icon
التغطية الحية

حراك السويداء والمصالحة و"الشبيحة" في اليوم الأول من مؤتمر الأبحاث حول سوريا

2024.09.01 | 21:54 دمشق

5757
المؤتمر السنوي للأبحاث حول سوريا (تلفزيون سوريا)
إسطنبول - أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

انطلقت صباح اليوم الأحد، أعمال الدورة الرابعة للمؤتمر السنوي للأبحاث حول سوريا، التي ينظّمها مركز حرمون للدراسات المعاصرة بالاشتراك مع مجلة قلمون "المجلة السورية للعلوم الإنسانية"، على مدار يومين متتاليين في مدينة إسطنبول.

وتشهد النسخة الحالية من المؤتمر مشاركة واسعة من الباحثين السوريين، حيث يقدم 22 باحثة وباحثاً خلال يومي 1 و2 من أيلول الجاري، أوراقاً علمية تغطي طيفاً واسعاً من القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تعنى بسوريا والمجتمع السوري.

ويهدف المؤتمر، الذي يعقد حضورياً ويبثّ عبر معرّفات مركز حرمون على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى توفير منصة حرة للباحثين السوريين للتعبير عن آرائهم ومناقشة أبحاثهم بحرية بعيداً عن القيود التي كانت مفروضة عليهم في بلدهم، وتعزيز التعاون بين الباحثين، وتأسيس شبكة علاقات تسهم في تبادل الخبرات والمعارف حول القضايا السورية.

الجلسة الأولى

انتفاضة السويداء:

وبعد كلمة افتتاحية ألقاها مدير مركز حرمون، سمير سعيفان، ترأس السياسي والكاتب التركي ياسين أقطاي أعمال الجلسة الأولى من المؤتمر، والتي اشتملت على 3 دراسات لباحثين وأكاديميين سوريين تمحورت حول "الثورة السورية بين الاستمرار والمصالحة".

استهل فايز القنطار الجلسة بدراسة حملت عنوان "انتفاضة السويداء: نتائجها والعوامل المؤثرة فيها"، سلّط من خلالها الضوء على أهمية الحراك الشعبي المستمر في السويداء منذ أكثر من عام.

ففي لحظة تاريخية دقيقة، اعتقد الأسد أنه انتصر عسكريا، ورفض التجاوب مع مبادرة الجامعة العربية بعد أن حقق التطبيع المجاني؛ جاءت انتفاضة السويداء لتعيده إلى المربع الأول وتعلن إصرارها على تحقيق الانتقال السياسي، عبر تطبيق القرار الأممي 2254. 

تهدف دراسة القنطار إلى إلقاء الضوء على انتفاضة السويداء التي انفجرت في منتصف تموز من العام 2023، على عكس الاحتجاجات السابقة التي عرفتها المحافظة بعد عام 2011، والتي كانت تنوس صعوداً وهبوطاً، وتتراجع لتظهر من جديد، تميزت في هذه المرة، بنقلتها السريعة من المطالب المعيشية الخدمية الى المطالب السياسية، كما تميزت باستمرارها وتوسعها وانتشارها لتشمل جميع مدن وبلدات المحافظة.

وأعلنت انتفاضة السويداء القطيعة مع النظام السوري في تحد واضح عبر الاستمرار في السيطرة على الشارع، دون أن تتمكن أجهزة النظام من التدخل بشكل مباشر.

وتحاول الدراسة الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة مثل: ما هي الأهداف التي أنجزت؟ وما هي أساليب النظام في مواجهتها؟ وكيف ينظر الفاعلون إلى المستقبل بعد أن حدثت القطيعة مع النظام؟ وكيف ينظر النشطاء الى موقف الشارع السوري من احتجاجاتهم المستمرة؟ والعديد من الأسئلة الأخرى.

المصالحة.. تجارب وعِبر:

إسماعيل الصغير، قدّم بدوره دراسة بعنوان "المصالحة أم التغريب؟ فك رموز صفقات المصالحة التي يفرضها النظام السوري".

أدرجت الدراسة وجهات النظر الدولية والتحليل المقارن للحالة السورية مع تجربتي المصالحة (الشعبية) في كلّ من جنوب أفريقيا ورواندا. كما ناقشت الأطر القانونية الدولية والمحلية التي تحظر التعذيب، مستشهدة بمواد محددة من الدستور السوري والمعاهدات الدولية، لتوفير أساس قوي لإثبات انتهاكات النظام السوري.

