شجوب، 3 صواريخ، حداد، و49 قتيلاً سورياً. هي حصيلة ما قدّمه النظام السوري – حامل لواء المقاومة – لنصرة قطاع غزة من الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي يتعرض لها منذ 7 تشرين الأول الجاري.
ولمنع الالتباس، القتلى الـ 49، ويضاف إليهم 230 جريحاً، هم مدنيون قضوا من جراء حملة القصف الممنهجة التي شنّتها آلة النظام العسكرية على إدلب وريفها خلال النصف الأول من الشهر الجاري، لا عسكريون من قواته سقطوا في اشتباك مع الجيش الإسرائيلي على جبهة الجولان المحتل.
تضامن "افتراضي"
منذ الساعات الأولى لإطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عملية "طوفان الأقصى"، وجّه النظام وسائل إعلامه كلها، من دون استثناء، لتغطية الحدث، حتى بات الخبر السوري نادر الظهور على وكالته الرسمية "سانا" وصفحات صحفه.
لكن من جانب آخر، ضغط النظام باتجاه منع السوريين من تنظيم مسيرات "كبيرة" تضامناً مع غزة وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي، واكتفى بتنظيم وقفات احتجاجية للنقابات والاتحادات التابعة له.
وفي مراجعة لتواريخ الوقفات الاحتجاجية، التي أعلن عنها النظام عبر وسائل إعلامه منذ 7 تشرين الأول، بدا واضحاً أنها نُسّقت متفرّقةً على مدار أيام الأسبوع، ليكون لدى إعلامه خبر رئيسي يومي يجتره، في وقفة هنا أو احتجاج هناك، وهو خط ملحوظ أكّده مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا.
وقال المصدر إن جهات عدة تقدّمت، منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، بطلبات للحصول على تراخيصَ لمسيرات "كبيرة" ضمن دمشق، لكنها قوبلت جميعها بالرفض، في حين سمح بمظاهرات محدودة العدد والوقت.
وأضاف أن النظام ركّز على أن تكون الوقفات "في مكان ثابت، كما حصل في اتحاد الطلبة ونقابات العمال والأطباء والمحامين وغيرها"، في محاولة واضحة لمنع أي تجمعات كبيرة، مشيراً إلى أنه حصر منح الموافقات أيضاً بالأحزاب والمنظمات، باشتراط وصف الشعارات التي ستُرفع.
منع التغطية الإعلامية
ورغم التضييق، خرجت بعض المسيرات الخجولة في مناطق متفرقة من دمشق وريفها، غابت عنها التغطية من وسائل إعلام النظام الرئيسية، واكتفت بعض صفحات الفيس بوك بنشر الخبر مع بضع صور على عجل.
موقع "صوت العاصمة" قال، نقلاً عما سمّاها مصادر خاصة، إن وزارة إعلام النظام منعت جميع وسائل الإعلام التابعة لها من تغطية ونقل المظاهرات التضامنية مع غزة.
وأضاف أن السبب وراء ذلك هو ترديد هتافات خلال المظاهرات باسم رئيس النظام السوري، وهو ما سيخلق انتقادات ساخرة "تطول شخص بشار الأسد بصفته أحد قادة ما يسمى محور المقاومة عند نقل المسيرات على شاشات التلفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي"، خاصة إذا ما طولب بفتح الجبهات.
وذكر أن "وزارة الإعلام اكتفت بالسماح لناشطين وصحفيين ومؤثرين بالتقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل ومنصات الإعلام الموازي".
النظام السوري وُضع خلال الأيام الماضية أمام خيارين أحلاهما مر، الأول يتمثل بمنع المظاهرات التضامنية مع غزة بشكل نهائي، وهو ما قد يثير غضب الشعب السوري المحتقن أصلاً، وسيكون من الصعب على أجهزته الأمنية ضبط الشارع بشكل كامل.
والثاني هو السماح بتسيير مظاهرات "كبيرة" سيُضطر إعلامه لتغطيتها وستُردد خلالها شعارات "تستنهض عزيمة بشار الأسد" لفتح الجبهات، كالمظاهرة الطلابية التي خرجت في اليوم التالي من العدوان على غزة والتي رُددت فيها عبارة: "يا بشار ويا حبيب.. اضرب اضرب تل أبيب"، وعليه، وجد النظام أن سياسة محدودية المظاهرات وحجبها عن الإعلام هي الأقل كلفة.
التضامن مع مجزرة المعمداني.. ما بين مناطق النظام والشمال السوري
وبالانتقال إلى ليلة المجزرة، التي قضى فيها نحو 500 فلسطيني من جراء قصف إسرائيلي لمستشفى المعمداني بقطاع غزة، غطّت وسائل إعلام النظام المظاهرات الغاضبة التي خرجت في معظم عواصم العالم، في حين غابت تلك التحركات عن شوارع العاصمة والمدن الخاضعة لسيطرة النظام، إذ لم ينظم الأخير أي مظاهرة في تلك الليلة أو في صبيحة اليوم التالي.
