واظب النظام منذ سيطرته على الأحياء الشرقية في حلب نهاية العام 2016 على الاحتفاء بذكرى انتصاره المزعوم على المعارضة السورية، وفي شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام وعلى مدى الأعوام الأربعة التي تلت سيطرته، لا يفوّت النظام الفرصة للترويج لدعايته الصفراء، بأن حلب تشهد انتعاشا غير مسبوق وفي مختلف القطاعات الحيوية والإنتاجية، في حين يبدو الواقع معاكساً تماماً لما يروج له النظام، فما تزال حلب غارقة في دمارها الذي كان نتيجة للحرب الوحشية التي شنها النظام على الأحياء التي خرجت عن سيطرته في الفترة الممتدة بين العامين 2012 و2016.
المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن "خسارة حلب كانت نقطة تحول في تاريخ الثورة السورية، ولم تكن خسارة معركة بل خسارة للقرار، وفي حلب بقي الثوار وحيدين وتم إخراجهم بتدبير وتواطؤ دولي.. حلب سلمت على طبق من ذهب للميليشيات المتطرفة بعد أن هجر سكانها ودمرت بيوتهم وممتلكاتهم".
ويضيف النقيب عبد الرزاق: "حلب اليوم عبارة عن مستعمرة يهيمن عليها الحرس الثوري الإيراني، وهي اليوم أهم قاعدة للميليشيات التي يدعمها، وحقل تجارب لاستنساخ ثقافة الثورة المذهبية والطائفية لنظام الملالي والذي يعمل على تغيير وجه حلب الحقيقي بشتى الطرق والوسائل".
ذكرى الانتصار المزعوم.. الدعاية الكاذبة
مزاعم الانتصار الاحتفالية والترويج لعودة الحياة إلى سابق عهدها في حلب لا يمكنها بأي حال أن تخفي أزمات الوقود والخبز والمواصلات والطوابير أمام صالات بيع التجزئة التي تعيشها حلب وأريافها وضواحيها، تبدو حلب بعد أربعة أعوام من سيطرة النظام والميليشيات الروسية والإيرانية مقطعة الأوصال، حواجز مليشيات "فرقة الفاطميون" و "لواء زينبيون" و "لواء الباقر" و "الفرقة الرابعة" و "حزب الله اللبناني" و "لواء القدس" هي المظهر السائد على جميع الطرق التي تصل المناطق الحيوية بالمدينة الواقعة أصلاً تحت رحمة الهيمنة الغير مسبوقة للمليشيات التي أعاقت وعطلت أي (محاولة/مبادرة) أهلية من أجل التعافي والنهوض في قطاعات الصناعة والتجارة والنقل وغيرها.
السياسي السوري المعارض، د. زكريا ملاحفجي، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن "نظام الأسد الذي يدعي عودة الحياة والنمو الاقتصادي إلى حلب هو اليوم عاجز عن تأمين كفاية الأهالي من الخبز والوقود للتدفئة والمواصلات.. عاجز فعلياً عن حل أزمات الخدمات الأساسية المتفاقمة، لذا تبدو دعاية التعافي والانتصار المزعوم مبتذلة وسخيفة يحاول من خلالها التغطية على فشله الذريع في إعادة الحياة إلى حلب التي دمرها قبل أربعة أعوام".
الانتصار المزعوم وبعد أربع سنوات عجاف عاشتها حلب، لا يمكن أن يخفي الفوضى الأمنية التي تعيشها، عصابات الخطب والقتل والسرقة، وانتهاكات الميليشيات الإيرانية والعشائرية وبشكل شبه يومي بحق المدنيين في محطات الوقود وأمام الأفران وفي الأحياء العشوائية، ومجموعات تزوير عقود ملكيات المهجرين (منازل وشقق ومحال) وسلبها بالتعاون مع الفروع الأمنية والقضاة، وظاهرة التقارير الكيدية التي ينظمها (عناصر البعث والأعضاء العاملين في الفرق والشعب الفرعية) والاعتقالات المستمرة لكل من له صلة سابقة بالمعارضة أو كان مقيماً في مناطق سيطرتها.
الصحفي محمود طلحة أكد لموقع تلفزيون سوريا، أن الوضع في حلب "كارثي"، وهو بخلاف ما يروج له النظام، ويضيف "الفوضى الأمنية والحالة البوليسية التي فرضتها الميليشيات والفروع الأمنية لا يمكن التغطية عليها بأنشطة خدمية تجميلية يروج لها إعلام النظام ويقوم بها مجلس المحافظة بين الحين والآخر، المجلس الذي تنتهي صلاحياته عند حدود سيطرة الميليشيات المختلفة والتي قسمت الأحياء إلى قطاعات نفوذ وهيمنة".
سرقة وإزالة أملاك المهجرين
تغيرت ملامح حلب خلال السنوات الأربع من سيطرة النظام والميليشيات على الأحياء الشرقية، مئات المنازل والشقق السكنية أزيلت كلياً في أحياء الحيدرية والأرض الحمرة في القسم الشمالي من المدينة من أجل تنفيذ مشروع التطوير العقاري الذي أطلقه النظام، والذي ستستفيد منه شركات التطوير العقاري الخاصة والناشئة حديثاً، ولمجموعة القاطرجي التي يملكها عضو برلمان النظام، حسام قاطرجي، حصة كبيرة في تنفيذ مشاريع الإسكان المفترضة.