كما تناولت الدراسة الاستجابة المتعددة الأوجه للنظام السوري، بما في ذلك استخدام العنف ومفهوم المصالحة.

وركّزت الدراسة عند مناقشة تجارب المصالحة، على الآثار المترتبة على محاولات المصالحة الفاشلة في سوريا، وتأثير ذلك على إمكانية السلام والاستقرار في المستقبل، في محاولة لطرح نهج بديلة يمكن اتباعها لتحقيق المصالحة الحقيقية، وإمكانية تقديم المجتمع الدولي دعماً لعملية سلام أكثر فعالية.

وضمن سياق المصالحة أيضاً، جاءت دراسة طلال مصطفى المعنونة بـ "تصورات السوريين للمصالحة الوطنية في المستقبل"، والتي ترى بأن "المصالحة السورية – السورية الوطنية" شرط أساسي بعد انتهاء الحرب للوصول إلى إمكانية عودة اللاجئين من خلال الحوارات المجتمعية المؤسسة على المستوى الوطني السوري ككل من خلال فريق سوري من الفاعلين السياسيين السورين المختصين، والبعيدين عن النزاعات العسكرية التي حصلت في سوريا، لوضع أسس أخلاقية وعملية لبرنامج المصالحة الوطنية الشاملة بالتشبيك مع منظمات المجتمع المدني على الصعيد السوري والمحلي بهدف إيجاد آليات تنقل الخطاب العنفي والإقصائي على المستوى الوطني والمحلي السوري الى خطاب يقبل التعايش المشترك مع الأطراف الأخرى المختلفة دينيا وطائفيا وسياسيا، من خلال تعزيز ثقافة المصالحة المجتمعية، والعيش المشترك.

تكمن أهمية البحث من كونه سيساهم في توضيح كيفية تصوّر السوريين للمصالحة الوطنية وكونه أيضا يمكن أن يكشف عن الديناميات السياسية والاجتماعية في سوريا، التي يمكن أن تساعد في تطوير سياسات أكثر فعالية واستجابة لاحتياجات السوريين للمصالحة الوطنية. 

حوار عن المراكز البحثية وأهميتها

الفقرة التالية من برنامج اليوم الأول، تضمّنت جلسة حوارية أدارتها الإعلامية نور الهدى مراد، وتناول فيها مدير مركز حرمون سمير سعيفان ورئيس تحرير مجلة قلمون رشيد حاج صالح، الحديث عن مدى أهمية الدراسات والمراكز البحثية.

سلطت الجلسة الضوء على وضع المؤسسات والمراكز العلمية البحثية في ظل نظام الأسد قبل عام 2011، حيث سقف الحريات المنخفض والمقيّد، والرقابة الأمنية التي تعمل على إفراغ البحوث من مضمونها وأهدافها نتيجة الخطوط الحمراء الكثيرة التي يفرضها النظام.

بعد الثورة، فتحت آفاق العمل البحثي وتعددت مراكز الدراسات والبحوث خارج حدود مناطق النظام والحدود السورية أيضاً، وخاصة في الدول الأوروبية (الديمقراطية)

وعلى الرغم من تمويل المراكز البحثية ودعمها من جهات ليست سورية؛ إلا أن البحوث والدراسات عموماً، أصبحت تتحلى بالكثير من المصداقية والدقة.

وتتجسد أهمية مراكز الأبحاث في رصد مختلف الأوضاع، السياسية منها والاجتماعية والإنسانية... ولا يمكن إعادة تنظيم تلك الأوضاع وإصلاحها بدون دراسات وأبحاث جدية وموضوعية ومهنية.

بالمقابل، ما تزال هناك إشكالات عدة ترتبط بأبحاث ودراسات طيف واسع من السوريين، سواء في المنهجية أو الأسلوب أو المضمون. فبعض البحوث ما تزال تشبه التي كانت تُنتج في أيام النظام، من ناحية افتقارها للحيادية والموضوعية والخلفية العلمية والأهداف.

