أخذ معتصم جاسم يقرص نفسه حتى يصدق أنه في الواقع وليس في الحلم، وذلك عندما رأى والدته "وجيهة" شخصياً ولأول مرة بعد خمس سنوات من الفراق، وبعد أن حط الرحال بكندا في الـ29 من تشرين الأول الماضي.
عانق هذا الشاب البالغ من العمر 29 عاماً أمه بشده بعدما التمّ شمله بها عقب سنوات من العيش في مدينة لبنانية صغيرة برفقه شقيقته وابن أخيه بعدما فروا من بلدهم سوريا بسبب الحرب الدائرة فيها.
وحول ذلك يعلق جاسم بالقول: "إن وجودي هنا يشعرني بإحساس رائع، لاسيما بعد لم شملي بأمي عقب سنوات خمس من الوحدة عشتها في لبنان، لأنك لن تصدق أنك ترى أهلك من جديد بعد كل تلك السنين، بل إن عينيك لن تصدقا ذلك، ولهذا أحس بسعادة غامرة".
يخبرنا جاسم بأنه يحس بالامتنان لأنه حصل على فرصة يمكنه من خلالها بدء حياته من جديد مع رعاية أمه التي بقيت تعيش وحدها دون أسرتها في أونتاريو طوال ثماني سنوات تقريباً.
تقدمت كنيسة St. Aidan's الإنجيلية بطلب لإحضار جاسم إلى كندا قبل أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن التأخر في تسجيل الطلبات بسبب تفشي جائحة كوفيد-19 أخّر من وصوله إلى كندا، بحسب ما ذكره غبطة الأب كانون كيفين جورج راعي تلك الكنيسة.
سعى جورج جاهداً للم شمل أسرة جاسم بعدما التقى بوجيهة عبر صديق مشترك قبل بضع سنوات، إذ كان من الصعب عليه أن يراها وهي مفطورة الفؤاد بسبب بعد أولادها عنها حسبما ذكر لنا، وأضاف: "من أكبر المشكلات العالمية التي نعرفها هي وجود أشخاص نزحوا من بيوتهم، لذا ينبغي علينا أن نفعل ما بوسعنا لمساعدتهم على لم شملهم بعائلاتهم وأسرهم".
بحسب ما أوردته الأمم المتحدة، فإن سوريا تمثل إحدى أكبر الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، بوجود 5.6 ملايين لاجئ وطالب لجوء سوري في دول الجوار. ولهذا، وخلال أول شهرين من عام 2022، استقبلت كندا أكثر من 3800 لاجئ سوري.
رحلة صعبة من أجل الاستقرار
لم تكن السنوات الماضية سهلة على جاسم، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة الناجمة عن التضخم في لبنان وفقاً لما ذكره، كما أنه بات قلقاً على مصير شقيقته وابن أخيه اليافع بما أنهما أصبحا يعيشان بمفردهما هناك بعد رحيله.
على الرغم من أنه الأصغر بين أشقائه الستة، إلا أنه أخبرنا بأنه كبر بسرعة وأصبح معيلاً لأسرته عقب وفاة والده فجأة عندما كان هو في بداية شبابه، ما دفعه للحصول على عمل في عدة مطاعم، ولهذا لم يتابع دراسته.
يخبرنا جاسم بأنه يفتقد الحياة المستقرة التي كان يعيشها في بلده سوريا قبل الحرب التي غيرت مسار حياته وحياة أهله، إذ يقول: "عندما تعيش في بلدك بين ناسك وأهلك، وتذهب إلى العمل كل يوم ثم تتسكع في المقاهي برفقة أصحابك، كل ذلك كان من أجمل الأمور التي كنا نعيشها في سوريا".
أما وجيهة التي حصلت على الجنسية الكندية منذ مدة قريبة، فتخبرنا بأنها شعرت بأن قلبها قد توقف عن الخفقان عند لقائها بابنها في مطار تورنتو، إذ كان من عادتها أن تزور لبنان بين الفينة والأخرى لترى أسرتها، إلا أن كل ذلك قد توقف بسبب قيود السفر بسبب تفشي الجائحة، ما جعل من الاتصالات الهاتفية والمرئية الوسيلة الوحيدة المتبقية للتواصل، وتضيف: "يصعب علي ألا أرى أولادي، إلا أن قلبي دائماً معهم".
واليوم، تخطط هذه السيدة لمساعدة ابنها على الاستقرار في كندا والعثور على وظيفة، كما يتمنى كل منهما أن يتمكنا من لم شمل بقية أفراد الأسرة قريباً.
هذا وستقوم الكنيسة بتفقد أحوالهما ومساعدتهما قدر استطاعتها بحسب ما ذكره جورج، وأضاف بأنه صار يحس بأن جاسم ووجيهة باتا من أقاربه وأهله، حيث يقول: "في بعض الأحيان نسيء الظن عندما نفكر بأن من يأتون إلى بلدنا سيأخذون من الكنديين، في حين أن الواقع عكس ذلك، لأن كل شخص نأتي به إلى هنا يكمل حياتنا.. واليوم نرى شاباً في أحضان أمه وهما يتعانقان ويقبل أحدهما الآخر، دون أن نفهم معنى تلك الصورة في أعماقنا، إلا أن هذه الصورة تمثل الإنسانية في أسمى معانيها".
المصدر: CBC