خالف الرئيس رجب طيب أردوغان استطلاعات الرأي وألحق الهزيمة بمنافسه مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو في الجولة الأولى في 14 من أيار (مايو) من خلال تقدمه بنسبة 49.5٪ إلى 45٪، ثم تبع ذلك بفوزه بنسبة 52٪ -48٪ في الجولة الثانية. بالإضافة إلى فوز تحاف الجمهور الذي يرأسه بأغلبية مقاعد البرلمان.
لقد ثبت خطأ أولئك الذين توقعوا نهاية مسيرة أردوغان السياسية. عقله السياسي وحماسته الانتخابية جعلته أكثر السياسيين المهيمنين في تركيا منذ مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. وأصبح الرجل البالغ من العمر 69 عامًا الآن رئيسًا لتركيا لمدة خمس سنوات أخرى.
كانت أغلب دول الغرب تتحضر لهزيمة أردوغان وهو خطأ استراتيجي لم يأخذ في الحسبان مزاج الناخبين الأتراك في أعماق الأناضول حيث تنتصر القومية على الاقتصاد والزلزال وكل العوامل الأخرى.
في النهاية، فعلها رجب طيب أردوغان مرة أخرى، رغم كل المصاعب الاقتصادية والسياسية واتفاق كل أطياف المعارضة ضده، واحتفظ بشكل مريح بالرئاسة التركية مخالفا كل التوقعات.
الرئيس الذي يعرف جيدًا كيف يستفيد من مكانة تركيا كعضو رئيسي في الناتو مع ثاني أكبر جيش في التحالف العسكري الأهم في العالم، بالإضافة إلى تمتعه بحق النقض على قرارات الناتو، والسيطرة على ممرات الدخول إلى البحر الأسود الاستراتيجي. وكل ذلك مع ممارسة استقلال حقيقي في السياسة الخارجية، من غرب آسيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، قد يبدو الفوز في الانتخابات الجزء السهل، عندما يواجه أردوغان تحديين واضحين ومرتبطين:
أولاً: تلوح أزمة في الأفق في العلاقات بين تركيا والناتو حول قرار أردوغان وقف محاولة السويد للانضمام إلى الحلف. مع تركيز بقية أعضاء حلف الناتو بشدة على ضمان فوز أوكرانيا في حربها مع روسيا، يُنظر إلى هذه التكتيكات التركية على أنها غير مفيدة، أو حتى داعمة لأجندة الكرملين.
تعتبر العضوية السويدية لحظة استراتيجية ورمزية هامة لحلف الناتو وبالتالي إن منع تركيا توسع الناتو من خلال رفض انضمام السويد من شأنه أن يعمق التساؤلات حول ملاءمة تركيا وموثوقيتها كعضو
تفهم حلفاء تركيا في الناتو رغبة أردوغان في استخدام هذه القضية انتخابيا من خلال الادعاء من أن السويد فشلت في معالجة المخاوف التركية بشأن الجماعات الكردية العاملة داخل البلاد باعتبار أن هذه القضية تشكل حافزا انتخابيا لكسب الأصوات القومية وهو ما جرى فعلا. لكن مع تلاشي الغبار السياسي بعد التصويت في تركيا، يتوقع حلفاء الناتو الآن توقيع تركيا قبل قمة الحلف القادمة في يوليو/ تموز.
تعتبر العضوية السويدية لحظة استراتيجية ورمزية مهمة لحلف الناتو وبالتالي إن منع تركيا توسع الناتو من خلال رفض انضمام السويد من شأنه أن يعمق التساؤلات حول ملاءمة تركيا وموثوقيتها كعضو. قد تشير المكالمة في 29 من مايو/ أيار بين أردوغان والرئيس جو بايدن والتي تركز على ما يبدو على المقايضة بين إمداد الولايات المتحدة لتركيا بطائرات إف 16 مقابل موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو إلى حل وسط محتمل، رغم أن زيادة أمين حلف شمال الأطلسي لتركيا لحضور مراسم تنصيب أردوغان لم تحدث اختراقا إيجابيا في هذه القضية.
ثانياً: التحديات الاقتصادية تتزايد في الداخل. واجهت تركيا، على مدى العقد الماضي على الأقل - تحت حكم أردوغان - مشكلة دائمة في ميزان المدفوعات حيث سمح للاقتصاد بالنمو من خلال زيادة الانفاق الاستهلاكي والإنفاق الحكومي، وعجز كبير في التجارة الخارجية والحساب الجاري للبلاد، وضغوط بيعية على الليرة نتيجة لذلك.