الجلسة الثانية

قناعات الشباب السوري السياسية:

في الجلسة الثانية التي أدارها خلدون النبواني، والتي حملت عنوان "الديناميات الاجتماعية في سوريا"؛ قدمت أمل شيّاح استانبولي بحثاً بعنوان: "آليات ومحددات تشكّل القناعات السياسية لدى الشباب والشابات في شمالي سوريا".

تعتبر التجربة الانتخابية واحدة من أسس النظام الديمقراطي وإحدى أبرز وسائل المشاركة السياسية. لذلك يسعى البحث إلى معرفة المحددات التي تتشكل على أساسها القناعات السياسية لدى الشباب السوري في شمالي سوريا (المناطق الخارجة عن سيطرة النظام)، لتعزيز المشاركة السياسية للشباب والشابات السوريين وإيصال صوتهم إلى صناع القرار ودمجهم في عملية صناعة السلام. ويتم ذلك عبر استخلاص وتحليل نتائج تجربة محاكاة للبرلمان الشبابي ضمن عملية انتخابية يتم من خلالها اختيار ممثلين عن الشباب.

ويحاول البحث أن يتعرف على المعايير التي تبنى عليها عادةً القناعات والتفضيلات السياسية والتي يجب أن يتصف بها المرشحون والمرشحات وفقا لرؤية الشباب. تم اختبار مجموعة من المعايير مثل الفئة العمرية، المستوى الدراسي، والجنس، والدين، والانتماء السياسي والانتماء العسكري والمنطقة التي يتبع لها المرشحون من أجل تحديد أكثر المعايير تأثيراً.

 وخلصت النتائج الأولية للبحث إلى أن المستوى التعليمي للمرشح يأتي في الدرجة الأولى. يليه أن يكون مسلماً ومن ثم أن ينتمي لفئة الشباب العمرية ليكون على دراية بمشاكلهم. كما يبدو من النتائج أن الانتماءات المحلية والعرقية والقومية لا تحتل موقعا متقدما بين معايير اختيار المرشحين، وأن من تفضيلات الشباب أن يكون المرشحون بعيدين عن التجاذبات السياسية والعسكرية.

النسوية السورية:

"الحركة النسوية السورية بين القبول والرفض المجتمعي: دراسة اجتماعية تحليلية في الفترة ما بين 2011-2023" كان عنوان الدراسة التي قدمتها هدى أبو نبوت في الجلسة الثانية.

برزت الحركة النسوية السورية بعد الثورة لعام 2011، واتخذت عدة أشكال بعد المشاركة الواسعة للنساء في النشاطات الثورية والوطنية المناهضة للاستبداد الأسدي، وبناء دولة مدنية تعلي قيم الحرية والمواطنة والعدالة الاجتماعية لجميع فئات المجتمع بدون تمييز.

ومع ظهور منظمات المجتمع المدني السوري،  كحاجة ملحة لتغطية احتياجات السكان في المناطق التي أصبحت خارج سيطرة النظام، تشكلت عدة منظمات نسائية ونسوية تعنى بشكل خاص باحتياجات النساء السوريات بمختلف المجالات التنموية والحقوقية والمعرفية، ولاقت هذه المنظمات مواقف متباينة من السوريين والسوريات، تراوحت بين القبول الاجتماعي والثقافي لها وبين الرفض المطلق وصولا الى محاولات تشويهها اجتماعيا، والذي يعود ربما إلى عدم اطلاع بعض السوريين سابقا على الفكر النسوي وأهدافه، والتي بدأت بالانتشار من خلال البرامج التي تقدمها المنظمات النسوية في الداخل السوري ودول الجوار(اللجوء) ما خلق حالة من الرفض المجتمعي لعمل المنظمات النسوية بشكل عام، وحالة من العداء للناشطات النسويات المستقلات والعاملات بالمنظمات على حد سواء.

استناداً إلى ما سبق تتحدد إشكالية الدراسة في البحث حول ديناميكية العلاقة بين المجتمع السوري والحراك النسوي السوري، والدوافع المجتمعية التي ساهمت بعدم قبول عمل المنظمات النسوية، والأسباب التي ترجمت هذا الرفض لعداء ظاهر للناشطات النسويات، ونضالهن المستمر في حصول النساء على حقوقهن بشكل كامل.

