رغم تصريحات المسؤولين في إيران بشأن ضرورة إعادة نفقات إيران في سوريا، أعلن مدير مكتب غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية انخفاض صادرات طهران إلى دمشق إلى النصف.
ونشرت قناة "نود اقتصادي" يوم السبت 9 آذار/مارس، مقطع فيديو لعبد الأمير ربيهاوي، الذي قال في لقاء معه إن صادرات إيران إلى سوريا في العام الشمسي الإيراني 1401 (2022 - 2023) كانت 244 مليون دولار، لكن هذا الرقم وصل إلى 120 مليون دولار العام 1402 الذي ينتهي في 21 آذار الجاري.
وأكد عبد الأمير ربيهاوي في تصريحاته أن "هذه ليست إحصائية جديرة بالتعاون الاقتصادي بين البلدين".
وفي ذات السياق، نشرت موقع "نود اقتصادي" في الأيام القليلة الماضية أيضاً مقطع فيديو لتصريح رئيس مكتب سوريا في وزارة الخارجية، وصف فيها شاه حسيني رقم 100 مليون دولار من الصادرات إلى سوريا بـ "المؤسف" وحذر رجال الأعمال الإيرانيين من أجل إيجاد طريقة للتجارة مع سوريا بـ"أنفسهم".
يجب على سوريا والعراق التعاون
في إشارة إلى العوائق التجارية بين البلدين، نقلت صحيفة أرمان ملي أونلاين الإيرانية، عن نائب رئيس الغرفة المشتركة بين إيران وسوريا، قوله إنه في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بلغ حجم التجارة بين إيران سوريا 100 مليون دولار مؤكداً على أنه ينبغي النظر في حصة أكبر للشركات الإيرانية، ويجب أن تكون الشركات الإيرانية أكثر استعداداً للوجود في سوريا.
وتحدث علي أصغر زبردست في مؤتمر "فرص دخول السوق السورية" الذي عقد مؤخراً في طهران عن المشكلاات التي تواجه التجارة بين البلدين، قائلاً: القضية الرئيسية هي مشاكل تحويل الأموال. وفي الخصوص وافق البنك المركزي الإيراني على إنشاء البنك المشترك وأصدر رخصة التأسيس، وعلى بنك سوريا التعاون بشكل أكبر بهذا الخصوص، ونأمل أن يعطي السفير التعليمات اللازمة بهذا الخصوص.
وأشار إلى أن كلفة النقل والمواصلات من وإلى سوريا هي إحدى المشكلات الأخرى التي تواجه التجارة بين البلدين، وأوضح: الآن معظم المبادلات تتم عبر بندر عباس وتركيا، لكنها تكلف الكثير من المال والوقت. لذلك يجب أن نتفق مع العراق وسوريا على استخدام حدود البوكمال لتقليل الوقت وكلفة النقل.
وبين زبردست أن العديد من سيارات النقل واجهت مشكلات على طريق البوكمال، لذلك فهم لا يريدون استخدام هذا الطريق في الوقت الحالي، داعياً العراق لوجوب التعاون في هذا الخصوص.
حصة إيران 2 بالمئة من السوق السورية
كان لتصريحات ربيهاوي حول سوريا انعكاس واسع على مختلف وسائل الإعلام الإيرانية، إذ ذهب موقع اكو إيران الاقتصادي في تقرير به تحت عنوان (حصة إيران 2 بالمئة من سوق سوريا) للقول بأن مستوى العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا لا يتناسب مع هذه العلاقات الاستراتيجية، وسلط الضوء الشكاوى المستمرة والمتكررة للمسؤولين الإيرانيين والسوريين من تدني مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، رغم العلاقات رفيعة المستوى على الصعيد العسكري والسياسي.
وأشار موقع اكو ايران إلى أنه على الرغم من حجم التجارة العالمية لسوريا (ستة مليار دولار موزعة على خمسة مليارات دولار واردات، ومليار دولار صادرات)، إلا أن الدراسات تظهر أن حصة إيران التجارية مع هذا البلد ضئيلة جداً.
ويأتي الانخفاض على مستوى العلاقات التجارية بين إيران وسوريا، بالتزامن مع أنباء نشرتها وسائل إعلام إيرانية تحدثت فيها عن اتفاقات مع الجانب السوري لتسهيل التجارة المشتركة كتصفير التعرفة الجمركية لبعض البضائع الإيرانية المستوردة، وافتتاح بنك سوري إيراني مشترك لتحويل الأموال والتعامل بعملتي البلدين، وتأسيس شركات تأمين إيرانية في سوريا.
وكان يحيى رحيم صفوي، المساعد الخاص للمرشد الإيراني للشؤون العسكرية قد أعلن في فبراير/شباط 2018، أنه على إيران "إعادة" التكاليف التي أنفقتها في سوريا من خلال "مناجم النفط والغاز والفوسفات" التابعة لهذا البلد. لكن بحسب التقارير والوثائق المنشورة، لم يتم تنفيذ معظم الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين إيران وسوريا.
وكانت مجموعة انتفاضة حتى الإطاحة المقربة من منظمة مجاهدي خلق، قد نشرت ملفاً سرياً مسرباً بينت فيه أنه من أصل 50 مليار دولار أنفقتها الحكومة الإيرانية لدعم نظام الأسد خلال العقد الماضي، لم يتم الالتزام بسداد سوى حوالي 18 مليار دولار فقط، مع "تنبؤ" بمدة تصل لخمسين عاما كفترة عودة متوقعة لسداد ديون إيران.
ولم يكن الالتزام بهذا السداد على شكل أموال نقدية، بل على شكل مشاريع وخطط وصفها بعض الخبراء الاقتصاديين أنها خطط لا تمتلك مبررات فنية وقتصادية، وبدون ضمانات للتنفيذ.
أسباب محتملة للتراجع الكبير
لطالما كان الاقتصاد بمثابة كعب آخيل للحكومات الإيرانية المتعاقبة، لكن الحيثية السورية بالتحديد يمكن لها أن تضع أوزار مضاعفة على كاهل حكومة إبراهيم رئيسي "الثورية" داخل إيران، وتزيد من شعورها المتزايد بالغبن وعدم الكفاءة، خاصة أن قدوم هذه الحكومة المتشددة جاء مع مجموعة كبيرة من الانتقادات لحكومة روحاني الإصلاحية السابقة بأن توجهاتها الغربية حرمت إيران من السوق السورية.
لا توجد إحصائيات رسمية منشورة لنحلل على ضوئها في أسباب هذا الانخفاض غير المسبوق، لأن المواقع الإيرانية، خلافاً للأعوام الماضية، لم تنشر أي إحصائيات تفصيلية متعلقة بهذا الشأن منذ أكثر من عشرة أشهر، سوى هذا الرقم الذي جاء هذه المرة على لسان مدير عام غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية.
لكن من المرجح أن يعزى هذا التراجع المأساوي إلى انخفاض نشاط شركات الطاقة الإيرانية وانحساب بعضها من مشاريع سورية بعد التراجع العالمي في أسعار الفوسفات.
في الوقت الذي تشكل فيه صادرات مكونات وأجزاء التوربينات البخارية الإيرانية إلى سوريا أكثر من ثلث الصادرات الإيرانية إلى سوريا، أفادت أنباء نشرها تلفزيون سوريا العام الماضي بانسحاب شركة بيمانير الإيرانية من العقد الأخير الذي أبرمته بقيمة 99.5 مليون يورو لإعادة تأهيل محطة محردة في أكتوبر 2021.