يتفاجأ مراقبو ومتابعو أخبار القتلى الإيرانيين على وسائل الإعلام الإيرانية المؤيدة للنظام الإيراني والمعارضة له، مِن العدد الكبير لـ قتلى إيران وميليشياتها في سوريا، ممن تصفهم طهران بـ"مستشارين عسكريين" أو "مجاهدين" قدِموا للدفاع عن الأضرحة المقدّسة في سوريا.
لكن النقطة المهمة أنّ أغلب هؤلاء القتلى الإيرانيين مِن ضبّاط وقادة عسكريين وأفراد يعود تاريخ مقتلهم للفترة الممتدة ما بين عامي 2014 - 2016 تقريباً، أي في الفترة التي وصلت فيها (معركة حلب) إلى ذروتها.
ورغم التقارير التي تتحدث عن أن إيران تستعين بميليشيات مرتزقة عابرة للحدود مِن أفغانستان (لواء فاطميون) وباكستان (لواء زينبيون) والعراق (ميليشيا عديدة أبرزها الحشد الشعبي وأبو الفضل العبّاس) لـ توسيع نفوذها في المنطقة، إلّا أنّ الوقائع والتقارير المنتشرة تُظهر أن معركة حلب - أكبر معركة في الثورة السورية المستمرة منذ تسع سنوات - شكّلت نقطة حاسمة دفعت (قاسم سليماني) قائد محور التدخل العسكري الإيراني في سوريا لـ دعوة وحدات القوات البرية، وهي أكبر وحدات عسكرية في ميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، للمشاركة في القتال إلى جانب صفوف قوات نظام الأسد.
معركة حلب "خنجر" في خاصرة إيران
تشير التقارير إلى أن قاسم سليماني لم يعمد إلى إرسال الضباط الإيرانيين مِن الرتب الدنيا والمتوسطة فقط، بل أرسل أيضاً كبار ضباط "الحرس الثوري" الإيراني (ما لا يقل عن ١٦ ضابطاً، ثمانية منهم برتبة عميد) كقادة لـ ساحات القتال وغرف العمليات في جميع المدن السورية الثائرة، لا سيما في حلب.
اقرأ أيضاً.. "سوريا محافظة إيرانية".. ممثل خامنئي في سوريا يناقش كتابه في حلب
ويبدو أنّ ضخامة معركة حلب وشراستها أقنعت المسؤولين العسكريين الإيرانيين أنه مِن أجل هزيمة معارضي الأسد الذين قادوا هجمات تكتيكية واسعة النطاق مهددين بالسيطرة على كبرى المدن السورية، لا يكفي فقط إرسال ميليشيات المرتزقة وضباط الحرس الثوري المتقاعدين إلى حلب، بل يحتاج الأمر لإرسال نخبة القوات الإيرانية (ألوية القوات الخاصة المعروفة بوحدات صابرين التي قتل مؤسسها مؤخراً متأثراً بفيورس كورونا)، وذلك مِن أجل أن تقود نواة الهجمات الوحشية على خطوط الجبهات الأولى.
بغض النظر عن التقارير التي كانت تتحدث عن سقوط عدد كبير مِن القادة العسكريين الإيرانيين كل يوم في معارك حلب، إلا أن تقريراً صادماً نشرته وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية، يوم ٢٤ من كانون الأول ٢٠١٧، يظهر الكم الكبير مِن القتلى الإيرانيين الذين قتلوا في معركة حلب مع صورهم وأماكن دفنهم داخل إيران.
اقرأ أيضاً.. المغيرات صبحاً.. أطول معارك حلب
اقرأ أيضاً.. والعاديات ضبحاً.. آخر المعارك الاستراتيجية في حلب
ضباط الأسد حول "سليماني" خلال معركة حلب
في ٢٦ أيار ٢٠٢٠، نشرت وكالة "دانشجو" الإيرانية مقابلة لها مع العميد (محمود تشهار باغي) القائد السابق لمدفعية القوات البرية في "الحرس الثوري" الإيراني، ليتحدث خلالها عن تفاصيل جديدة عن معركة حلب، وفترة وجوده فيها مع قاسم سليماني.
"تشهار باغي" - الذي استدعاه سليماني من أجل توجيه الضربات المدفعية الدقيقة والضربات الجوية الروسية الشديدة التي استمرت عدة أشهر على حلب الشرقية - قال خلال المقابلة: "عندما كنا في حلب نقاتل العدو، استطاع العدو محاصرتنا وإحكام سيطرته على طريق خناصر - أثريا الاستراتيجي، حتى أصبحت جميع قوات المقاومة (ميليشيات الحرس الثوري) محاصرة بشكل كامل، لدرجة لم يعد يصل لنا لا غذاء ولا ذخائر ولا أي قوات دعم".