تحاول الدراسة البحث بجذور المشكلة والاستدلال على أسس الصراع وأسبابه والتحديات والمعوقات التي تمنع من تحويل العلاقة السلبية العدائية بين المجتمع والحراك النسوي السوري، إلى علاقة إيجابية تشاركية تسعى إلى الوصول لهدف مشترك، يصب في صالح النساء وصون حقوقهن في المجتمع.

رأس المال الاجتماعي:

أما حمدان العكلة، فقدّم دراسة بعنوان: "رأس المال الاجتماعي السوري بين الفاعلية والتعطيل"، قال فيها إن رأس المال الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في أوقات الأزمات المجتمعية، وما يميزه تلك القدرة أو ذلك التنظيم الذي يجعل الأفراد يعملون معاً ضمن شبكة من العلاقات المشتركة، ممَّا يؤدي إلى رفع قيمة العمل الجماعي وتحقيق التماسك بين البنى الاجتماعية وأفرادها، الأمر الذي يعزز من تفعيل التكامل الاجتماعي بشكلٍ أفضل في المجتمع، وهي حاجة ماسة لتكوين دولة ديمقراطية سليمة.

وعبث النظام الاستبدادي في سوريا برأس المال الاجتماعي بشكلٍ ترافق مع عبثه ومحاولة تشويهه للهويات المكونة للدولة، بغية ممارسة سياسية إقصائية لكل ما هو مختلف عنه، لذا فقد أفرغ هذا التنوع الثقافي والهوياتي من أي فاعلية سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، وذلك بعد أن احتكر النشاطات ووجَّهها وفقاً لأيديولوجيته الغائية، مما أدخل رأس المال الاجتماعي بحالة من الاستنزاف المستمر، إلا أنَّ اندلاع الثورة السورية، وخروج أجزاء من الجغرافيا السورية عن سيطرة السلطة الاستبدادية وتحررها أعاد القيمة لرأس المال الاجتماعي، وأكَّد أهميته، ليلعب من جديد دوراً اجتماعياً وتضامنياً بين الأفراد، إلا أنَّ ذلك لا يعني أنه لم يواجه عقبات مختلفة، إذ واجه إشكالية جديدة، ومرحلة تصدع ترافقت مع رحلة الشتات والتغريبة التي امتدت زمنياً وعاشتها الأسر السورية، ما أضعف شبكات الأمان الاجتماعي، إضافة إلى تزامنه مع فساد طال المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الوليدة.

يحاول البحث الإجابة عن تساؤلات عدة لعل أبرزها التعريف برأس المال الاجتماعي السوري وماهيته في ظل السلطة الاستبدادية، والوقوف على مدى التغيرات التي طالته بعد الثورة السورية.

ذاكرة منطقة "الحفّة"

بدوره، استعرض عمار السّمر "ذاكرة منطقة سورية والثورة: الحفّة (قضاء صهيون)" في بحثه الذي ختم به الجلسة الثانية.

ومنطقة "الحفة" أو "قضاء جبل صهيون" في ريف اللاذقية، منطقة مختلطة تاريخيا، مركزها (بلدة الحفة)، سنّي مع أقلية مسيحية، ومحيطها غالبه علوي مع عدة قرى مرشدية. رغم ما حملته حكايات الأجداد من أحاديث عن توترات في الماضي خلال فترة الاحتلال الفرنسي، فقد تمكن أهالي المنطقة من التعايش وبناء علاقات ما فوق الطائفية، فكان هناك قرى مختلطة كثيرة قبل أن يقل عددها في عهد الأسد الأب مع ازدياد التوجس والريبة بعد اعتماده التضامن الطائفي والقمع كأهم ركائز بقائه في السلطة، فكان سبباً في عودة التوترات التي انفجرت مجدداً في ثمانينات القرن الماضي.

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 وتحولها إلى العمل العسكري تحت ضغط قمع النظام، كان أولاد وأحفاد المعتقلين والمختفين من أبناء البلدة في الثمانينات من أوائل الملتحقين بـكتائب "الجيش السوري الحر"، ومع اقتحام قوات النظام للبلدة عام 2012، نزح أهل البلدة منها نحو الشمال، مستذكرين "المهاجرة" عندما نزح أجدادهم عام 1919، سالكين نفس الطرق وقاصدين نفس الأماكن كملاذات آمنة طائفياً، معتبرين أن الأسد يكرر ما فعله أجداده من تهجيرهم. 

