كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل لأول مرة خفايا الوجود الاستخباري لإسرائيل والولايات المتحدة على الأراضي الإيرانية، ترسم ملامح التعاون لشبكات التجسس بين أشهر جهازي مخابرات في العالم "المخابرات المركزية الأميركية" (CIA) والموساد لمواجهة المشروع النووي الإيراني.
نشرت "نيويورك تايمز" تقريراً، الخميس الماضي، ذكرت فيه أن العلاقة بين الموساد و"CIA" شهدت انهياراً في عهد بايدن، وذلك بتوجيهات من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، الذي أمر الموساد بـ "تجفيف" التعاون الاستخباري مع واشنطن، رداً على مساعي بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
تاريخ من التعاون
وكشفت الصحيفة، برقية "صادمة" لوكالة المخابرات المركزية الأميركية كتبها الضابط المسؤول عن بناء شبكات تجسس في إيران، قبل مغادرته منصبه مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض، تبيّن فضل الموساد في دعم عملاء " CIA" بعد اختراقهم من قبل الإيرانيين.
وجاء في البرقية، أن شبكة المخبرين الأميركية تضررت إلى حد كبير، خلال السنوات الأخيرة، بسبب عمليات مكافحة التجسس الصارمة التي نفذتها طهران، لدرجة أعاقت جهود إعادة بنائها.
ونقلت عن مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، أن إسرائيل ساعدت في سد هذا الاختراق، لأن عملاء الموساد يملؤون إيران، وزودت الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية موثوقة، حول أنشطة إيران النووية وبرنامجها الصاروخي ومشاريعها التوسعية في الشرق الأوسط.
وأوضحت "نيويورك تايمز" بأنها حصلت على هذه الأسرار والمعلومات الحصرية من مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة العمليات السرية التي يكشفها هذا التقرير.
تتمتع أجهزة المخابرات في البلدين بتاريخ طويل من التعاون "المثمر" خلال إدارة ترامب، تشاركا في العديد من العمليات التي نفذتها إسرائيل في "حرب الظل" ضد إيران، ولكن الأمر تغيّر مع قدوم الإدارة الجديدة.
بلغ التعاون الاستخباري بين واشنطن وتل أبيب ذروته، في أواخر 2019 وبدايات 2020، حيث زادت تل أبيب من نشاطاتها العدائية ضد طهران، وهي الفترة التي اغتال فيها الأميركيون قاسم سليماني.
ونقلت "نيويورك تايمز"، تصريحاً لمايك بومبيو، الذي كان رئيس وكالة المخابرات المركزية في إدارة ترامب وأصبح فيما بعد وزيرا للخارجية، في حزيران/يونيو الماضي، أن التعاون الاستخباري مع الموساد الإسرائيلي كان أكثر أهمية طوال سنوات ترامب في البيت الأبيض.
كيف انهارت العلاقة؟
عملية "نطنز".. إسرائيل تتهم "CIA" بتسريب المعلومات
على خلفية وعود إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب منه ترامب، قرر نتنياهو تقليص تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة حول العمليات المخطط لها في إيران، لأنه لم يثق بإدارة بايدن.
ازداد التشكيك الإسرائيلي بالإدارة الأميركية الجديدة، بسبب رفضها المتكرر لدعوة مسؤولي الأمن والاستخبارات الإسرائيليين إلى واشنطن، ومحاولتها فرض طابع جديد على العلاقة بين البلدين خلافاً لفترة ترامب، بحسب التقرير.
وبرز التوتر في العلاقات الاستخبارية بين الجانبين، في نيسان/أبريل الماضي، خلال عملية هجوم الموساد على منشأة "نطنز" النووية في إيران، التي أثارت غضب فريق بايدن "الذي لا يحب المفاجآت".
في التفاصيل، لم تخطر إسرائيل واشنطن، يوم الهجوم على "نطنز"، إلا قبل أقل من ساعتين، وهو وقت قصير جداً بالنسبة للولايات المتحدة لتقييم العملية أو مطالبة إسرائيل لإلغائها.
ما فعلته تل أبيب يعدّ انتهاكاً لاتفاق قديم غير مكتوب يقضي بإخطار الولايات المتحدة على الأقل بالعمليات السرية، ويمكن للأخيرة الاعتراض على التنفيذ أيضاً، وفقاً لمسؤول كبير في إدارة بايدن.
وترجع المصادر الإسرائيلية عدم التنسيق الكافي في تلك العملية إلى انخفاض ثقة تل أبيب بالأميركيين لأنها تتهمهم بتسريب المعلومات عن العمليات الإسرائيلية، وهو ادعاء تنفيه الولايات المتحدة.
ومن وجهة نظر المسؤولين إسرائيليين، إدارة بايدن لم تكن مهتمة بمخاوف إسرائيل الأمنية بينما تولي اهتماماً للاتفاق النووي، مبررين عملياتهم السرية بالقول "أحياناً تكون هناك حاجة إلى مفاجآت".
