في مقدّمات الثورة السورية 12
بعد تولي بشار الأسد سدّة الحكم في سورية، وبعد خطاب القسم الذي أداه في تموز 2000، بدأ محامون وسياسيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان بتشكيل جمعيات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان ورفض أي شكل من أشكال التعدي على هذه الحقوق. وقد حاولت معظم هذه الجمعيات تقديم طلبات للترخيص، إلا أن هذه الطلبات رفضت جميعا.
وقد أعادت لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان تأسيس المنظمة في الداخل. وفي 15/9/2000، تم الإعلان عن إعادة التأسيس ليكون أول خطوة علنية في سوريا منذ سنوات طوال. وقد تم في الاجتماع تأسيس مجلس أمناء جديد من ثلاثة عشر عضواً، بينهم سيدة واحدة، وانتخب مجلس الأمناء أكثم نعيسة رئيسا للمجلس، كما انتخب مكتب أمناء لإدارة العمل اليومي، وتألف المكتب من أكثم نعيسة، حسيبة عبد الرحمن، حازم نهار، أحمد درويش، جديع نوفل، وغياث نعيسة.
مع إعادة تشكيل اللجان، بدأت مرحلة جديدة من العمل العلني في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سورية. وبدأت اللجان تصدر بيانات وترصد الخروقات، وتوجت سنتها الأولى بإصدار تقريرها السنوي الأول، من 34 صفحة، في العام 2001 عن "الحريات العامة وانتهاكات حقوق الإنسان في العام 2000 والانفراجات في العام ذاته والمنفيين الطوعيين والجولان والانتفاضة الفلسطينية.
بيد أن المنظمة الحقوقية الأولى سرعان ما عانت من خلافات داخلية أدت إلى انقسام بين تيارين رئيسيين احتفظا بنفس الاسم، الأول برئاسة أكثم نعيسة؛ والثاني برئاسة دانيال سعّود.
جمعية حقوق الإنسان في سورية
ومن أوائل هذه الجمعيات التي تأسست في العهد الجديد "جمعية حقوق الإنسان في سورية"، التي أنشئت في تموز عام 2001، من قبل مجموعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام، بينهم هيثم المالح وأنور البني وسليم خير بيك وأحمد فايز الفواز وجهاد مسوتي وأكرم البني، وحبيب عيسى ومحمد نجاتي طيارة وجاد الكريم الجباعي ووليد البني. وانتخبت الجمعية رئيسا لها المحامي هيثم المالح، الذي كان عضوا نشطا في نقابة المحامين نهاية السبعينات واعتقل لمدة سبع سنوات في فترة الثمانينات.
وحاول المؤسسون الحصول على ترخيص للجمعية فقدموا الطلبات الرسمية إلى السلطة المعنية وهي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث "تم رفض قيد الطلب في الديوان،” فلجأ المؤسسون إلى حيلة قانونية هي إرسال الطلب بواسطة البريد المسجل، حيث اضطر موظفو الوزارة إلى استلامه. وجاء الردّ برفض تسجيل الجمعية بعد 63 يوما، مما يعني "أن الرد تجاوز المهلة القانونية، وهي ستون يوما من تاريخ استلام الطلب. وقابل بعض المؤسسين وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك غادة الجابي، التي كانت قد وعدت بالمساعدة في الترخيص، ولكنها أصرّت تحت ضغط الأجهزة الأمنية على موقف الرفض، فرفع المؤسسون دعوى قضائية ضد الوزارة ادعوا فيها أن قرار الوزارة غير قانوني لأنه تجاوز المدة القانونية، ووفقا للقانون فإن القرار معدوم، لأن الجمعية تصبح مرخصة قانونا في حال عدم الرد بالرفض خلال ستين يوما.
