شهدت أروقة القضاء البلجيكية حكماً قضائياً "إنسانياً" استثنائياً قل ما يحصل في الدول الأوروبية إثر تبرئة رجل سوري من "تهمة تهريب البشر" بعد أن ساعد ابن أخيه للوصول إلى بلجيكا.
ويأتي الحكم الاستثنائي في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أن تعاطف البلجيكيين مع الأوكرانيين أكثر بمرتين من تعاطفهم مع اللاجئين السوريين الذي فروا من آلة الحرب الروسية في بلدانهم.
بحسب المحكمة البلجيكية، فقد تصرف الرجل السوري، المُدعى عليه، على أساس "الاعتبارات الإنسانية"، وبالتالي قررت تبرئته من جريمة "تهريب البشر"، في حين حُكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر مع "وقف التنفيذ" بتهمة "التزوير".
وتجنبت التقارير الإعلامية البلجيكية ذكر اسم الرجل السوري، إلا أن الحكم نال اهتماماً إعلامياً لما يحمله من تقدير للجوانب الإنسانية.
وكان الرجل السوري قد اُعتقل في مطار بروكسل في شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي، عندما وصل على متن "رحلة مشبوهة" من العاصمة اليونانية أثينا.
ومن المعروف أن مثل هذه الرحلات الجوية يستخدمها عادة "مهربو البشر" وبالتالي فهي تخضع للمراقبة عن كثب، بحسب ما ذكرت صحيفة "آخر الأخبار" البلجيكية الناطقة باللغة الهولندية.
أوقفت السلطات البلجيكية السوري بتهمة "تهريب البشر" لأنه كان مسافراً بصحبة رجل آخر هو ابن أخيه على الرحلة ذاته مستخدماً "جواز سفر شبيهاً"، وجواز السفر لم يكن مزوراً وإنما يعود لشخص شبيه وله صلة قرابة بهما، هو ابن أخ آخر للمدعى عليه.
وأظهر التحقيق الذي أجرته السلطات أن الاثنين (الرجل السوري الذي تمت محاكمته وابن أخيه) استخدما في بيانات سفرهما العنوان نفسه وأن تذاكر السفر كانت محجوزة في الوقت نفسه.
وبحسب المدعي العام، كان هناك دليل واضح على "تهريب البشر" لكن محامي الدفاع اعترض على ذلك.
وقالت المحامية جولي كرويت، التي دافعت عن السوري "هذا الرجل الثاني كان ابن أخ آخر لموكلي"، مضيفة "تمكنت العائلة بأكملها من الفرار من سوريا إلى ألمانيا، لكن كان ابن الأخ واحد فقط تقطعت به السبل في أثينا".
وتابعت المحامية، في حديث نشرته صحيفة "آخر الأخبار"، أن موكلي ساعد ابن أخيه في الوصول إلى بلجيكا بجواز سفر لابن أخ آخر يقيم في البلاد، موضحة أن موكلها لم يقدم على هذا العمل بقصد التربح وكسب المال وإنما للم شمل أسرته.
وافقت المحكمة على التماس المحامية وأصدرت حكماً بتبرئة المدعى عليه من تهمة "تهريب البشر"، وقضت بسجنه لمدة ثلاثة أشهر مع "وقف التنفيذ" لاستخدامه جواز سفر آخر.
"انتقائية" بالتعاطف مع اللاجئين
وفي سياق متصل، أظهر استطلاع للرأي في بلجيكا أن أغلبية الشعب الفلمنكي البلجيكي يرحب باللاجئين الأوكرانيين أكثر بمرتين من ترحيبهم باللاجئين السوريين، وتعتقد الغالبية العظمى من الفلمنكيين أنه من الجيد أن تستقبل بلجيكا اللاجئين الأوكرانيين.
وشمل الاستطلاع أكثر من 2000 مواطن بلجيكي فلمنكي، أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلمنكية "VRT NWS" وصحيفة "De Standaard" الفلمنكية.
ويشكل الفلمنكيون نحو 55 % من سكان بلجيكا، يقطنون في الأجزاء الشمالية من البلاد، ويتحدوثون اللغة الفلمنكية التي تعد لهجة من الهولندية، وتعرف بالهولندية الجنوبية.
وبحسب التلفزيون البلجيكي، فإن أوروبا تواجه بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا أزمة لاجئين ثانية في أقل من 10 سنوات.
وفي عام 2015، استقبلت أوروبا أكبر موجة لاجئين منذ عقود، بعد وصول ملايين السوريين الذي فروا من الحرب إلى دول الاتحاد، منهم 7 آلاف و554 شخصاً تقدموا بطلبات لجوء في بلجيكا، بالإضافة إلى أكثر من 7 آلاف شخص من العراق وأفغانستان.
