icon
التغطية الحية

"خريجون ولكن".. مصير الطلاب السوريين في تركيا ما بين البطالة والتفكير بالهجرة

2024.09.14 | 06:46 دمشق

5
طلاب يحتفلون بتخرجهم في الجامعة بتركيا (الإنترنت)
تلفزيون سوريا - إمام الموسى
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • الطلاب السوريون في تركيا يحققون إنجازات أكاديمية رغم التحديات، لكنهم يواجهون صعوبات قانونية في سوق العمل، مثل القيود على ممارسة بعض المهن.
  • ارتفاع نسبة البطالة وصعوبة الحصول على إذن العمل تدفع العديد من الخريجين إلى التفكير في الهجرة، بينما يجد آخرون فرصاً للعمل بمهن غير تخصصية.
  • بعض الطلاب السوريين الحاصلين على الجنسية التركية يستفيدون من فرص أكبر في التنقل والعمل، مما يساعدهم في تحقيق الاستقرار داخل تركيا.

رغم الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون بتركيا نتيجة اللجوء والحرب والأوضاع الاقتصادية التي تشهدها تركيا، يواصل العديد من الطلاب السوريين مسيرتهم التعليمية في تركيا، محققين إنجازات أكاديمية. 

ومع نهاية كل عام دراسي، يتفوق العديد من الخريجين السوريين في الجامعات التركية، ويحتلون المراكز الأولى ما يعكس قدرتهم على التميز والإبداع.

ووفقاً لدراسة حديثة أجراها الباحث في علم الاجتماع بجامعة الشرق الأوسط التقنية، بسيم جان زره، بلغ عدد الطلاب الأجانب في الجامعات التركية نحو 336 ألف طالب، من بينهم ما يزيد على 60 ألف طالب سوري. هذا الرقم يضع الطلاب السوريين في صدارة قائمة الطلاب الأجانب.

ومع ذلك، يواجه الخريجون السوريون تحديات متعددة في سوق العمل التركي، منها القيود القانونية. فوفقاً للمادة الأولى من قانون 2007، يُمنع الأجانب من ممارسة عدة مهن، مثل: طب الأسنان والصيدلة والطب البيطري والتمريض والمحاماة وغيرها من المهن الحيوية.

وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي "TUIK"، فقد بلغت نسبة بطالة خريجي التعليم العالي للعام الماضي 25%. حيث استغرقت مدة الحصول على أول فرصة عمل بعد 14 شهرا من التخرج.

تحديات سوق  العمل في تركيا

يقول قتيبة سميسم، عضو مجلس إدارة اتحاد طلبة سوريا في تركيا، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن عدد الطلاب السوريين في تركيا يفوق الإحصائيات المعلنة، والسبب أن العديد من هؤلاء الطلاب حصلوا على الجنسية التركية.

ويبلغ عدد السوريين المجنسين في تركيا 238.055، حصلوا عليها بشكل استثنائي، قبل نهاية العام الماضي، وفق وزارة الداخلية التركية.

ويضيف قتيبة، رغم ذلك، تواجه الخريجين السوريين تحديات متعددة في سوق العمل، منها ارتفاع نسبة البطالة في البلاد، والقيود المفروضة على بعض التخصصات، مثل التخصصات الطبية، التي لا يُسمح للأجانب بممارستها حتى لو تخرجوا من الجامعات التركية. فعلى سبيل المثال، طالب سوري يدرس الطب البيطري في تركيا، لن يتمكن من ممارسة هذه المهنة بعد التخرج.

كما أوضح عضو اتحاد طلبة سوريا، أن تخصصات الهندسة، يمكن للطلاب التخرج والعمل بها، بشرط الحصول على إذن العمل. ومع ذلك، يواجه هؤلاء الطلاب معضلة الحصول على هذا الإذن، فبعض الشركات التي تقبل الطلاب السوريين، تضطر إلى التخلي عنهم بسبب عدم توفر إذن العمل، خاصة في الوظائف التي تنطوي على مخاطر.

في المقابل، هناك من نجح في تأسيس عمله الخاص وممارسة العمل وفقاً لتخصصه الأكاديمي.

