رغم إصابته بشلل رباعي من جراء حادث قديم تمكن الشاب السوري "خلدون سنجاب" من الدراسة في جامعة الشارقة لينال البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى بعد 4 سنوات من الجهد والإصرار والتحدي الذي تحول إلى أمثولة لمن هم في وضعه بعد حصوله على منحة للدراسة الجامعية وهو الحلم الذي راوده لأكثر من 23 عاماً بلا توقف.
وكان الشاب المنحدر من مدينة دمشق قد أحرز تفوقاً في نتائج البكالوريا، صيف العام الدراسي 1994 - 1995، بمجموع قدره 231 علامة ولكن فرحته وفرحة أهله لم تكتمل فخلال رحلة قاموا بها كمكافأة له إلى البحر أواخر الصيف 1994، وفي أثناء السباحة قفز خلدون من أحد الزوارق لكنه لم يُقَدر المسافة بشكل صحيح فاصطدم رأسه بالأرض ونتج عن ذلك انكسار في الفقرة الرقبية الثانية التي ضغطت على النخاع الشوكي ما أدى إلى توقف قدراته الحركية والحسية وتثبط تنفسه.
وتم نقله إلى دمشق حيث أظهرت الصور كسراً في الوجار "الناتئ السني" للفقرة الرقبية الثانية، مما تسبب بأذية مستديمة في النخاع الشوكي، ولأن الإصابة كانت في أعلى العمود الرقبي أصيب بشلل رباعي، وبسبب شلل الحجاب الحاجز أصبح يعتمد على المنفسة.
بقي خلدون في غرفة العناية المشددة تحت "الكوما" لأكثر من سبعة أشهر متنقلاً بين أربعة مستشفيات، وأخيراً قرر والده استيراد منفسة منزلية، فانتقل إلى المنزل، وهكذا شاء القدر أن يسلب هذا الشاب يديه ورجليه، وحتى رئتيه، ولم يبقِ إلا على قدراته الحركية الوجهية التي استطاع أن يستفيد منها في إنجاز الكثير، ورغم حالته الصحية الحرجة نجح خلدون في تحقيق ما يعجز عنه الكثير من الأصحاء.
وحول إنجازاته في مجال البرمجة والحاسوب تقول زوجته "يسرى هلال" لموقع تلفزيون سوريا إن خلدون أسهم في عدد من مشاريع شركة Tiger Production ودفعته هذه التجربة إلى تعلم الكثير من التقنيات التي وسَّعت خبرته كثيراً، وصقلت مهاراته مع العلم أن Young Future شركة كبيرة تعمل في مجال الإعلام المرئي الموجه إلى الأطفال، وهي الشركة الأم لشركات عديدة، منها شركة الزهرة للدبلجة Venus وشركة SpaceToon للبث الفضائي.
وخلال تجربته مع هذه الجهات أسهم بعدة مشاريع مهمة منها:
محرك رسوميات ثلاثية الأبعاد: مكتبة برمجية تستخدم لتصنيع تطبيقات لرسومات ثلاثية الأبعاد.
نظام التقاط حركة: تطبيق لالتقاط حركة الشخصيات.
مخدم بث فيديو رقمي: تطبيق لأتمتة عملية البث التلفزيوني من خلال بطاقة بث.
مخدم مؤثرات فيديو رقمي: وهو تطبيق ينتج مؤثرات فيديوية رقمية من خلال بطاقة خاصة.
ألعاب ثنائية وثلاثية الأبعاد.
بعد اندلاع الحرب في سوريا انتقل خلدون مع عائلته الصغيرة إلى لبنان في آب/أغسطس 2012 حيث عاش ظروفاً صعبة كادت أن تودي بحياته بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء وحاجته الماسة إلى استخدام المنفسة، وهناك تقدمت عائلته بطلب إلى مفوضية اللاجئين بحثاً عن وطن ثالث بديل لكنها اصطدمت بالرفض إلى أن تمكن من الخروج بمساعِ إماراتية.