ما جرى أيقظ ذاكرة أهل البلدة وفيها الأديب والعسكري والفلاح والمؤرخ، وتنشطت ذاكرتهم أكثر بعد أن أصبحوا لاجئين ونازحين بعيداً عن بلدتهم التي تحولت هي الأخرى مع طول سنوات النزوح إلى ذكرى. وقد سمح لهم الخروج من تحت قبضة الأسد بسرد وكتابة ما تحمله ذاكرتهم، وتأويله وأن كان بشطط أحياناً، بعد أن كان هذا التاريخ المحلي بالإضافة مستويات أخرى من التاريخ الوطني مسكوتاً عنه أو مهمشاً طوال عهد الأسد الأب والابن، ولكنه بعد ثورة 2011 عاد للواجهة بقوة وغطى على سنوات طويلة من التاريخ الوطني، وبدا أن كل التاريخ الوطني والقومي الذي عمل الأسد على فرضه على السوريين لا أثر له.

يحاول البحث الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف أسهمت الذاكرة ما قبل عام 2011، واستحضارها في الدفع للمشاركة في الثورة؟ وكيف اسهمت في خلق التصورات الجديدة نحو الآخر؟ وهل نجح نظام الأسد في ترويض الماضي، وفرض رؤيته التاريخية؟ وما تأثير السكوت عن التاريخ وتهميشه؟

الجلسة الثالثة

الطائفية في الحسكة:

الجلسة الثالثة والأخيرة في يوم المؤتمر الأول، تمحورت حول "تجليات وسياقات العسكرة في الحرب السورية"، بإدارة عائشة البصري

وفي بحثه المعنون "الذاكرة والخوف والطائفية: تحقيق في وجهات النظر المسيحية والعلاقات بين الطوائف في محافظة الحسكة خلال الثورة السورية"، يشير حيان دخان إلى أن دراسة الانتفاضة السورية والحرب الأهلية التي تلتها، تمت دراستها على نطاق واسع مع التركيز السائد على الطائفية بين الطائفتين السنية والعلوية. ويتجاهل هذا التركيز الضيق التأثير العميق للعناصر الدينية والعرقية الأخرى داخل المجتمع السوري.

يهدف البحث إلى توسيع العدسة التحليلية من خلال فحص موقف ومواقف المسيحيين في محافظة الحسكة فيما يتعلق بالانتفاضة السورية وقوى المعارضة. كما تعالج الورقة استفسارين رئيسين: أولاً، العوامل المؤثرة على موقف المسيحيين في الحسكة فيما يتعلق بالانتفاضة السورية، وثانياً، تداعيات هذه المواقف على العلاقات بين الطوائف في المنطقة.

وتزعم الورقة أن الذاكرة الجماعية للخوف الذي يعيشه المسيحيون، والتي يتلاعب بها النظام السوري، ساهمت في ظهور "الطائفية من الأسفل" و"الطائفية من الأعلى". تعكس الأولى بناء الهويات الطائفية من قبل المسيحيين استجابة للتمييز والتهميش، في حين تتعلق الثانية بالمؤسسات المؤثرة التي تديم الهويات الطائفية والانقسامات. وتسلط النتائج الضوء على التفاعل المعقد بين العوامل التي تشكل المواقف والعلاقات المجتمعية خلال أوقات الاضطرابات والصراع.

العنف المنظّم:

ويتناول طالب الخيّر في بحثه "التدخل الاعتباطي المتعدد الوكلاء، وتجزئة الدولة وتصاعد العنف المنظّم: حالة سورية"، الطبيعة المتعددة الأوجه والمعقدة للعنف المنظم في السياق السوري. ويتنقل بين مختلف أنواع العنف والجهات الفاعلة فيه، مسلطاً الضوء على تورط حكومة بشار الأسد في العنف أحادي الجانب ضد مجموعات المعارضة غير المسلحة التي تتحدى الأسرة الحاكمة.