وفي المقابل، قال العديد من المسؤولين الأميركيين إن السبب هو نتنياهو الذي قرر منذ البداية التعامل بـ "عدائية" مع إدارة بايدن لأنه يراها امتداداً لإدارة أوباما، التي وقعت الاتفاق النووي (2015).
"CIA" يسترضي الموساد
أثار التصرف الإسرائيلي ردود فعل غاضبة من قبل فريق بايدن، واتصل المدير الجديد لوكالة المخابرات المركزية "CIA"، وليام بيرنز، برئيس الموساد آنذاك، يوسي كوهين، ليبلغه احتجاج واشنطن على سياسات نتنياهو بتجفيف التعاون الاستخباري بين البلدين.
من جهتها بررت تل أبيب تأخرها بالإخطار بسبب قيود تشغيلية وعدم اليقين بشأن موعد العملية، وأرسلت كوهين بعد أسبوعين من العملية إلى واشنطن لإصلاح العلاقة مع واشنطن، وسط رغبة الطرفين بإعادة بناء الثقة.
لاقت زيارة رئيس الموساد ترحيباً من قبل مدير " CIA"، وليام بيرنز، الذي طلب من ضيفه فتح صفحة جديدة، كما منحه شهادة تقدير من الوكالة، نادراً ما تُمنح لموظفي المخابرات الأجنبية، لمساهمته الخاصة في تعزيز العلاقات بين الجهازين والمساهمة في الأمن القومي الأميركي.
يشار إلى أن بيرنز زار إسرائيل قبل أسبوعين، وهي أول زيارة له منذ توليه منصبه، التقى فيها مسؤولين كباراً في الحكومة الإسرائيلية من بينهم الرئيس الجديد للموساد دافيد برنيع، لمناقشة الملف الإيراني على ضوء التطورات الجديدة.
ومن مهام زيارة بيرنز كان التمهيد لاجتماع القمة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، التي انعقدت أمس، الجمعة، بعد أن تم تأجيلها يوم كامل عن موعدها المقرر (الخميس) بسبب تفجيرات مطار كابل.
محاولات لإعادة الثقة
تحاول الوكالتان (CIA والموساد) إعادة بناء الثقة في الوقت الذي يسعى فيه بلداهما إلى تحقيق أجندات متناقضة بشأن إيران، وبينما تفضل إدارة بايدن النهج الدبلوماسي وإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والبناء عليها، ترى إسرائيل بأن القوة وحدها هي التي يمكن أن تمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية.
وفقاً للصحيفة الأميركية، يخطط بينت خلال اجتماعه مع بايدن، استثمار التفوق الإسرائيلي على الولايات المتحدة فيما يتعلق بشبكات التجسس والعملاء داخل إيران، نظراً لازدياد اعتماد الأميركيين على إسرائيل في هذا الموضوع.
وقبل ساعات من اجتماع القمة الأميركية الإسرائيلية، قال مسؤولون إسرائيليون كبار لصحيفة "نيويورك تايمز" إن هدف رئيس الوزراء سيكون الحصول على تأكيدات ما إذا كانت إدارة بايدن ستستمر في دعم العمليات الإسرائيلية السرية ضد برنامج إيران النووي.
ويأمل المسؤولون الإسرائيليون ألا تحد أي صفقة جديدة مع إيران من مثل هذه العمليات التي تضمنت في الماضي تخريب المنشآت النووية الإيرانية واغتيال علماء نوويين إيرانيين.
وقال المدير السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون زئيفي فركاش، "إن تبادل المعلومات الاستخبارية والعملياتية بين إسرائيل والولايات المتحدة هو أحد أهم المواضيع المطروحة على جدول أعمال الاجتماع".
وأضاف فركاش، لقد طورت إسرائيل قدرات فريدة لجمع المعلومات الاستخبارية في عدد من الدول المعادية، وهي قدرات لم تتمكن الولايات المتحدة من تطويرها بمفردها.
ويؤكد خبير الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أن من أهم النقاط التي يرى فيها بايدن فائدة عملية في اجتماعه مع بينت، هي التفوق الاستخباري للموساد في المنطقة.
وفي ظل الانسحاب الأميركي من أفغانستان تكتسب إسرائيل وقدراتها الاستخبارية المزيد من الاهتمام في واشنطن.
يشار إلى أن الموساد، هو جهاز الاستخبارات الخارجية لإسرائيل، لا يتدخل في السياسة أو الجيش، سبق وجوده قيام دولة إسرائيل، ويتركز عمله على المهمات الخارجية في ثلاثة محاور جمع المعلومات والعمليات السرية والحرب النفسية.
سجلت باسمه العديد من حوادث اغتيال العلماء العراقيين والإيرانيين والناشطين الفلسطينيين، كما كان لهذا الجهاز دور كبير في الوصول إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية.
وتعد عملية السطو على الأرشيف النووي الإيراني، في بداية عام 2018، أبرز العمليات التي نفذها الموساد ضد برنامج إيران النووي، عبر عملية إنزال ناجحة على مخبأ سري في ضواحي طهران، سرق خلال عملاء الموساد نحو 55 ألف وثيقة وعشرات الأقراص المدمجة.