مضى أكثر من 72 ساعة على الزلزال الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا وخلف عشرات آلاف القتلى والجرحى، في حين علق آخرون تحت الأنقاض، بانتظار فرق الإنقاذ التي تعمل بلا كلل حتى تنتشلهم من الخطر والردم المحيط بهم.
خلال الساعات الأولى من يوم 6 شباط، استيقظت أم عمار على صوت اعتقدت أنه صوت رعد شديد، فدفعها خوفها الشديد لأن تترك دفء بطانيتها ولتمسك بحفيدتها الرضيعة ولتهرب حافية القدمين إلى الحديقة الواقعة في الأسفل حيث احتمت بشجرة هناك.
وعن تلك التجربة تقول: "حتى في تلك اللحظة لم نكن ندري بأن هذا كان زلزالاً بسبب الظلام الدامس الذي لم نستطع من خلاله أن نرى أي شيء".
أخذ جيرانها ينادون عليها، ويصرخون وسط الظلام. وفي غضون ثوان معدودة، انهار المبنى الطابقي الذي كانوا يسكنونه واستحال إلى ركام وغبار، بيد أن أم عمار لم تدر ما حدث لهم، ولهذا فهي تعتقد بأن جيرانها إما ماتوا أو علقوا بين الأنقاض، أو تم نقلهم إلى المشفى، لأنها لم ترهم منذ تلك الليلة.
تبعد مدينة أرمناز الواقعة في الشمال السوري، حيث تعيش أم عمار، مسافة 200 كم جنوب غربي مدينة غازي عنتاب التركية القريبة من مركز الزلزال الذي بلغت شدته 7.8 درجات والذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا في أعنف كارثة تتعرض لها المنطقة منذ أكثر من 80 عاماً، حيث انهارت الآلاف من المباني وقتل أكثر من 22 ألف شخص، وجرح الآلاف غيرهم وتشردوا.
مع بدء خيوط الشمس الأولى بالشروق صباح يوم 6 شباط، تبين حجم الدمار في أرمناز، وعلى الفور سارع المتطوعون وعناصر الدفاع المدني السوري في ظل درجات حرارة أقرب للتجمد للبدء بأعمال الحفر في الأنقاض بحثاً عن ناجين.
سباق مع الزمن
تمثل الساعات 72 الأولى بعد وقوع الزلزال فترة حاسمة إذ انخفضت بعدها نسبة الناجين لتصل إلى 5-10%، بما أن معظم عمليات الإنقاذ عادة تتوقف بعد مرور خمسة إلى سبعة أيام، لأن العثور على شخص حي خلال تلك الساعات الذهبية مسألة حياة أو موت.
اعتمدت الخطوة الأولى لعملية الإنقاذ على استخدام آليات ثقيلة كالحفارات والرافعات المتنقلة والهيدروليكية، وذلك لحفر قطع الإسمنت الضخمة، وتفريق أكوام الركام لإنقاذ العالقين تحت ما تبقى من بيوتهم.
بعد إزالة الأنقاض الضخمة، تخمد أصوات الآليات وتبدأ فرق الإنقاذ بإصاخة السمع بحثاً عن أي مؤشر ضعيف للحياة. وعند سماع أخفت صوت أو حركة، تستخدم فرق المتطوعين أدوات صغيرة مثل الفؤوس والمعاول، بل حتى أياديهم العارية في بعض الأحيان، بحثاً عن الناجين، في مهمة تصبح أصعب بكثير ضمن ظروف الطقس في الشتاء القارس. إذ خلال الليلة الأولى بعد الزلزال هبطت درجات الحرارة في أرمناز إلى ما دون الصفر.
ولدعم جهود الإنقاذ خلال أول 72 ساعة المرحلة الحاسمة، تبرعت منظمة People in Need بـ500 ألف ليتر من البنزين للعاملين في مجال الإنقاذ في إدلب وشمالي حلب وذلك حتى يزودوا آلياتهم الثقيلة بالوقود، وهذا ما ساعد على استمرار زخم عمليات الإنقاذ على مدار الساعة خلال تلك الفترة الذهبية.
على مسافة قريبة من الشارع الذي كانت أم عمار تقيم فيه، وتحديداً في حي الطالح ضمن مدينة أرمناز الصغيرة نفسها، فقد زاهر تسعة أفراد من أسرته عندما انهار المبنى الذي كانوا يقيمون فيه، فوقف أمام كومة الردم بعد عملية إنقاذ شاقة وأخذ يروي ما جرى خلال الليلة السابقة، حيث قال: "توفي أول ابن عم لي مع أسرته عندما انهار الطابق الثالث فوق رؤوسهم، أما ابن عمي الثاني وأسرته فقد حاولوا الهرب، إلا أن السلالم تدمرت وانهار السقف فوقهم فقتلوا جميعاً. ومن الطابق الأرضي نجا ابن عمي الثالث وأسرته، على الرغم من إصابة أولاده. بيد أن البناء بأكمله تدمر".
حالف الحظ ثلاثة آخرين من عائلة زاهر بعدما تم إنقاذهم من بين الخرائب خلال فترة 72 ساعة بعد وقوع الزلزال، بيد أن الآليات الثقيلة التي ساعدت في أعمال الحفر لانتشالهم من بين أكوام الإسمنت والتراب تحتاج إلى غالونات من الوقود لتعمل، ومن الصعب تأمين ذلك واستمرار تلك العملية في شمال غربي سوريا بما أن هذه المنطقة تعاني من شح في الموارد. إذ تستهلك الحفارة نحو سبعة ليترات من الوقود بالساعة الواحدة، أما الرافعة المتنقلة فتحتاج إلى تسعة ليترات، ولهذا فإن التبرعات التي أتت على شكل وقود قدمته منظمة People in Need ستساعد على مواصلة عمليات الإنقاذ خلال فترة زمنية تكفي لإنقاذ المزيد من الأرواح.
لم تتوقف استجابة تلك المنظمة عند هذا الحد، إذ خلال الأيام القادمة، ستعمل المنظمة بالتعاون مع مطابخ ومتطوعين مدنيين على توزيع الآلاف من الوجبات على المتضررين من الزلزال، بما أن معظمهم قد فقدوا بيوتهم وأحباءهم.
وفي الوقت ذاته، ستشارك هذه المنظمة التشيكية الخيرية في تنظيم عمليات لتوزيع مساعدات مالية على الأسر المحتاجة في شمال غربي سوريا، وهذه التبرعات النقدية ستساعد السوريين على شراء الأغذية والملابس الشتوية وإصلاح البيوت وتأمين الأساسيات الضرورية.
يذكر أن منظمة People in Need بقيت تقدم مساعداتها في الشمال السوري على مدار سنوات طويلة، وماتزال كوادرها في سوريا على استعداد لتوزيع المساعدات الأساسية في تلك المنطقة التي تعاني من آثار نزاع طويل الأمد، ومن النزوح، ومن كارثة طبيعية اليوم.
المصدر: Relief Web