وبعد وصوله إلى الإمارات عام 2016 بدأ المبرمج السوري رحلة علاجه ودراسته برعاية للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعد أن سمع بحالته، والتحق بجامعة الشارقة في تخصص الحاسوب ليتخرج بعد 4 سنوات بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، رغم أن الكثيرين من معارفه أخبروه أنه من المستحيل أن يداوم في الجامعة فيزيائياً وأن عليه الاكتفاء بالعالم الافتراضي ويهجر حلمه.
وتابعت معلمة اللغة العربية أن زوجها خلدون الذي ظل ملازماً للفراش طوال أكثر من 20 عاماً لا يقوى على الحركة والنطق، لكن تحول بعد تسجيله في الجامعة إلى شخص مختلف ملتزم بالدوام شبه اليومي رغم أن جسده ضعيف ويتأثر ويمرض من أبسط الأشياء.
وهكذا فإن خلدون الذي كان يفترض أن يكون في العناية المشددة نقل هذه العناية بكل أجهزتها إلى الحياة العادية، واعتاد على الدراسة طالما كان وضعه مستقراً، وحتى في أثناء دخوله إلى المشفى وتلقي العلاج لم يترك الدراسة، وكان مثار إعجاب ودهشة الكثير من أطباء وكوادر المشفى.
وروت الزوجة أن خلدون ومنذ أن دخل إلى الجامعة وضع نصب عينيه التخرج بعلامات تامة وهو ما تحقق له منذ أيام، وكشفت محدثتنا أن إدارة جامعة الشارقة وهي أكبر جامعة في الإمارات دعمت خلدون وقدمت له كل التسهيلات نظراً لوضعه الاستثنائي من حيث الجهوزية لاستقبال كرسي متحرك في كل القاعات الدراسية والممرات والمصاعد، مشيرة إلى أن الصعوبات في البداية تمثلت في المواصلات فمنزل العائلة يبعد –كما تقول- عشرات الكيلو مترات عن مقر الجامعة وكونه يجب أن يبقى على كرسيه ولا يمكنه الصعود في سيارة عادية فكانت الصعوبة في تأمين سيارة خاصة تتسع لكرسي متحرك.
وأشارت زوجة المبرمج السوري إلى أن الطريق إلى الجامعة يستغرق نحو ساعة ونصف ذهاباً ومثلها إياباً إلى جانب الفترة التي يقضيها في تجهيزه أي بحدود 6 ساعات بشكل يومي وهذا أثر على الوقت المخصص للدراسة مما دفع جامعة الشارقة إلى توفير سكن له مع عائلته داخل الجامعة إضافة إلى المواصلات، فتقلص الوقت إلى خمس دقائق مما كان له أثر في تفوقه ونجاحه.
ولفتت يسرى إلى أن جامعة الشارقة تضم قسماً كاملاً مجهزاً اسمه قسم الموارد مسؤول عن متطلبات ذوي الهمم واحتياجاتهم ودعمهم وتقديم أي مساندة.
وحول صعوبة النطق لدى خلدون وكيف تغلب عليها، أشارت زوجة خلدون إلى أنها كانت في البداية صلة الوصل بينه وبين الدكاترة وزملائه في الدراسة، ومع بداية تحسن صوته بدأ يعبر بسهولة ويجيب عن الأسئلة المطلوبة منه ويناقش الأبحاث، التي يقدمها في مجال دراسته، وكشفت أن خلدون كان يؤدي الامتحانات كتابة بلسانه، موضحة أنه كان يضغط بلسانه على الماوس المخصص له ويكتب الإجابات حرفاً بحرف ولذلك كان يستغرق وقتاً أطول من زملائه الطلاب في الامتحانات الاعتيادية ولكنه في الامتحانات النهائية بات ينهي امتحاناته بوقت قياسي وأحياناً أقل من الطلاب العاديين.