أصبحت حلب حاضرةً بقوة في مدينة ليون الفرنسية من خلال مركز تسوق صغير اختار أصحابه أن يطلقوا عليه اسم "حلب ماركت."
اكتسب "حلب ماركت" زخَمه بوجود جالية عربية كبيرة، بالإضافة لتدفق أعداد معقولة من السوريين إلى هذه المدينة الواقعة عند مبتدأ الجنوب الفرنسي بالنسبة للقادمين من باريس، والتي تُعتبر ثالث أكبر مدينة في فرنسا بعد باريس ومرسيليا.
لاقى "حلب ماركت" نجاحاً لافتاً منذ بداية تأسيسه عام 2017 وكانت التسمية موفّقة لأبعد حدّ، لما لحلب من مكانةٍ في قلوب السوريين والعرب، بل والفرنسيين أنفسهم من أهالي مدينة ليون التي كانت قد دخلت في اتفاقية توءمة مع مدينة حلب منذ عام 2000 حيث حظيت حلب بوضعٍ خاصّ في ليون واحتلّت مكانة مميزة في وجدان الليونيين. فالعلاقات التجارية بين ليون وحلب تمتد لقرون. كما أن اشتهار مدينة ليون بصناعة المنسوجات الحريرية كان قد دفع تجارها في الماضي لحثّ حكومتهم على إعلان الانتداب على سوريا من أجل الحصول على الحرير الطبيعي من هناك.
من دكان إلى متجر
قمنا بزيارة "حلب ماركت" الواقع في قلب المدينة بالقرب من منطقة "بارت ديو" والتقينا بأمير (28 عاماً)، وهو شاب سوري حلبي أسس المركز بالاشتراك مع ثلاثةٍ من أصدقائه. يقول أمير أن فكرة افتتاح مركز تسوق سوري بدأت تراوده هو ورفاقه منذ أن بدؤوا يلاحظون من خلال الفيسبوك أن السوريين في ليون "كانوا في كل مكان."
وهكذا "بدأ الأمر بسرعة" كما يضيف أمير، إذ افتتحوا دكاناً صغيراً في ضاحية فينيسيو، ومن ثم بعد النجاح الكبير انتقلوا إلى مركز المدينة ليفتتحوا مركز التسوق الحالي الذي أصبح نقطة علّام فارقة بالنسبة للسوريين، حتى صار الكثير منهم يرى فيه أكثر من مجرد مركز لشراء الحاجيات.
اقرأ أيضا: مشكلات السوريين في فرنسا.. ما وراء الغربة والحنين
فكثير من الزبائن اكتشفوا أصدقاء قدماء بالصدفة في المحل، وتفاجؤوا بوجودهم معهم في فرنسا وفي نفس المدينة. كما أن التسوق في المركز صار مناسبةً لبعض الأصدقاء للالتقاء وشراء حاجاتهم مع بعضهم البعض، في ظلّ غياب مقاهٍ أو نوادٍ سورية في ليون. وبالنسبة للبعض يعتبر "حلب ماركت" المكان الوحيد الذي لو زاروه فسيكونون مطمئنين إلى أنهم سيجدون فيه سوريين مثلهم يتبادلون معهم أطراف الحديث باللهجات السورية المحببة إلى قلوبهم.
فرصة للحديث السوري
يقول عبد المالك (31 عاماً) المنحدر من مدينة حمص، والذي وصل فرنسا قبل ثلاث سنين إنه تعلّم الكثير من المفردات الجزائرية من خلال تعامله مع أفراد الجالية الجزائرية الكبيرة في ليون، لكن "حلب ماركت" يشكّل بالنسبة إليه "فرصة حتى أحكي سوري وحس حالي في سوريا،" مضيفاً أنه صار لديه أصدقاء سوريون من خلال "حلب ماركت" من ضمنهم أحد الموظفين المنحدرين من محافظة إدلب.
يجتهد أصحاب "حلب ماركت" لجعله أشبه ما يكون بحلب وأسواقها، فالداخل إلى المحل يجد إلى يمينه أطايب الحلويات العربية من البقلاوة و"سوارة الست" وحلاوة الجبن والبرازق، وإلى يساره كل أنواع البهارات والبزوريات التي تتحدى الجغرافية وتزرع بعناد روائح الشرق في قلب أوروبا.