واكتفى النظام ببيان "شديد اللهجة"، نشرته صفحة "رئاسة الجمهورية العربية السورية" في فيس بوك، اعتبر فيه المجزرة "واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية في العصر الحديث، وأكثرها دموية"، واصفاً إياها بـ "عمل وحشي يعبر عن مستوى حقد الكيان الصهيوني الذي تجاوز بجرائمه أقصى درجات العدوانية والقتل".
في الجانب المقابل، انتفض الشمال السوري منذ اللحظات الأولى لارتكاب المجزرة في مدن وبلدات إدلب وحلب، الخارجة عن سيطرة النظام، في مظاهرات استمرت حتى عصر اليوم التالي، حمل خلالها المحتجون الغاضبون أعلام فلسطين إلى جانب أعلام الثورة السورية، ورددوا هتافات ورفعوا شعارات تندد بالعدوان الإسرائيلي وتتضامن مع أهالي غزة.
إعلان الحداد
في صبيحة يوم المجزرة، رفع النظام من حدة تضامنه وأعلن حداداً عاماً في سوريا على ضحايا المجزرة في بيان جاء فيه: "تعلن حكومة الجمهورية العربية السورية الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام، بدءاً من تاريخ 18/10/2023، على الضحايا الأبرياء الذين ارتقوا جرّاء اعتداء قوات الإجــرام الصهيونية الذي استهدف مستشفى المــعمداني بقطــاع غــزّة في فلسطين الشقيقة".
وتابع: "تُنكّس الأعلام في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية، وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج طيلة هذه المدة".
ولتوضيح معنى "رفعُ حدة التضامن"، تجدر الإشارة إلى أن النظام السوري، وبحسب السياقات التاريخية لمفهومه عن "الحداد"، فإنه لا يُعلنه إلّا في "الأزمات والمصائب الكبرى"، إذ أُعلن 4 مرات في سوريا منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، أولها حين توفي باسل الأسد عام 1994 (حداد 3 أيام)، وثانيها حين توفي حافظ عام 2000 (40 يوماً)، والثالث أعلن في 10 تشرين الأول الجاري عقب تفجير الكلية الحربية في حمص (3 أيام)، وآخرها كان الحداد على ضحايا مجزرة المعمداني.
بشار الأسد يدعو لتحرك عربي والمقداد يندد
ويضاف إلى سجل تضامن النظام مع غزة، فوق كل ما سبق، مجموعة من التنديدات والشجوب، احتل فيها وزير خارجيته فيصل المقداد المرتبة الأولى من حيث الكم، إذ ندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة خلال مجموعة لقاءات واتصالات أجراها مع وزراء خارجية عدد من الدول في مقدمتها الجزائر وتونس والسعودية ومصر وعمان.
وبحث المقداد مع الوزراء، بحسب وكالة أنباء النظام "سانا"، سبل الخروج بموقف عربي موحد "لوقف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة وتقديم الإغاثة لهم".
كذلك تحفّظت وزارة الخارجية على العبارات التي حملها بيان جامعة الدول العربية، الذي "أدان تعرض الشعب الفلسطيني للعدوان وطالب إسرائيل بتنفيذ التزاماتها بصفتها القائمة بالاحتلال"، والتي يمكن أن يُفهم منها المساواة بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني.
من جانبه أعاد رئيس النظام بشار الأسد التذكير بموقفه "الداعم للشعب الفلسطيني في مواجهته لما يتعرض له من جرائم، ومقاومته المشروعة للدفاع عن قضيته العادلة واستعادة حقوقه"، وذلك خلال اتصالات مع رؤساء الإمارات وروسيا وإيران.
ودعا بشار الأسد إلى "تحرك سريع على المستويين العربي والإسلامي لحماية الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة، ووقف الغارات الإسرائيلية التي تستهدف الأطفال والنساء".
تحرك عسكري
وفي الختام، لم يحرّك النظام ساكناً على جبهة الجولان المحتل نصرة لغزة حتى ساعة كتابة التقرير، ما عدا 3 صواريخ أطلقها فصيل فلسطيني من "سرية عابدين" في ريف درعا الغربي، في 10 تشرين الأول أي بعد 3 أيام من بدء العدوان، باتجاه منطقة تل الفرس في الجولان المحتل، وسقطت في أرض زراعية. وهو خبر نقلته وكالة "رويترز" وتجاهلته وسائل إعلام النظام نهائياً.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي غاراته وقصفه المكثف على كامل القطاع، لليوم الـ 14 على التوالي، في ظل ضوء أخضر أميركي وغربي، ما أسفر عن مقتل 3500 فلسطيني وجرح أكثر من 13 ألفاً آخرين، بينهم أطفال ونساء، وسط تفاقمٍ في الأزمة الإنسانية إلى حد ينذر بالخطر، وفق تقارير منظمات دولية.