شهدت الليرة السورية ارتفاعاً بنسبة 35% بحسب أسعار الصرف داخل مناطق سيطرة النظام، وذلك بعد الانهيار الكبير وغير المسبوق أمام الدولار الأميركي الذي تجاوز حاجز 3500 ليرة للدولار الواحد.
وبالرغم من هذا التحسن إلا أنه لم ينعكس على أسعار السلع ومختلف المواد والبضائع، إذ بقيت غالبيتها محافظة على أسعارها المرتفعة السابقة بالإضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار بعضها.
فما السبب الرئيس الذي أدّى إلى ارتفاع سعر الليرة السورية من جهة، ولم يؤدّ إلى انخفاض أسعار المواد من جهة أخرى؟
يرى الباحث والمحاضر في العلوم المالية والمصرفية، منهل العثمان، أن ارتفاع قيمة الليرة "سيكون مؤقتاً ولن يلبث حتى يعود للانخفاض مجدداً".
وقال لـ موقع تلفزيون سوريا إن "ارتفاع سعر صرف الليرة الحالي هو ارتفاع وهمي وليس حقيقي، فالجهة التي تحدد قيمة الليرة في مناطق النظام هو المصرف المركزي وأسعاره لا تسري إلا في مناطقه، أما السوق السوداء فتتحكم بها مكاتب وشركات الصرافة، والجهتان المذكورتان تتحكّم بهما أجهزة الأمن والاستخبارات، لا سيما بأسعار الصرف المعلنة في السوق السوداء عبر مواقعها وصفحاتها الإلكترونية".
وكان المصرف المركزي التابع لحكومة النظام قد أصدر، في حزيران الماضي، قراراً بإغلاق ست من كبرى الشركات العاملة في مجال الصرافة والحوالات المالية بحجّة صرف الحوالات المالية بأسعار السوق السوداء (وهو القريب من السعر المعلن في الخارج).
وهدّد المصرف المركزي، قبل إصداره قرار الإغلاق بيوم واحد، بفرض عقوبات قاسية ستطول كلّاً من مُستلِم ومُسلِّم الحوالات الخارجية عبر شركات صرافة غير مرخصة تقوم بتسليم الحولات لأصحابها بقيمة صرفٍ أعلى من قيمة الشركات المرتبطة بالمركزي.
ويوضح العثمان أسباب رفع قيمة الليرة من قبل أجهزة النظام في هذا التوقيت، بالتركيز على جانبين، الأول يتعلّق بـ "حوالات المغتربين السوريين التي ترتفع وتيرة إرسالها إلى مناطق النظام بصورة ملحوظة خلال الأيام القليلة التي تسبق الأعياد، ونحن الآن على أبواب عيد الأضحى، وهذه التحويلات تشكّل رافداً مالياً مهماً للنظام".
إلا أن العثمان يستبعد أن يشكّل هذا الجانب سبباً رئيساً في تسجيل هذا المستوى من الارتفاع -35% في قيمة الليرة- ويرجّح أن يكون مرتبطاً بالجانب الثاني الذي عدّه الباحث "فرضية مبنية على عدة عوامل" بحسب وصفه.
ويشير العثمان في فرضيته إلى "تدخّل صيني في عملية دعم العملة السورية، وذلك من خلال عقدها اتفاقات استراتيجية مع إيران مؤخراً، وبالتالي ستنعكس آثار تلك الاتفاقات على نظام الأسد".
ولا يستبعد أيضاً حصول تدخلّ خارجي من دول معيّنة (فضّل عدم ذكر اسمها لعدم توفّر دلائل مادية دامغة) لطالما قدّمت له دعماً مالياً بين الحين والآخر، مؤكّداً في الوقت ذاته أن "ضخّ كمية بسيطة من العملة الصعبة تتراوح بين 4-5 ملايين دولار في السوق، كافية لرفع قيمة الليرة لمدة مؤقتة قبل انخفاضها مجدداً خلال الأيام وربما الساعات القليلة القادمة".
ويربط العثمان مسألة القيمة الوهمية لسعر الليرة الحالي، بحالة بقاء أسعار المواد والسلع على ارتفاعها السابق، إذ إن المواد والبضائع المنتشرة في أسواق النظام مستوردة من الخارج في أوقات سابقة وبحسب الصرف الحقيقي لليرة السورية، ولا يمكن بالمطلق أن تنخفض أسعار المواد بمجرد ظهور تحسّن طارئ على الليرة وإن كان حقيقياً.
ويستدرك قائلا "ولا ننسى غياب الرقابة التموينية والفساد في نشوء واستمرار حالة التضخّم دون توقّف، ومنذ ما قبل انخفاض قيمة الليرة أصلاً، لم نشهد في حالتنا السورية أن تراجعت حالة التضخم (زيادة أسعار المواد) في يوم من الأيام بعد ارتفاعها، بمعزل عن ارتفاع أو هبوط العملة".