مع جواز سفر يحتل ثالث أدنى مرتبة في العالم لم يكن اللجوء بالنسبة للسوريين طلباً يقدم على مكاتب السفارات والقنصليات، فلطالما صارع طالبو اللجوء رحلات موت يسجل المنتصرون عليها كلاجئين ويضاف المغلوبون فيها إلى أرقام ضحايا الهجرة غير الشرعية.
وعلى اعتبارها من المحطات الأكثر أماناً والأسهل وصولاً، فقد حظيت تركيا بالنصيب الأكبر من أعداد اللاجئين السوريين حول العالم وسجلت ضمن أراضيها اليوم ما يقارب الـ 3.7 مليون سوري تحت الحماية المؤقتة.
لا تكفي كلمة "مؤقتة" لوصف طبيعة اللجوء التي حظي بها السوريون في تركيا فهي حماية "مشروطة" تفرض على حامليها قيوداً في الإقامة وتكبل حريتهم في التنقل الداخلي، من خلال قوانين لا تسمح لهم بالتجوال حتى ضمن البلد نفسه، وتجاوزها قد يعرضهم للاستغلال أو الترحيل، والامتثال لها يحكم عليهم بالعزلة الاجتماعية ومحدودية الموارد.
وحيدة في العيد
"استسلمت لقضاء العطل الرسمية والأعياد وحيدة في قونيا، فعلى خلافي يذهب جميع أصدقائي الأتراك والسوريون المجنسون لقضاء عطلهم مع الأهل من دون شروط أو قيود، في حين أنني أنتظر إذن السفر الذي يُرفض غالباً ويتأخر أحياناً في كل مرة أحاول فيها زيارة أهلي في إسطنبول". هكذا تروي جود معاناتها مع نظام إذن السفر لموقع تلفزيون سوريا.
جود فتاة سورية في عامها العشرين أقامت مع عائلتها في إسطنبول قبل أن تضطر إلى الانتقال لإتمام تعليمها في جامعة سلجوق في مدينة قونيا.
وتقول جود لموقع تلفزيون سوريا، إن المتحكم الأول بقرار زيارتها لأهلها هو إذن السفر الذي تحتاج إليه كسورية للتنقل الداخلي، فطلبها للحصول عليه يرفض غالباً، ويقبل نادراً لكن مع اشتراط تواريخ ذهاب وإياب مخالفة للتواريخ التي حددتها في الطلب، وتقول جود إن التواريخ المفروضة عليها في أذونات السفر المقبولة تتعارض غالباً مع جداول مواعيدها وإجازاتها ما يضطرها إلى العزوف عن فكرة السفر من الأساس.
وتفرض الحكومة التركية على السوريين تحت الحماية المؤقتة التقدم للحصول على تصريح رسمي للسفر من الولاية التركية التي يقيمون فيها إلى ولاية تركية أخرى، وبعد تحديد دواعي السفر في الطلب يمكن لهذا التصريح أن يرفض أو يقبل، ويتضمن إذن السفر اسم المدينة الوجهة بالإضافة إلى مدة السفر المسموحة للذهاب والعودة.
في حديثها لموقع تلفزيون سوريا تقول المعالجة النفسية في وزارة العدل التركية ستناي كوتش، إن إذن السفر كتقييد يمارس على فئة معينة دون أخرى سيخلق عند هذه الفئة شعوراً بالتمييز ضدهم، وتضيف على اعتبار أن الإجازات والعطلات تسمح للإنسان بالحفاظ على علاقته بثقافته ومجتمعه فليس من الجيد أن يكون وحده خلال هذه الفترات، وفي حالات مماثلة لجود تضعها هذه الممارسة أمام الاختيار بين الصحة النفسية والتعليم، لذلك تنصح كوتش باتخاذ إجراءات استثنائية وتقول: "حتى لو كانت هذه القيود والقواعد تسند إلى منطق معين، من الأفضل تقديم حل مختلف على الأقل لطلاب الجامعات الذين يعيشون بمعزل عن عائلاتهم".
سماسرة في الكراج ورحلات من دون تصاريح سفر رغم التحذيرات
مع الحاجة الملحة للسفر وتعذر الحصول على الإذن يضطر بعض السوريين إلى السفر من دون الحصول عليه ما يعرضهم للاستغلال والابتزاز، فتقول جود إن بعض شركات النقل الداخلي تعرض على السوريين الذين لم يستطيعوا الحصول على إذن سفر أن تنقلهم بين المدن التركية برحلات ذات مسار خاص من خلال سلك طرق فرعية لا تعترضها دوريات التفتيش، وعادة ما تتم الصفقة عن طريق سمسار سوري يتجول في الكراج ويرصد السوريين هناك ويعرض عليهم هذه الخدمة مقابل مبلغ إضافي على سعر التذكرة الأساسي.
ولا تتوقف عواقب قرار التنقل بين المحافظات التركية دمن ون الإذن على التعرض للاستغلال فحسب فقد تصل إلى الترحيل أحياناً كما حصل مع أحمد بحسب رواية خطيبته نور. وتروي نور لموقع تلفزيون سوريا قصة خطبتها التي لم يكتب لها الاستمرار بعد ترحيل خطيبها وذلك بسبب محاولته السفر من ولاية مرسين المسجل بها إلى ولاية إسطنبول لدواع علاجية. تقول نور إن خطيبها اتخذ قرار السفر بعد رفض طلبه بالحصول على إذن سفر إلى إسطنبول مراراً، وفي أثناء طريقه إلى إسطنبول أوقفته دوريات التفتيش ونقل إلى مراكز الترحيل ومنها إلى سوريا على الرغم من حمله لبطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) في مرسين.
