نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً تحدثت فيه عن الشركات الوهمية التي ينشئها النظام السوري بشكل منهجي للالتفاف على العقوبات الغربية.
وتثبت وثائق حصرية اطلعت عليها الصحيفة، بالتعاون مع "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السورية"، أن وزير الاقتصاد والتجارة الداخلية في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، "يتفاخر بأن التهرب من العقوبات المالية أصبح حرفة سورية".
وتوضح الوثائق ما لا يقل عن ثلاث شركات تم تأسيسها في سوريا في نفس اليوم، وذلك بغرض صريح وواضح يتمثل في العمل كشركات وهمية لشراء الأسهم وإدارة شركات أخرى، في حين تظهر الوثائق صلات واضحة بين مالكي الشركات الوهمية الجديدة، مع رئيس النظام، بشار الأسد، والنخبة الاقتصادية المقربة منه، بمن فيهم الأفراد الخاضعون للعقوبات الغربية.
ووفق "الغارديان" فإن "هيكلية ملكية الشركات في سوريا تزيد من التعقيد في فك تشابك الدور الذي تلعبه في تعزيز الموارد المالية للنظام، وتجعل من الصعب على القوى الأجنبية فرض عقوبات بشكل فعّال على الدائرة الداخلية للنظام".
وفي تشرين الأول الماضي، قال وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، إن "التهرب من العقوبات أصبح حرفة سورية"، داعياً المستثمرين الأجانب الراغبين في الانضمام إلى السوق بسبب العقوبات "لعدم الظهور بأسمائهم الحقيقية في السوق المحلية".
ما هي الشركات الوهمية ومن هم مالكوها؟
وعن الشركات الوهميّة، أشار التقرير إلى أن الشركات الثلاث التي أُسِّست في تشرين الأول من العام 2020، وهي شركة "Trappist"، وشركة "Generous"، وشركة "Super Brandy"، مملوكة على الأغلب لشخص مرتبط بالنظام السوري من خلال شبكة معقدة من الاتصالات.
أحد المالكين الثلاثة للشركات الوهمية الجديدة هو علي نجيب إبراهيم، وهو شريك في ملكية شركة "Tele Space"، وهي شركة مملوكة جزئياً لمجموعة "Wafa JSC"، والتي تم ترخيصها أوائل العام 2022، لتصبح ثالث مشغل اتصالات خلوية في البلاد.
كما أن يسار حسين إبراهيم، وهو أحد مالكي شركة "Wafa JSC"، هو مستشار بشار الأسد، ورئيس المكتب الاقتصادي والمالي لرئاسة النظام في سوريا، ويخضع للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أما الشخصيتان الأخريان اللتان تملكان الشركات الوهمية، فهما رنا أحمد خليل 20 عاماً، وريتا أحمد خليل 21 عاماً، وهما ابنتا أحمد خليل خليل، الذي يمتلك 50 % من شركة "Tele Space"، بالشراكة مع علي نجيب إبراهيم.
أحمد خليل خليل شريك أيضاً في ملكية شركة "Sanad" لخدمات الحماية والأمن، وهي شركة مسؤولة عن حماية شحنات الفوسفات الروسية من وسط سوريا إلى ميناء طرطوس.
والشريك الآخر في شركة "Sanad" هو ناصر ديب ديب، الشريك في ملكية شركة "Ella Services"، وهي شركة تخضع للعقوبات الأميركية مع خضر علي طاهر، المعروف بـ أبو علي خضر، رجل الأعمال البارز لنظام الأسد، والخاضع للعقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية لتمويله النظام، وتورطه في التهريب والتربح من تجارة المخدرات والكبتاغون في سوريا.
شبكات النظام تتفوق على أي تحديثات للحكومات الغربية
أكدت "الغارديان" أن "الشبكة الإجرامية التي يستخدمها النظام السوري للتهرب من العقوبات، وللحفاظ على استمرار عمل الاقتصاد غير المشروع في البلاد، تتفوق على أي تحديثات من قبل الحكومات الغربية".
وقال الباحث في برنامج "التطوير القانوني السوري" في لندن، إياد حامد، إنه "من المهم مواصلة تعقب الشركات الوهمية، لأنها جزء من تجميد الأصول وتجفيف الموارد التي يستخدمها نظام الأسد لانتهاك حقوق الإنسان في سوريا"، مضيفاً أن "عقوبات إدارة بايدن محدودة للغاية، وبطريقة ما، ليس لديهم الشهية التي كانت في الإدارة السابقة لفرض عقوبات على الأفراد في سوريا".
وأوضحت "الغارديان" أن الأمر نفسه ينطبق على حكومة المملكة المتحدة التي لم تعلن سوى جولة واحدة جديدة من العقوبات منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، والتي استهدفت مقربين من الأسد، بمن فيهم يسار حسين إبراهيم في العام 2021، ووزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في حين فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على علي نجيب إبراهيم وخضر علي طاهر.
من جانبها، قالت رئيسة قسم العقوبات العالمية في رابطة المتخصصين المعتمدين في مكافحة غسيل الأموال، جوستين والكر، إن "الحكومات لا يتعيّن عليها انتظار الشركات الوهمية لبدء شراء الأسهم أو نقل الأموال قبل فرض العقوبات عليها"، مشيرة إلى أن "جزءاً من العقوبات هو ضمان عدم استمرار الشركة في عملياتها، وعدم قدرتها على التأسيس في المقام الأول".
وأوضحت والكر أنه "إذا كان بالإمكان تخيّل عدد الشركات التي تم تأسيسها في سوريا، فهي خارج النطاق الترددي للحكومات، لذلك يلعب المتخصصون في التحقيق وموفرو العناية الواجبة دوراً حاسماً للغاية".
وقال المسؤول في وزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، إن "التطورات في سوريا تظل قيد المراجعة المستمرة"، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي "أظهر أنه يستجيب في قرار تجديد العقوبات و / أو تعديل قائمة الكيانات أو الأشخاص المستهدفين، بناء على التطورات على الأرض".
وأكد الباحث القانوني إياد حامد أنّ "هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار والتحقيقات والمصادر على الأرض لمواكبة التغييرات في مشهد الأعمال السوري؛ لأنه ليس بيئة مستقرة ، بل مستمر في التحول".