ويتابع "استمر حصارنا لمدة شهر تقريباً، وخلال هذه الفترة، لم يغادر سليماني هذه المنطقة أبداً، لأنّه علم أن المنطقة كلها ستسقط بذهابه وستنهار معنويات المقاتلين حينها"، مردفاً "لم يكن قاسم سليماني إنساناً عادياً، كان الجميع يلتف حوله، حتى خلال معركة حلب كان ضباط الأسد يطيرون حوله مثل الفراشات، وكذلك عناصر حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي".
في الواقع، العميد محمود تشهار باغي - الذي أشاد به خامنئي لاحقاً لدوره في معركة حلب وأهداه وسام "نصر" تقديراً لجهوده - كان مسؤولاً عن تدمير مدينة حلب التاريخية وقتل وجرح آلاف المدنيين فيها، وهذا الأمر ظهر جلياً خلال حديثه في المقابلة عندما قال: "أتذكر عندما كنا جنوب حلب، قام عناصر المدفعية الذين كنت مسؤولاً عنهم بعمل جيد، وعملوا لعدة أيام بليلها ونهارها على رمي قذائف المدفعية، وقد استغليت هذه الفرصة، وذهبت إلى قاسم سليماني لأطلب لهم مكافأة على عملهم، وبالفعل قدم سليماني لعشرة منهم مكافأة بذهابهم هم وزوجاتهم على متن رحلة جوية مدفوعة إلى كربلاء في العراق".
اقرأ أيضاً.. إيران تنفي ما كشفه موقع تلفزيون سوريا عن مقتل قائد بالحرس الثوري
العميد عوض شهابي فر.. "سوبر مان" النسخة الإيرانية
تصور أن يقع المرء أنثاء المعركة في كمين محكم نفذ له، ويصاب بأكثر من ٢٧ طلقة تخترق جمسه، وينجو في النهاية.. هذه هي قصة العميد (عوض شهابي فر) القائد السابق لقوات الحرس في محافظة "كهلكيلوية وبوير أحمد" الإيرانية و"سوبر مان" (النسخة الإيرانية)، عندما تحدّث في مقابلة له على موقع "تابناك" الإيراني، بتاريخ ٢١ من تموز ٢٠١٧، عن وقوعه بكمين محكم في منطقة حلب وإصابته بأكثر من ٢٧ طلقة اخترقت جسده وتسببت له بإصابات خطيرة، دون أن يؤدي ذلك إلى مقتله.
الغريب في الأمر أن المقابلة التي أجراها العميد "عوض شهابي فر" - الذي أهداه خامنئي وسام "فتح ٢" عند عودته لإيران - تعود للعام ٢٠١٧، بينما يرجع تاريخ وقوعه في الكمين المزعوم وإصابته لـ نهاية العام ٢٠١٣، حسب ما ورد على لسانهِ أثناء المقابلة.
صحيح أن العميد (حسين همداني) هو القائد العسكري الأعلى رتبة في الحرس الثوري الذي قُتل في الثورة السورية عام 2015 خلال معارك حلب، والحاصل أيضاً على وسام "الفتح" - ثاني أهم وسام عسكري إيراني بعد وسام "ذو الفقار" - إلا أن التحقيقات تشير إلى أن إيران خسرت في الفترة الممتدة ما بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦، أي خلال الفترة التي وصلت فيها معركة حلب إلى ذروتها، أكثر من ٣٧ قائداً عسكرياً رفيع المستوى، مما يدل على ضراوة المعارك التي دارت في مدينة حلب، واستماتة النظام الإيراني في الدفاع عنها.
في 20 أيار 2016، نشرت إحدى الصفحات الإيرانية على "فيس بوك" قائمة بكبار قادة ميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني الذين قتلوا في سوريا خلال عامي 2014 و2016.
يشار إلى أنّ إيران ومنذ اندلاع الثورة السوريّة، في آذار 2011، تدعم نظام الأسد بعشرات الميليشيات الطائفية مِن لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، فضلاً عن قواتها الإيرانية، وخلال تلك السنوات خسرت المئات مِن ضبّاطها وعناصرها ومِن الميليشيات التي تموّلها، وذلك خلال المعارك مع فصائل المعارضة (أبرزها معركة حلب)، إضافةً لـ غارات جويّة تواصل "إسرائيل" شنّها على مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا، منذ سنوات.