لنا بشكل جلي بأنه لابد من تلبية المزيد من الاحتياجات لدعم الأطفال اللاجئين، لاسيما هؤلاء الذين يعيشون ضمن بيئة مليئة بالتحديات في مخيمات اللجوء".
مشكلات داخل مخيمات النازحين السوريين
أظهرت تلك الدراسة كيف تؤثر البيئة الحالية للطفل في قدرته على التعافي أو عدمه من صدمة الحرب التي عاشها.
كما اكتشف الفريق البحثي الذي أجرى مقابلات أيضاً مع مقدمي الرعاية الأولية للأطفال، بأن الأطفال لا يعانون من آثار ما بعد الحرب فحسب، بل أيضاً من مشكلات يتعرضون لها داخل المخيمات، وتشمل التنمر والوحدة، في حين تبين أنه من الأهمية بمكان دراسة وضع الصحة العقلية لمقدمي الرعاية أنفسهم وطريقة تفاعلهم مع الأطفال.
اقرأ أيضا: كيف يؤثر إغلاق مراكز الدعم النفسي في تركيا على اللاجئين السوريين؟
لابد من دعم الأسر السورية أيضاً
ذكرت الكاتبة الأولى لهذا البحث، وهي الدكتورة كساندرا ماني بوفام من جامعة كوين ماري بلندن: "قد يكون العلاج الفردي واستراتيجيات التكيف قد نجحت حتى الآن، إلا أن نتائجنا أظهرت الحاجة للتركيز على دعم الأسرة بأكملها، وتقديم فرصة أفضل للأطفال حتى يتكيفوا مع ظروف صعبة جداً في المخيمات. لذا علينا أن نبحث كيف يمكن للنظم التي تحولوا إلى جزء منها أن تدعمهم، عبر تقديم مأوى مستقر مثلاً أو موارد ملائمة، أو الحصول على التعليم، بالإضافة إلى دعم أهاليهم الذين يعانون هم أيضاً وهذا الأمر ليس بمستغرب أبداً".
وهنا يقول الأستاذ مايكل بلويس: "يكشف بحثنا بأن التأقلم ليس مجرد شيء يعزى للفرد، بالرغم من أن السمات الفردية للأطفال تسهم في حالة التأقلم لديهم، كما يعتبر الدعم الذي يتلقونه من أسرهم ومجتمعاتهم مهماً جداً. ولمساعدة هؤلاء الأطفال، يتعين علينا أن ندعم أسرهم أيضاً إلى جانب الحد من التحديات الكبيرة التي يتعرضون لها بما أنهم يعيشون في مخيمات اللجوء".
جمعت بيانات الاستبيان الخاص بالدراسة عبر مقابلات أجريت في بيوت الأطفال داخل تجمعات سكنية في منطقة البقاع بلبنان خلال الفترة الواقعة ما بين 2017-2019، وقد أجرى المقابلات فريق مؤلف من 16 شخصاً مدربين على إجراء المقابلات باللغة العربية.
وقد أتت هذه الدراسة بعد فترة قصيرة من نشر ورقة بحثية سابقة كتبها الباحثون أنفسهم حول الصحة العقلية للأطفال السوريين خلال مرحلتين زمنيتين، وكشفت تلك الورقة بأن 25% من الأطفال تقريباً قد أبدوا تحسناً، ما يعني بأن تقديم الدعم الملائم للأطفال اللاجئين المصابين بصدمة بسبب الحرب يمكن أن يساعدهم على التعافي بشكل جيد.
المصدر: نيوز وايز