وبينما لا تزال القضية بين أخذ ورد، كانت الجمعية تنشط بشكل ملحوظ، فكانت ترصد الانتهاكات وتصدر البيانات وتشارك في الاعتصامات، وتصدر تقارير سنوية حول واقع حقوق الإنسان في سورية. وتحول مكتب المحامي هيثم المالح، وسط العاصمة دمشق، إلى ورشة عمل حقيقية وإلى مركز إعلامي لقضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني. وكان من المألوف أن تجد مراسلي الصحف وكاميرات التلفزيونات تتناكب في المكتب عند الإعلان عن تصريح صحفي أو مقابلة مع بعض الناشطين الرئيسيين في هذين المجالين.
وعلى عكس تجربة اللجان، فقد أسست الجمعية لعلاقات جديدة في الحياة الداخلية للمنظمات الحقوقية السورية
وعلى عكس تجربة اللجان، فقد أسست الجمعية لعلاقات جديدة في الحياة الداخلية للمنظمات الحقوقية السورية. ففي عام 2004، اجتمعت الهيئة العامة للجمعية بحضور أكثر من سبعين عضوا، بينهم 57 عضوا يحق لهم التصويت والترشيح، حيث تم طرح كامل المشاكل التي تعاني منها الجمعية، ثم انتخبت مجلسا جديدا للإدارة من أحد عشر عضوا. ولم يرشح الرئيس السابق هيثم المالح ولا نائبه نفسه لأن النظام الداخلي يحظر عليه ذلك، فانتخب أحمد فايز الفواز خلفا له في رئاسة الجمعية. كما انتخب كل من محمد نجاتي طيارة نائبا للرئيس، بهاء الدين ركاض أمينا للسر، عفراء هدبة خازنة، وانتخب نجيب ددم وسليمان الكردي وعبد الله الخليل وعلي الشريف وعلي المحمد وسعاد خبية ومروان الخطيب أعضاء.
ولسوف تشهد السنوات التي تلت أن نشاط الجمعية لم يكن على نفس المستوى، ولكن ذلك لا يعود بالضرورة إلى الدور الذي كان يلعبه هيثم المالح فحسب، ولكن إلى تردي الأوضاع الأمنية في البلاد، وخاصة بعد اعتقالات 2006 و2007، وهو ما جعل نشاط الجمعية يتراجع بشكل ملحوظ. وقد منعت أجهزة الأمن في حلب في أيار/مايو 2008 أعضاء من جمعية حقوق الإنسان في سورية من الاجتماع في منزل عضو مجلس الإدارة الأستاذ المحامي نجيب ددم. وقد حضر إلى المنزل عدد من عناصر الأمن وطلبوا من صاحبه عدم عقد أي لقاء في منزله أو مكتبه، واستكتبوه تعهداً خطياً بذلك. وقد رابطت العناصر حول المكان أكثر من ساعة.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان
تأسست المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية كامتداد للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة. وغلب عليها التوجه القومي الناصري. وكان من مؤسسيها محمد رعدون، الذي ترأس المنظمة في بداية تأسيسها حتى اعتقاله في العام 2005، وراسم الأتاسي، الرئيس الحالي للجمعية، وآخرون، من بينهم الناشط المعروف عمار قربي، الذي كان لفترة من الزمن الصوت الأبرز في المنظمة.
وتُعرِّف المنظمة العربية نفسها بأنها منظمة أهلية للدفاع عن حقوق الإنسان ليست بذات ارتباط خارجي أو منظمة دولية أخرى وذات تمويل ذاتي . علاقتها مع منظمات حقوق الإنسان الأخرى علاقة أدبية قائمة على التعاون والتنسيق من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وتؤكد على أهمية العمل المؤسساتي داخلها وفي علاقتها مع المنظمات الأخرى. وهي عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة. أعلن عن تأسيسها في منتصف شباط 2004، وليس لها أهداف سياسية أو حزبية أو دينية وتنحصر أهدافها بكل ما هو حقوقي وإنساني. وتؤكد الجمعية على استقلالها التام عن أية سلطة سياسية أو حزبية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المعنية، خاصة العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان السياسية والمدنية وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالتعاون مع كافة الهيئات النشطة في مجال حقوق الإنسان ولا سيما المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة.