اقرأ أيضا: كيف رد سوريون على تصريحات منفذ هجوم فرنسا؟
تقول أم مصطفى (38 عاماً) وهي سيدة حلبية وأم لثمانية أطفال، قدمت إلى فرنسا قبل أربع سنين، "أنا بروح لعند "حلب ماركت" لأنو بذكرني ببلدي. هاد أسمو "حلب" ماركت! هي مدينتي اللي عشت فيها."
أما القسم الداخلي الفسيح من مركز "حلب ماركت" للتسوق فيضمّ عشرات الرفوف الطويلة التي تجود بأشكال المأكولات والمواد الغذائية التي تتنافس لإشباع رغبات الزبائن المتطلعين لاقتناء كل ما من شأنه أن يذكرهم بالوطن، أو أن يعيد إليهم شيئاً من نوستالجيا الماضي، أو طعماً من الطعمات التي تخلّدها فنون الأمهات ومطابخهنّ في ذائقة أبنائهن، يحملونها معهم في ذاكرتهم، ثم سرعان ما يهرعون بالبحث عنها في محيطهم أينما حلّوا.
يذكر أمير ضاحكاً إحدى المرّات عندما اصطحب أحد الزبائن ابنه الصغير للمحل، واشترى له شيبس "ديربي" ثم ناوله للولد وهو يقول، "كول يا ابني من هاد الشيبس اللي كان ياكل منو أبوك!".
أجود صابون غار في ليون
كما يفتخر أصحاب "حلب ماركت" بأنهم أشهر مَصدَر لصابون الغار في مدينة ليون. وذلك أن هذا الصابون السوري العريق يعرف في فرنسا باسم "صابون حلب،" ولذلك فمجرد أن يبحث الفرنسي عن "صابون حلب" في الإنترنت أثناء القيام بالتسوق أونلاين، فإن محرك البحث غوغل يأخذه مباشرةً إلى "حلب ماركت" في ليون. وهل هناك من يجاري "حلب" ماركت في بيع أجود أنواع صابون "حلب!؟"
اقرأ أيضا: اللجوء السوري في فرنسا.. تناقضات مجتمعية وتأثيرات اللغة
بالإضافة لكل ذلك يزخر "حلب ماركت" بأصناف الزعتر الحلبي، والخبز السوري، والمكدوس، والملوخية، والبرغل، والفريكة، والمكسرات وغير ذلك الكثير الكثير من أصناف المواد التي تساعد المغتربين على اتباع نظام غذائي يشبه ما اعتادوا عليه في سوريا والبلدان العربية عموماً.
تقول أم محمد (39 عاماً) وهي أم لثلاثة أولاد وصلت فرنسا قبل خمس سنين إنها تزور "حلب ماركت" بشكل دوري ولا يمكنها الاستغناء عنه لأن "طبخاتي سورية ومطبخي سوري، لذلك فأنا أجد كل احتياجاتي فيه."
أما أصناف القهوة "السورية" فهي أكثر ما يثير التعجّب، وذلك أن فرنسا رغم شهرتها بالقهوة، إلا أن للسوريين ذائقة دقيقة جداً حيث "القهوة خط أحمر عند السوري،" كما يقول أصحاب المحل، فلابد للسوري أن يأتي من مسافةٍ بعيدة ليأخذ قهوته الغنيّة بالهال والمحمّصة على الطريقة السورية. كما أن "حلب ماركت" يهتم كثيراً بتوفير أنواع الشاي، التي يكثر زبائنها من العراقيين الذين "يشربونها طوال اليوم،" ويقصدون "حلب ماركت" للتزود بأفضل أنواعها المألوفة لديهم.
اقرأ أيضا: الشرطة الفرنسية تعتدي على المصوّر السوري أمير الحلبي
بعد السوريين والعراقيين تتنوع جنسيات زبائن المحل، فهناك أيضاً اللبنانيون، والفلسطينيون، والأردنيون، والجزائريون، والأرمن، والأكراد سواء كانوا سوريين أو من دول الجوار السوري. وهناك بطبيعة الحال الفرنسيون. كما أن السوريين الذين يقصدون المحل هم من خلفيات مختلفة، فمنهم "المؤيد، ومنهم المعارض، ومنهم المحايد،" حسب تعبير أمير الذي يسارع للاستدراك بالقول، "نحن كلنا ضد الأسد."