علاوة على ذلك، يستكشف البحث الفروق الدقيقة للصراع الداخلي، ويتأمل في تجزئة الدولة ويستكشف الديناميكية المعقدة بين مختلف وكلاء العنف، سواء داخل الحدود الوطنية أو خارجها. يستخدم المؤلف السياق السوري كدراسة حالة لكشف التعقيدات والعواقب المترتبة على التدخلات المتعددة الوكلاء غير المنسقة، وتقديم تحليلات ثاقبة حول تصعيد العنف المنظم وتأثيراته الشاملة على المشهد الاجتماعي والسياسي في المنطقة. يمثل هذا المقال مساهمة وثيقة الصلة لفهم الديناميكيات والعواقب المتعددة الأوجه للتدخلات الداخلية والخارجية في مناطق الصراع، وإلقاء الضوء على الطبيعة المتشابكة للعوامل السياسية والعرقية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في تشكيل مسار العنف المنظم.

صعود "الشبّيحة"

أما علي الجاسم، فيتطرّق في بحثه: "شبكات العنف: صعود الجماعات شبه العسكرية (الشبيحة) بعد عام 2011 في حلب"، إلى نشوء الجماعات شبه العسكرية وعملها في حلب في سياق الانتفاضة والحرب بعد عام 2011. ويتناول كيف تم حشد المدنيين وتسليحهم للانضمام إلى هذه الجماعات شبه العسكرية وممارسة العنف ضد المتظاهرين ضد نظام الأسد.

وفي حين تم إجراء الكثير من الأبحاث من الناحية النظرية والتجريبية حول كيفية ولماذا تعتمد الحكومات والأنظمة الدكتاتورية على الجماعات شبه العسكرية؛ فإننا لا نعرف سوى القليل نسبيا عن كيفية حشد المدنيين في الجماعات شبه العسكرية.

يسلط البحث الضوء على الدور الذي غالبا ما يتم تجاهله للشبكات شبه العسكرية داخل المجتمعات المدنية في الصراع العنيف والطرق التي يتم بها إسقاط الانقسامات الكلية للحرب والتفاوض عليها على المستوى المحلي. كما يركز على الروابط بين الأفراد في المناصب المدنية ودورهم في حشد المدنيين لقمع مواطنيهم واستخدام العنف ضدهم إذا لزم الأمر.

ويدرس البحث تاريخ الجماعات شبه العسكرية في حلب ويحاول الإجابة على السؤال حول كيف ولماذا أصبح المدنيون متورطين بنشاط في القمع. وبالتالي، يهدف إلى المساهمة في الأدبيات حول حشد الجماعات شبه العسكرية من خلال النظر إلى ما هو أبعد من "الدولة" كمحرض رئيسي لمثل هذه التشكيلات.

تحديات إدماج المسلّحين

واختتمت جلسات اليوم الأول بدراسة لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، تحت عنوان: "تحديات الاندماج وآثاره على الاستقرار: إدماج الفاعلين المسلحين خارج نطاق الدولة في القوات النظامية السورية بعد الانتقال السياسي".

ظهرت العديد من القوات المسلحة الفاعلة خارج نطاق الدولة، وقف بعضها إلى جانب النظام السوري، وبعضها قاتل النظام السوري، وتشكل أدوار هذه الجهات الفاعلة والتحديات في دمجها في القوات النظامية بعد المرحلة الانتقالية السياسية جوهر هذه الدراسة، حيث تنبع أهمية فهم الصعوبات التي تواجه دمج هذه المجموعات، وضرورة التغلب عليها، من دورها المحتمل في إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في سوريا بعد الصراع.

يحاول البحث أن يقدم تحليل لتعقيدات المشاركة في عملية إدماج الفاعلين المسلحين غير الحكوميين في القوات العسكرية النظامية في سوريا بعد انتهاء النزاع المسلح، مع النظر في تأثيرها على النسيج الاجتماعي والسياسي الأوسع لسوريا بعد النزاع. وذلك من خلال نهج طرق متعددة، متضمناً منهجيات البحث الكيفية والكميّة، كما يسترشد بنظريتين مركزيتين: نظرية التحول السياسي ونظرية دمج الجماعات المسلحة في القوات النظامية، بهدف فحص الصعوبات الهيكلية والتنظيمية والتشغيلية، بما في ذلك صعوبات متغيرات القيادة والسيطرة والحكم، والاختلافات الأيديولوجية والثقافية، التي تواجه عملية إدماج هذه الفئات المتنوعة لتحقيق التناسق التشغيلي في مستقبل قوات سوريا النظامية (الجيش والأمن والشرطة).