وحدّدت المنظّمة أهدافها بمساعدة المواطن السوري الذي يتعرض لأي إجراء غير مشروع أو معاملة قاسية أو اعتداء على حريته أو يوقف دون مذكرة توقيف قانونية وتوكيل محامين للدفاع عن معتقلي الرأي والموقوفين وكافة المواطنين الذين تتعرض أي من حقوقهم الإنسانية للانتهاك خلافاً للقانون، ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع.
ونشطت المنظمة العربية منذ تأسيسها ولغاية اعتقال رئيسها محمد رعدون بنشاط ملفت. ولكن حملة الاعتقال من جانب، وازدياد الضغوط الأمنية من جانب آخر، وانفصال بعض مؤسسي الجمعية عن المنظمة وتشكيلهم منظمة أخرى، كل ذلك أدى إلى خفوت صوت المنظمة العربية في مجال الإعلام على الأقل. وكان آخر نشاط إعلامي لها هو مطالبتها بتشكيل لجنة مستقلة للكشف عن ملابسات أحداث سجن صيدنايا العسكري، شمال دمشق، حيث جرى تمرد داخل السجن أوقع ضحايا كبيرة في الجانبين في عام 2008.
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان
أسست المنظمة الوطنية بمبادرة من مجموعة من الحقوقيين السوريين أبرزهم عمار قربي الذي غادر صفوف المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية لأنه "بعد تجربة بسيطة في هذه المنظمات عانينا من مشكلة الإيديولوجية ومشكلة السياسة وتدخلها في العمل الحقوقي، فحاولنا أن ننشئ المنظمة الوطنية وكان لدينا هاجس أن لا تدخل السياسة في العمل الحقوقي، لذلك وضعنا شرطا في النظام الداخلي لمنظمتنا هو أنه يجب أن يكون أعضاء المنظمة الوطنية غير منتسبين إلى أحزاب سياسية سواء كانت أحزابا معارضة أو موالية."
وتعرّف المنظمة نفسها بأنها منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة وتعزيزها في سوريا، ليس لها أهداف سياسية أو حزبية أو دينية وتنحصر أهدافها بكل ما هو حقوقي وإنساني، وتؤكد المنظمة على استقلالها التام عن أية مرجعية سياسية أو حزبية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها المنصوص عليها في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بكل مواثيقها بالتعاون مع كافة الهيئات النشطة في مجال حقوق الإنسان. وهي عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان "القاهرة" وعضو التحالف الجنائي العربي ومن بين الأعضاء المؤسسين، إبراهيم عيسى، خليل معتوق (الذي استقال بعد فترة قصيرة)، بهية مارديني، أحمد إبراهيم، رديف مصطفى (الذي ترأس بعد ذلك منظمة حقوقية كردية)، عبد الرحيم غمازة، جيهان أمين، وحبيب عيسى. وانضم لاحقا الصحفي محمد غانم والمحامية مجدولين حسن. ويبلغ عدد أعضاء المنظمة المؤسسين 73 عضوا، أشهرت أسماؤهم جميعا.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية)
تأسست المنظمة السورية لحقوق الإنسان في عام 2004. وكان لافتا منذ تأسيسها أسماء المؤسسين، حيث كان بينهم أساتذة ومفكرون يتمتعون باحترام كبير من قبل السوريين عموما، منهم المفكر صادق جلال العظم (الرئيس الفخري للمنظمة) وطيب تيزيني ومحمد شحرور وعاصم العظم والمحامي مهند الحسني. وتتمتع المنظمة بحس قانوني عال، نظرا لتمكن رئيس مجلس إدارتها مهند الحسني من القضايا القانونية النظرية. على أن الخلافات الداخلية بين أعضائها بدأت قبل أن يجف حبر التوقيع على إعلان التأسيس. فاستقالت أولا رهاب البيطار بسبب انتمائها لحزب سياسي، ومن ثم نشأ خلاف بين رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمنظمة عبد الكريم الريحاوي، انتهى إلى خروج الريحاوي من المنظمة وتشكيله لمنظمة أخرى حملت نفس الاسم لوهلة قبل تحولها إلى الرابطة السورية لحقوق الإنسان.
