وصل نادر الباشا إلى كندا وهو يحلم بافتتاح معمل للسكاكر هناك. إذ كبر هذا الرجل وهو اليوم صاحب معمل حلويات الباشا الذي افتتحه جده من قبله، وهو يتعلم أساليب وفنون هذه الصناعة على يد أبيه المتوفي، فأصبح اليوم يستعين بالآلات التي أتى بها من معمل العائلة في الأردن بعد قدومه إلى مدينة لندن الكندية ليصبح لاجئاً فيها في عام 2015، وذلك حتى يقوم بإنتاج الحلويات في معمله المقام بجنوبي تلك المدينة.
وحول تجربته يحدثنا الباشا، 34 عاماً فيقول: "تنتابني مشاعر كثيرة كلما عملت في هذا المتجر أو عندما أرى هذه الآلات، لأني أتذكر أبي وجدي، إذ من المؤثر أن تتعلم شيئاً من قبل أبيك أو عائلتك، وتنتابك مشاعر رائعة عندما تشاطر الآخرين بمهاراتك".
تم افتتاح متجر الباشا للحلويات الذي يبيع منتجاته بالتجزئة في أيار الماضي، حيث تمت إضافة حلوى المارشميلو والمصاص والهريس لقائمة السكاكر التي تباع هناك.
ويحدثنا الباشا عن متجره فيقول: "لقد تحقق حلمي بصراحة، إلا أن مشروعنا مايزال جديداً وأمامه تحديات كثيرة، إلا أن الأمور تسير على ما يرام حتى الآن".
السكاكر والحروب
يطمح صاحب هذا المتجر الذي يحاول أن يعرض منتجاته بشكل جذاب أمام الزبائن لتوقيع عقد إيجار داخل أحد المراكز التجارية الرئيسية بلندن، بعدما ترك بصمته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تجاوزت مشاهدات أحد فيديوهاته حول تاريخ العائلة في العمل بهذا المجال 2.2 مليون مشاهدة عبر تيك توك.
بدأ الجد مشروع صناعة السكاكر في مدينة حماة السورية عام 1948، وبقي كذلك حتى عام 1982، وذلك عندما تعرضت المدينة لحصار على يد الجيش السوري ضمن العملية العسكرية العنيفة التي قامت لإخماد انتفاضة ضد النظام هناك، فأجبرت تلك المجزرة جده على الهروب إلى الأردن، كما فر والده إلى الكويت.
أطلق الأب طلال الباشا مشروع السكاكر الخاص به بالكويت، إلا أن صناعة الحلويات تعرضت لنكسة إبان حرب الخليج، فانتقل إلى الأردن، حيث افتتح معملاً لصناعة السكاكر في عام 1991.
يخبرنا الباشا بأنه نشأ هو وأخوه وترعرعا وعينهما على ذلك المشروع، حيث علمهما والدهما طريقة صناعة سكاكر التوفي وغيرها من الأنواع عبر الاعتماد على آلة تقوم بهذه المهمة الشاقة.
بيد أن حياة الأجانب في الأردن صعبة كما يقول الباشا، إذ تعترض غير المواطنين لعوائق كثيرة بالنسبة لعملية التوظيف والعمل إلى جانب تهديدهم بالترحيل.
ومع ذلك استكمل الباشا شروط الحصول على شهادة مهنية في مجاله بالأردن، وذلك في الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الأحداث في سوريا في عام 2015، ما دفعه للسفر إلى كندا بصفة لاجئ بعدما تكفلت عمته بأمر استقدامه، بما أنها تعيش بالأصل هناك. وفي كانون الأول من عام 2017، وصل شقيقه الأصغر كلاجئ سوري إلى كندا عبر كفالة كنسية، وهناك ساعد نادراً على افتتاح مشروع تجاري صغير لصناعة السكاكر ضمن متجر تبلغ مساحته 37 مترا مربعا.
كان الباشا يعمل لدى شركة أغذية أميركية طوال الأسبوع، إلى جانب قيامه بصناعة السكاكر برفقة شقيقه في أيام العطلة الأسبوعية، ثم انتقل للعمل كموظف في مصنع شركة تويوتا. وقد كان يتدبر أمور عمليات التوزيع والتعليب التي تتم يدوياً بنفسه، حيث كان ينقل المنتجات بسيارته ويبيعها لعدد من باعة التجزئة.
حدث صادم ونكسة
ثم وصل شقيقه الآخر إلى كندا في أيلول 2019، وهكذا صارت الأسرة تعمل جاهدة لتأتي بطلال الباشا الذي بقي يدير مشروع صناعة السكاكر في سوريا، إلى كندا، لكنه توفي فجأة في كانون الأول عام 2019.
وعن ذلك يقول الباشا: "كنا نحلم بنقل آلاتنا من الأردن، كما حلمنا بجلب أبينا إلى هنا، فهو بالنهاية يتمتع بسنوات خبرة طويلة في هذا المجال، لكنه رحل عن عالمنا فجأة، بعد فترة مرض قصيرة، فكانت تلك صدمة كبيرة بالنسبة لنا".
سافر نادر الباشا إلى الأردن لمدة ثلاثة أشهر حتى يقوم بتصفية مشروع أبيه هناك، لكنه بعد تلك المدة لم يتمكن من مغادرة البلد لمدة سبعة أشهر، بسبب القيود التي فرضت عند تفشي كوفيد-19 ما اضطر البلاد لإغلاق حدودها ومنع المسافرين من الرحيل.
عجلة الإنتاج تدور من جديد
تمكن نادر من العودة إلى كندا في أواخر عام 2020 ورتب لنقل العديد من معدات تصنيع السكاكر التي تعود لجده وهي معدات مصنوعة في ألمانيا منذ ستينيات القرن الماضي، إلى كندا. وبعد أشهر من وصول تلك المعدات وصيانتها بما يراعي معايير الأمان الكندية، بدأت عملية الإنتاج في شهر أيار من عام 2021 جنوبي مدينة لندن الكندية.
حصل نادر الباشا على الجنسية الكندية في مطلع هذا العام، لكنه مايزال يفكر بمستقبل الجيل القادم من مصنعي السكاكر، فقد ولد ابنه بعد أسبوع من وفاة أبيه في كانون الأول 2019، فحمل اسم جده طلال، وتعقيباً على ذلك، يقول نادر: "سأعلمه صناعة السكاكر في يوم من الأيام".
المصدر: The London Free Press