في بيان لها على تويتر وتأكيداً على العمل بإجراء إذن السفر للسوريين أشارت المديرية العامة لإدارة الهجرة في الشهر السابع من عام 2019 أن السوريين الذين يرغبون في الذهاب من المحافظة التي تم تسجيلهم إلى مدينة أخرى مطالبون بالحصول على وثيقة إذن سفر .
— Göç İdaresi Başkanlığı (@Gocidaresi) July 18, 2019
وفي البيان الذي نشر تحت مسمى "تحذير هام" جاء الآتي "وفقًا للمادة 33 من نظام الحماية المؤقتة، يلزم السوريون في تركيا بالامتثال للقضايا التي تطلبها المديرية العامة لإدارة الهجرة أو إدارة الولايات وإن المواقف والسلوكيات المعاكسة لذلك ستشكل انتهاكًا لهذه الالتزامات التي تعد من متطلبات النظام العام".
وأضاف البيان: "إن الإخلال بالنظام العام هو أحد أسباب إلغاء الحماية المؤقتة وفقًا للمادة 8 من لائحة الحماية المؤقتة. وفي هذا السياق، إذا كنتم تريدون الذهاب من المدينة التي سجلتم فيها إلى مدينة أخرى، فأنتم ملزمون بالتقدم إلى مديرية إدارة الهجرة أو الوحدات التي تحددها إدارة الولايات والحصول على وثيقة إذن سفر وإلا فسيتم اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية ضدكم بما في ذلك إلغاء الحماية.
وجاء هذا البيان قبل أن تتوفر خدمة الطلب الإلكتروني لتصريح السفر من موقع "إي دولت- edevlet" الحكومي.
حرية التنقل حق إنساني يمكن تقييده في حالات الهجرة واللجوء
يعد حق تنقل الإنسان واختيار مكان إقامته حقاً أساسياً من حقوق الإنسان تنص عليه المادة 13 من الإعلان العالمي.
وفي حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول سليمان كورت نائب رئيس الجمعية الدولية لحقوق اللاجئين: "على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان له تأثير حاسم على المعايير الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإنه ليس ملزمًا للدول، وفي هذه الحالة يكون دستور جمهورية تركيا هو اللائحة الرئيسية التي يجب الاستناد عليها ومعالجتها حيث تنظم المادة 23 من دستور عام 1982 لجمهورية تركيا حرية الإقامة والسفر".
وتنص هذه المادة على أن "لكل فرد الحق في الاستقرار والسفر"، وهنا يشار بوضوح إلى أن الأفراد من ذوي الوضع الأجنبي لهم أيضًا الحق في الاستقرار والسفر داخل البلاد كما يقول كورت.
ويضيف أنه عندما يتعلق الأمر بالحد من هذا الحق، تدخل المادة 16 من الدستور حيز التنفيذ، فتنص المادة 16 المعنونة بـ "وضع الأجانب" على أن الحقوق والحريات الأساسية لهؤلاء الأشخاص لا يمكن تقييدها إلا بموجب القانون بما يتوافق مع القانون الدولي، في حين يوافق القانون الدولي على إمكانية تقييد حرية الاستقرار والسفر لأغراض تنظيم تنقل السكان وحماية النظام العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأفراد الذين يدخلون في نطاق الهجرة القسرية وطلب اللجوء.
ثغرة في النظام تمنع تنقل الأم مع أطفالها
تواجه زينة 32 عاماً المقيمة في إسطنبول مشكلة من نوع آخر فيما يتعلق بإذن السفر، فهي كأم لا تستطيع اصطحاب أطفالها حين تنوي زيارة أهلها في غازي عنتاب، فالنظام الإلكتروني لإذن السفر لا يسمح للأم باختيار أطفالها كمرافقين للسفر معها في حين يمكن النظام ذاته الأب من اختيار أطفاله وزوجته كمرافقين له. ونتيجة لذلك لا تستطيع المرأة السورية المقيمة في تركيا تحت الحماية المؤقتة أن تغادر مدينة إقامتها مع أطفالها من دون وجود الأب.
ويعزو كورت هذه المشكلة إلى ثغرة في نظام التقديم على إذن السفر بسبب عدم وجود قوانين تمنع تنقل الأطفال مع الأم ضمن المحافظات سواء في القانون أو في الإجراءات التنظيمية العامة التي وضعتها رئاسة إدارة الهجرة التركية موضع التنفيذ على حد قوله.
ويتوزع اللاجئون السوريون في مختلف المدن التركية، وتبلغ نسبة النساء والأطفال ما يقارب الـ 70 في المئة من إجمالي السوريين تحت الحماية المؤقتة، بحسب بيانات دائرة الهجرة.
وعلى اختلاف المشكلات المترتبة على إذن السفر ودرجة تأثيرها على حياة السوريين في تركيا تبقى حرية التنقل الداخلي حقاً أجمع عليه دولياً وتقييده يتطلب أسباباً أقل تعميماً من "الحفاظ على النظام العام".
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.