لم يكن رامي كسارة مجرد لاجئ عبر الحدود، وإنما كان حرفيا وفنانا يحمل في نفسه وبأنامله خلاصة روح وثقافة وطنه سوريا التي أراد إيصالها لمسكنه الجديد، مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، وكل مكان يمكن أن يصل إلى إليها في هذا العالم.
حرفة أب عن جد
في طفولته، في مدينة حلب شمالي سوريا، كان رامي يراقب والده وهو يعمل في ورشة نجارة، ومن هذه المشاهدة ولد في نفسه حب الخشب، والتعامل مع الخشب كأنه كائن حي مرن، يمكن صنع كل الأشكال منه. وبعد أن تعلم أساسيات حرفة النجارة عموماً، تخصص رامي كسارة في صناعة المفاتيح الخشبية، مفاتيح آلتي العود والقانون، وأضلاع العود.
يقول رامي لموقع تلفزيون سوريا: "ورثت هذه المهنة عن عائلتي، وبدأت أتعلمها حين كنت طفلا، وكنت أمضي أوقاتا طويلة في ورشة العائلة حيث تعلمت الكثير، وبعدها قضيت نحو 21 عاما وأنا أمارسها وأطور بها بحسب خبرتي".
مع تعرض مدينته حلب للقصف الهمجي بصواريخ النظام وبراميله المتفجرة، اضطر رامي وعائلته للجوء، وتنقل من مهجر إلى مهجر، بحثاً عن بيئة تشبه مسقط رأسه، حتى وجدها في غازي عنتاب، فاستقر بها وفتح ورشة صغيرة يمارس فيها حرفته وفنه المتعلقَين بالخشب.
يقول كسارة: "مفاتيح العود تصنع من قطع خشبية متينة، من خشب الأبانوس أو السيسم أو الجوز أو المشمش أو الزان. والمفاتيح هي الجزء الأهم من آلتي العود والقانون، فبها يتم ضبط الأوتار وفق موازين دقيقة للوصول إلى الأصوات والنغمات الخاصة بكل آلة، وهي عملية ليست بالسهلة، فعدد مفاتيج العود التركي 11، أما في العود العربي فيكون عددها 12. أما بالنسبة لمفاتيح القانون، فتصل إلى 78 مفتاحاً شديد التعقيد".
ويضيف رامي: "ريش (أضلاع) العود تعتبر جزءا أساسيا وحيويا لجسم العود، فهي تُصنع بعناية فائقة من الأخشاب الصلبة والقابلة للانحناء في الوقت نفسه، بهدف تأمين ارتاد الصوت، ومقاومة عوامل الزمن، وذلك لضمان استمرارية جودة العزف وصوت الآلة الصحيح من دون تآكل أو تغيير. والخشب الذي تصنع منه أضلاع العود، وعدا نوعيته المتميزة وجودته العالية، يجب أن يكون معتقا لمدة تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات على الأقل، والتعتيق يجعل صوت العود أكثر نعومة ودفئا".
تزيين التحف الخشبية
صناعة أهم وأدق أجزاء العود والقانون، تظهر حرفية رامي كسارة، أما فنه فيظهر في صناعة وتزيين التحف الخشبية، وهي صناعة يدوية بالكامل، وتتطلب مهارة وإتقانا وصبرا.
ويكشف رامي كسارة أسرار صناعة التحف الخشبية، فيقول: "يتم الأمر على عدة مراحل، بدءا من اختيار نوع الخشب المناسب للقطعة، ثم تجهيز الخشب، ثم تشكيله وفق الرسم المتخيل، ثم زخرفته وتطعيمه، ثم تشطيبه، وأخيرا، يتم إتمام العملية بتنعيم القطعة وتلميعها".
ويرجع رامي بذاكرته إلى أيام عمله في حلب، في منطقة صلاح الدين، حيث كان يتمتع بسمعة طيبة بفضل جودة عمله. يقول: "في تركيا نستخدم خشبا تركيا وأخشابا مستوردة،، من مختلف أرجاء العالم، وفي سوريا كنا نعتمد على خشب الجوز الشامي المعروف عالميا والذي يأتي من غوطة دمشق، وكنا نستورد الخشب من رومانيا وبلغاريا، لكن مع تفجر الأحداث، تراجع عملنا كثيرا، وانخفض استيراد الأخشاب بنحو 95 في المئة".
يعيش رامي كسارة في تركيا منذ سنيتن فقط، ولم يتقن اللغة التركية بعد، وهو يصنع قطعا بناء على الطلب، والطلب كان محدودا في البداية، لأنه لم يكن معروفا في تركيا، ومع مرور الوقت ازداد الطلب وانفتحت الأسواق المحلية أمامه.
ويختم الشاب رامي كسارة حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، قائلا "بالتأكيد أطمح لإتقان اللغة التركية وآمل في مستقبل يجلب الاستقرار". كما يسعى لتحقيق الاندماج بشكل أفضل في مجتمعه الجديد، ويتطلع لبناء حياة مستقرة ومليئة بالفرص.