وتظهر الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة أن أكثر من خمسة ملايين أوكراني قد فروا بالفعل من بلادهم، وفي بلجيكا تلقى 37 ألفاً و713 أوكرانياً الحماية بالفعل.
ويحظى لجوء الأوكرانيين بدعم كبير بين الفلمنكيين، وبحسب الاستطلاع فإن 59% من المستجيبين إيجابيون بشأن استقبال اللاجئين من أوكرانيا في حين حظي استقبال اللاجئين من سوريا أو أفغانستان بـ 29٪ فقط من ترحيب المستجيبين.
كما تظهر آراء المشاركين في الاستطلاع بأنهم أكثر انفتاحاً على استقبال اللاجئات أكثر من اللاجئين الذكور، والمتعلمين تعليماً عالياً أكثر من ذوي المهارات المتدنية والمسيحيين أكثر من المسلمين.
وبحسب التلفزيون البلجيكي (VRT NWS) يظهر المسح أن تضامن الفلمنكيين مع الأوكرانيين هو "تضامن انتقائي".
الفيلسوف والأستاذ الجامعي البلجيكي، باتريك لوبويك، لم تفاجئه نتائج الاستطلاع، ويوضح ذلك بقوله "يميل الناس بشكل عفوي إلى إظهار التضامن مع الأشخاص الذين يتماثلون معهم، وبالتالي، فمن المتوقع أن يكونوا متضامنين مع الناس القادمين من أوكرانيا في أوروبا الغربية أكثر من الأشخاص القادمين من سوريا أو أفغانستان".
"القنابل الروسية التي في أوكرانيا نفسها سقطت في سوريا أيضاً"
وبحسب الصحيفة، هناك أسباب أخرى للانتقائية بالتعاطف، ويقول لوبويك "حدثت أمور عديدة باسم الإسلام في السنوات العشرين الماضية، فكر فقط في الهجمات. لقد أدى ذلك إلى تأجيج عدم الثقة تجاه المسلمين، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أنه من الصعب دمجهم".
بدورها، تقول رئيسة رابطة حقوق الإنسان في بلجيكا، كاتي فيرستريب، "يمكن تفسير ذلك جيداً، ولكن يزعجني أن السياسيين يشجعون هذه المشاعر ويتماشون معها".
وتضيف الحقوقية البلجيكية "أنا سعيدة جداً بكل المبادرات التي اتخذتها الحكومة للاجئين الأوكرانيين، لكنها ترسل إشارة إلى أن بعض اللاجئين مرغوب فيهم أكثر من غيرهم.
ودعت إلى دعم التمييز بين اللاجئين، مشيرة إلى أن "القنابل الروسية في سوريا هي نفسها التي في أوكرانيا".
يشار إلى أن الأوكرانيين يتم منحهم، في الوقت الحالي "حماية مؤقتة" في أوروبا من دون إجراءات لجوء.
كما تناول المسح الاستطلاعي أيضاً، كيف ينظر الناخبون من مختلف الأحزاب إلى أزمة اللاجئين؟ حيث كان ناخبو الأحزاب التي تعتبر الهجرة موضوعاً أساسياً، على سبيل المثال حزبا " New Flemish Alliance" و " Vlaams Belang" كانا أقل إيجابية تجاه اللاجئين بغض النظر عن هويتهم أو من أين أتوا.
في حين موقف الناخبين من حزب "New Flemish Alliance" أكثر إيجابية عندما يتعلق الأمر باللاجئين القادمين من أوكرانيا.
أما ناخبو حزبي "PVDA" و"خرون" كانوا أكثر إيجابية بشأن استقبال اللاجئين من ناخبي أحزاب "Vooruit" و"CD & V" و"Open VLD"
ويقول باتريك لوبويك إن الناس يفضلون دعم مبادرة الاستقبال في بلديتهم على استقبال اللاجئين بأنفسهم "عندها ستبقى مشكلة اللاجئين على مسافة معينة ولن تحصل عليها في منزلك"، مشيراً إلى أنه "حتى الآن لم يتضح بعد أيضاً إلى متى ستستمر أزمة اللاجئين".
رغم ارتفاع وتيرة الخطاب الشعبوي وتنامي التيارات اليمينية في أوروبا، خلال السنوات الأخيرة، يفضل اللاجئون السوريين الوصول إلى أوروبا، نظراً لحصولهم على حق اللجوء وفقاً للقانون الدولي الإنساني أكثر من دول أخرى لجؤوا إليها.
يشار إلى عدداً من اللاجئين السوريين في بلجيكا حصلوا على الإقامة في حين ينتظر آخرون الحصول عليها بعد استيفاء الشروط اللازمة.