المركز السوري للدراسات القانونية
أسّس المركز السوري للدراسات القانونية المحامي أنور البني والمحامي المختفي قسرا الآن خليل معتوق مع عدد من المحامين والناشطين الآخرين. ويعمل على نشر دراسات قانونية نظرية، وصياغة مفاهيم قانونية جديدة، ومشاريع قوانين، يقدمها إلى هيئات المجتمع المدني، بهدف مناقشتها قبل تقديمها إلى الجهات الرسمية لأخذها بعين الاعتبار ودراستها، وإقرارها إذا ما ارتأت ذلك. ولا يزال المركز ناشطا الآن في مجال تقديم كبار المرتكبين من النظام السوري للعدالة.
المرصد السوري لحقوق الإنسان
وهو من أنشط المؤسسات الحقوقية والإعلامية، مقره لندن. مؤسس المرصد ومديره هو رامي عبد الرحمن.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
وهي جماعة حقوقية قريبة من جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، مقرها في لندن، ويرأسها وليد سفور. تعرف اللجنة نفسها بما يلي: " هيئة حقوقية إنسانية مستقلة ومحايدة، تعنى أساساً بالدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان السوري من خلال وسائل عديدة تتضمن كشف الانتهاكات والتعديات على حقوق الإنسان السوري والحريات الأساسية في سورية، إجراء الأبحاث ونشر الكتب والدراسات المتعلقة بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وإصدار التقارير بأنواعها والقيام بالحملات الإنسانية وعقد الندوات والمقابلات للتعريف بقضايا حقوق الإنسان في سورية.
منظمات حقوقية كردية
إلى جانب المنظمات المذكورة، ثمة منظمات حقوقية كردية، تركز عل حقوق الأكراد إضافة إلى حقوق الإنسان بشكل عام. من هذه المنظمات:
اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا التي تأسست في عام 2006، وقادها المحامي رديف مصطفى، وتعتبر من أكثر المنظمات الكردية انفتاحا على الأطياف الأخرى في الواقع السوري.
لجنة حقوق الإنسان الكردي في سوريا (ماف) التي تأسست في العام 1996، ولكنها لم تنشط قبل الألفية الجديدة. وتعني كلمة ماف "الحق" باللغة الكردية. وهي تسعى إلى "ترسيخ واقع إنساني حر، تصان فيه الحريات والكرامة الإنسانية، بعيدا عن الأفكار العنصرية والفردية الأنانية، وانطلاقا من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وللإدراك العالمي العام بهذه الحقوق والحريات.
المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة (DAD)، التي تعمل "على ترسيخ شعور المواطن الكردي بكرامته وتحقيق المساواة الفعلية بينه وبين بقية المواطنين السوريين وتعزيز النضال من أجل الحريات العامة والديمقراطية.
مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، وهو مؤسسة بحثية أنشئت عام 2005، وتهدف إلى تعزيز واحترام قيم ومبادئ حقوق الإنسان في سورية، من خلال جملة من البرامج، منها برنامج تعليم حقوق الإنسان وبرنامج تعزيز دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية في سورية. أسس المركز رضوان زيادة.
لقد اثبت الجيل الثاني من عائلة الأسد الحاكمة في سوريا منذ خمسة عقود أنه أشدّ ضراوة وعداوة لحقوق الإنسان من الجيل الأول. وبينما كان ضحايا الأسد الأب وأخيه تعدّ بعشرات الألوف، بات عدد ضحايا الأسد الابن ومؤيديه يعدّون بالملايين، قتلا وتعذيبا وسجنا وتهجيرا وجوعا.