المئات من المنازل والأبنية المتضررة بالقصف السابق لقوات النظام والميليشيات انهارت في ذات الفترة في أحياء الميسر والمعادي والفردوس والصالحين وباب النيرب. قتلى وعالقون تحت أنقاض المنازل المنهارة، والآلاف من العائلات أجبرت على إخلاء مساكنها وشققها، والمبررات التي قدمتها المحافظة، أن المساكن المخلاة مهددة بالسقوط في أي لحظة، وظهرت في الفترة ذاتها مجموعات من السماسرة كوسطاء بين المهجرين عن حلب وتجار الحرب التابعين للميليشيات الإيرانية والعشائرية والمقربين منها لإتمام عمليات بيع المنازل والعقارات التجارية التي وضعت عليها الفروع الأمنية التابعة للنظام إشارات حجز على اعتبار أن مالكيها يتبعون للمعارضة السورية، تباع العقارات عادة بربع قيمتها الحقيقية، أي 25 بالمئة من سعر العقار.
وقال الصحفي يحيى مايو لموقع تلفزيون سوريا، "إن إنتاج النظام لمخطط تنظيمي جديد في حلب هو أخطر ما حصل خلال السنوات الأربع وذلك من ناحية سلب الملكيات وإزالتها"، ويضيف مايو، أن "المخطط التنظيمي والمخطط التفصيلي اللاحق له سيتسبب في ضياع ملكيات عشرات الآلاف من الحلبيين الذي تم تهجيرهم من الأحياء الشرقية في حلب، وهي مناطق صنفت بأنها عشوائية وبالتالي لا يمكن لأصحابها ترميمها أو الحصول على رخصة من مجلس المدينة الذي يتولى تنفيذ المخطط وإصدار تراخيص الترميم عالية الكلفة، العشوائيات سيكون مصيرها الإزالة لاحقاً وليس هناك أي بند يكفل لأصحابها التعويض".
حلب المظلمة
ما يزال العدد الأكبر من أحياء حلب الشرقية من دون كهرباء بعد أربع سنوات من سيطرة النظام وحلفائه من الميليشيات، والجزء الأكبر من الشبكات الهوائية مدمر بفعل القصف الجوي والبري السابق للنظام، وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2020، زود النظام كهرباء حلب بعدد من المحولات، وفي الغالب تم استيرادها من إيران، وزعت المحولات الجديدة وعددها 24 محولاً من النوع الرديء، على عدد من الأحياء الشرقية، وهي لا تغطي سوى جزء صغير من الحاجة الفعلية.
واقع الكهرباء في عموم الأحياء الحلبية يعتمد على نظام التقنين، وتكاد حلب أن تكون في صدارة المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام من حيث عدد ساعات التقنين، فتحتاج المدينة إلى ما يزيد على 1000 ميغا واط، وعملياً لا يصلها سوى 200، والتقنين في قطاع الكهرباء يخدم غالباً المليشيات الإيرانية والعشائرية التي تهيمن على قطاع الطاقة البديلة (المولدات) لتفرض أسعاراً مرتفعة جداً على الأهالي مقابل هذه الخدمة.
نائب مسؤول المكتب السياسي في "لواء السلام" التابع للجيش الوطني، ومسؤول الهيئة السياسية في اتحاد ثوار حلب، هشام سكيف قال لموقع تلفزيون سوريا إن "استعادة السيطرة على حلب كانت بالنسبة لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية بمثابة التحدي الكبير، ثلاثة أرباع مساحة المحافظة كانت محررة، وأكثر من نصف المدينة في يد فصائل الجيش الحر، ولأجل تحقيق هذا المسعى زج النظام وحلفاؤه بعشرات الآلاف من المرتزقة ومن مختلف الجنسيات وعلى مدى عامين تقريباً، ومنذ ذلك التاريخ يواصل النظام كذبه مدعياً إعادة الحياة إلى حلب التي يزعم انتصاره فيها، بينما الواقع مختلف أيما اختلاف عن مزاعم النظام".
ويضيف سكيف، أن ما يزيد المشهد سوداوية في حلب، هي "المساعي الإيرانية المستمرة للتغلغل أكثر في المجتمع المحلي ونشر أيديولوجيتها وفكر الميليشيات المتطرفة التي تدعمها"، ويشير سكيف إلى أن "أزلام إيران باتوا اليوم يسيطرون على قطاعي التجارة والصناعة، وهما من أهم القطاعات الحيوية في المدينة التي كانت تعتبر عاصمة اقتصادية لسوريا، بل بات ممثلي حلب في برلمان النظام في غالبهم من المقربين من الميليشيات الإيرانية".
المطار مركز لتجمع الميليشيات
تساءل رئيس غرفة صناعة حلب، فارس شهابي، المقرب من النظام والميليشيات، عن الأسباب التي تمنع إعادة تشغيل مطار حلب الدولي، وقال في منشور على فيس بوك "لماذا لا يعمل مطار حلب، ولماذا لا توجد رحلات جوية منه إلى بيروت والقاهرة وبغداد وطهران ويريفان وموسكو، المطار جاهز فنياً وأمنياً ولا يوجد أي أعذار تمنع تشغيله دولياً سوى ما نجهله ونتمنى أن نعرفه بصراحة ووضوح".
وفي 10 كانون الأول/ديسمبر وصل وزير النقل، زهير خزيم، في حكومة النظام إلى حلب، وزار منطقة مطار حلب الدولي بالتنسيق مع الميليشيات الإيرانية التي تسيطر على كامل المنطقة، وقال خزيم أنه " يتم التنسيق لإعادة تشغيل مطار حلب الدولي، ويتم السعي لوضع المطار بالخدمة خلال الفترة القريبة القادمة"، وعود تشغيل المطار تكررت خلال أعوام 2017 و2018 و2019، وما يزال المطاران المدني والعسكري المتجاوران شرقي المدينة من أهم مراكز تجمع الميليشيات الإيرانية ومنطقة مهمة لمستودعات أسلحتها، وتعرضت المنطقة لقصف إسرائيلي متكرر خلال الأعوام الأربعة الماضية.