الشاب السوري أحمد الأمين (31 عاما)، يقول درست طب الأسنان للسنة الرابعة بجامعة تشرين باللاذقية، لكن بسبب الحرب والظروف الصعبة سافرت إلى تركيا وبدأت أعمل بمختلف المجالات، حتى توفرت الظروف المناسبة وأكملت دراستي وبدأت من السنة الثانية وتخرجت قبل عام من جامعة "19 مايس" التركية.

ويضيف، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، حصولي على الجنسية أتاح لي ممارسة مهنة طب الأسنان، التي تحظر القوانين التركية على الأجانب مزاولتها.

واليوم أحمد يدير عيادته الخاصة، بتمويل من أحد أصدقائه، ويتطلع إلى الاستقرار في تركيا.

بدوره، حسن السهوان (21 عاما)، حاصل على الجنسية التركية، وطالب بقسم الهندسة البرمجية شارف على التخرج في جامعة الفرات التركية.

يقول حسن، "بعد تخرجي سوف أجري تقييماً للفرص المتاحة لي إما العمل أو إكمال دراسات عليا، لكنني مستقر مع أهلي بتركيا، ولا أنوي السفر للخارج أبداً، مشيراً إلى أن الجنسية ساعدته في حرية التنقل بين الولايات وأضفت على حياته نوعاً من الاستقرارا.

خريجون سوريون يفكرون بالهجرة

فضلاً عن تحديات سوق العمل يواجه الطلاب السوريون وخاصة الذين يحملون "بطاقة الحماية المؤقتة" (الكيملك) صعوبات وتحديات حالهم حال معظم السوريين، مثل عدم القدرة على الانتقال بين الولايات للعمل. وبالتالي، فإن نسبة من يعملون في تخصصاتهم تقتصر غالبًا على الحاصلين على الجنسية التركية.

ودفعت جملة من التحديات والظروف القانونية والاقتصادية الخريجين، وخاصة ممن يرون أن الأفق مسدود أمامهم، إلى التفكير بالهجرة والسير على درب ملايين السوريين في طرق التهريب والهجرة غير الشرعية.

ويقول قتيبة، يختار البعض الهجرة إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل، في حين يواصل آخرون دراساتهم العليا، أو يعودون للعمل في وظائف غير متخصصة تتطلب مجهودا بدنيا أكبر.

أحمد ديب (26 عاما)، شاب سوري يقيم في ألمانيا، تخرج في كلية الصحافة في مدينة سامسون في شمالي تركيا، اضطر إلى الهجرة إلى أوروبا بعد عام من تخرجه.

يقول أحمد، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، دخلت مجال الصحافة والإعلام بدافع الشغف، كنت أحلم بالعمل في مؤسسة إعلامية كمراسل أو محرر أخبار. بعد التخرج، قضيت نحو عام أبحث عن عمل، ولكنني لم أجد فرصة في مجال الإعلام. معظم المؤسسات الإعلامية تتطلب خبرة كبيرة وخلفية ثقافية واسعة، ما جعل العثور على فرصة عمل مناسبة أمرا صعبا للغاية.

ويضيف أحمد، بعد عام من تخرجي لم أجد سوى فرصة عمل براتب متدنٍ، لذلك سارعت إلى اتخاذ قرار الهجرة.

وعلى خطى أحمد يرى الشاب أيهم عبد الوهاب، البالغ من العمر 26 عاما، وهو متخرج من قسم إدارة الأعمال بجامعة آسيا في إسطنبول عام 2022، أن الهجرة خياره الوحيد.

بعد تخرج أيهم حاول العمل في العديد من منظمات المجتمع المدني العربية، بما في ذلك المنظمات السورية، لكنه واجه عقبة الحصول على الجنسية كشرط أساسي لقبوله في العمل، وهو شرط تفرضه أيضا العديد من الشركات والمنظمات التركية.

ويقول أيهم إن أكبر تحدٍ واجهه بعد التخرج كان صعوبة التنقل، حيث يعيش في غازي عنتاب ويحمل بطاقة الحماية المؤقتة "الكيملك"، وعند تقدمه لوظائف في منظمات وشركات بإسطنبول، كان من الصعب عليه الحصول على إذن سفر لإجراء مقابلات العمل.