زاد حجم الديون القصيرة الأجل (أكثر من 180 مليار دولار) من الضغط الهبوطي على العملة. تشير قواعد الاقتصاد الكلاسيكي إلى ضرورة تطبيق المكابح على مفاصل الاقتصاد من خلال أسعار فائدة أعلى وسياسة مالية أكثر تشدداً. لكن يبدو أن أردوغان لديه رفض دائم لأسعار الفائدة المرتفعة ونظرية غريبة تعاكس الفكر الاقتصادي التقليدي. وقد ترك لهذا أسعار الفائدة الاسمية منخفضة جداً وسلبية جداً من حيث القيمة الحقيقية.
في مواجهة فجوة تمويل خارجية كبيرة (تزيد على 230 مليار دولار)، فإن الخيارات محدودة إما السماح للعملة بالانخفاض أكثر أو استخدام احتياطيات محدودة من الذهب بعد تآكل الاحتياطي النقدي لسد الفجوة واستخدام مجموعة متنوعة من ضوابط رأس المال القاسية للحد من ارتفاع الطلب على الدولار. كان تخفيض قيمة العملة الأداة الرئيسية لتصحيح عدم التوازن خلال معظم العقد الماضي، ولكن على حساب التضخم المرتفع فقد وصل إلى أكثر من 80٪ في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
في الفترة التي سبقت الانتخابات، وإدراكًا لعدم شعبية التضخم المرتفع وانخفاض قيمة العملة، كان البنك المركزي يحرق الاحتياطيات الشحيحة للدفاع عن الليرة. تبدو احتياطيات البنك المركزي الآن قريبة من المستويات الحرجة، مما يعني الآن أن على أردوغان أن يختار مرة أخرى بين رفع أسعار الفائدة أو تخفيض قيمة العملة أو زيادة تشديد ضوابط رأس المال. كما يمكن أن يذهب إلى صندوق النقد الدولي (IMF)، لكن هذا من المحتمل أن يضعف صورته المزروعة بشدة كرجل قوي يقود تركيا قوية ومستقلة.
قد يؤدي عدم الاتفاق مع الحلفاء على عضوية السويد في الناتو إلى المخاطرة بحدوث عاصفة جيوسياسية في وقت يتجه فيه الاقتصاد التركي بالفعل إلى أزمة بسبب تدهور ميزان المدفوعات.
قد يكون الوضع الاقتصادي أحد الاسباب التي قد تدفع أردوغان في النهاية إلى الموافقة على عضوية السويد في حلف الناتو، واستعادة بعض الانسجام مع حلفائه الساخطين وبالتالي إزالة مصدر واحد على الأقل من مخاوف الأسواق، كما قد يخفف من الشكوك الغربية حول تسامح تركي كبير مع خرق للعقوبات الغربية لمساعدة روسيا نتيجة لذلك، قد تتحرر قنوات التمويل الغربية، مما يؤمن تدفقات رأس المال التي تشتد الحاجة إليها للمساعدة في دعم الليرة.
قال محمد شيمشك في أول كلماته بعد تسلم منصبه بأنه لاحل لتركيا سوى العودة إلى الأساس العقلاني في الاقتصاد
وبالتالي قد يساعد انضمام السويد إلى الناتو، لكنه لن يكون كافيًا ويبدو من المرجح أن يحتاج أردوغان أيضًا إلى تقديم تنازلات بشأن السياسة الاقتصادية. ربما يفسر ذلك تعيين الاقتصادي الليبرالي محمد شمشيك وزيرا للخزانة والمالية.
خدم شيمشك في حكومة أردوغان السابقة، وبصفته خبيرًا اقتصاديًا محترفا يحظى باحترام الأسواق. فإن موافقته على العودة ستأتي على الأرجح على حساب التشديد المالي والنقدي كدواء لتحقيق الاستقرار في ميزان المدفوعات، واستقرار الليرة والمساعدة في تخفيف الضغوط التضخمية.
قال محمد شيمشك في أول كلماته بعد تسلم منصبه بأنه لاحل لتركيا سوى العودة إلى الأساس العقلاني في الاقتصاد، وقد أكد على أولوية مواجهة التضم الأمر الذي يؤكد أنه سيتخذ إجراءات غير شعبية من فرض للضرائب وتقييد للائتمان وتقليص للوردات وتقييد زيادات الحد الأدنى للأجور، فهل سيستطيع تنفيذ خطته بشكل كامل على الرغم من الألم الاقتصادي الذي ستسببه للشعب وقطاع الأعمال، أم أن الانتخابات البلدية المرتقبة في الربيع القادم ستمنع ذلك؟