وأشار أيهم إلى أنه من بين المتضررين من الزلزال في 2023، حيث كان يقيم سابقا في هاتاي، وأكد أن عدم حصوله على الجنسية أو فرصة عمل مستقرة يجعل حياته صعبة، ويدفعه للبحث عن أي فرصة للهجرة إلى بلد يمكنه من الاستقرار وتأمين مستقبله.

تُوافق مرام درويش (22 عاماً)، خريجة قسم التمريض بجامعة العلوم الصحية في إسطنبول، خيار أيهم في الهجرة، حيث إن ملف حصولها على الجنسية التركية لا يزال معلقا منذ فترة طويلة، ولم تحصل عليها بعد.

وتقول مرام، لأنني من حاملي هوية الحماية المؤقتة لا أستطيع العمل والتقدم لوظيفة حكومية، وبحسب القانون في تركيا لا يمكن للممرض الأجنبي ممارسة العمل، لهذا السبب أبحث عن فرصة للهجرة والبحث عن عمل في بلد جديد. 

بينما يعتبر همام السليمان (23 عاما)، طالب طب أسنان بجامعة ميديبول، والمتخرج من قسم المختبرات الطبية، أن الهجرة للخارج خيار احتياطي في حال عدم توفر فرص عمل مناسبة بعد التخرج.  

ويوضح همام، أنه أكمل دراسة تخصصه الأول لأنه لم يكن لديه خيار آخر، "كان هدفي الأساسي دائماً دراسة طب الأسنان. أطمح للعمل في تركيا بعد التخرج لأنني تأقلمت مع المجتمع التركي، وتعلمت اللغة، ولدي العديد من الأصدقاء والمعارف هنا. ومع ذلك، إذا لم أتمكن من العثور على فرصة عمل بعد التخرج، فقد تكون الهجرة إلى ألمانيا خيارا لي، حيث يعيش بعض أفراد عائلتي".

خريجون يبدؤون العمل براتب أقل من الحد الأدنى

علي العلي، شاب يبلغ من العمر 25 عاماً، تخرج من قسم تقويم العظام والأطراف الصناعية في جامعة 19 مايس التركية هذا العام، ويعيش في مدينة إسطنبول دون أن يحمل الجنسية التركية.
يقول علي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، "بسبب القيود المفروضة علينا كسوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة الكملك، لا أستطيع السفر خارج إسطنبول، مما يحصر فرص العمل المتاحة أمامي داخل المدينة. حاليا، أعمل في إحدى العيادات، وبراتب أقل من الحد الأدنى للأجور".
ويضيف علي، لو حصلت على الجنسية التركية، ستكون لدي حرية التنقل بين الولايات وحتى العودة إلى بلدي سوريا، حيث أن تخصصي مطلوب بشدة في مدينتي إدلب.

بينما يعمل علي بأقل من الحد الأدنى بمجاله، تضطر بتول كرييم للعمل خارج تخصصها، تبلغ بتول 25 عاما وهي خريجة علاقات دولية من جامعة أولوداغ التركية. ورغم حصولها على الحد الأدنى من الأجور، إلا أنها اضطرت للعمل في مجال مختلف ضمن قطاع تجاري في مدينة بورصة.  

تقول بتول، حصولي على الجنسية التركية أتاح لي فرصة العمل بعد التخرج، لكن للأسف في مجال بعيد عن تخصصي، وهو عمل يتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً. ورغم أنني أحصل على الحد الأدنى من الأجور، لكنني أنوي السفر إلى الخارج لإكمال مسيرتي الأكاديمية. ومع ذلك، فإنني مجبرة على العمل حاليا، باعتباري المعيلة لعائلتي المتضررة من زلزال العام الماضي.

يجد الخريجون السوريون في تركيا أنفسهم أمام مستقبل ضبابي، إما البطالة أو طريق اللجوء والهجرة. ورغم تفوقهم الأكاديمي وإصرارهم على تحقيق طموحاتهم، إلا أن القيود القانونية والاقتصادية تحول دون تحقيق أحلامهم بشكل كامل. 

وبينما يضطر بعضهم للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم أو براتب أقل من الحد الأدنى للأجور، يختار آخرون الهجرة بحثاً عن فرص أفضل في الخارج. ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً في أن يجد هؤلاء الخريجون، سواء في تركيا أو خارجها، طريقاً لتحقيق أحلامهم والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم.