كان لتغير شكل المنطقة في جنوبي تركيا بعد زلزال السادس من شباط انعكاسات أثرت على مختلف مناحي الحياة حيث تغيرت حياة العديد من سكان المنطقة والمقيمين فيها، كما تغيرت مهنهم ومصادر دخلهم بعد توقف معظمها عن العمل وذلك بسبب تهدمها ودمارها.
تدمرت قرابة 85% من الأبنية في ولاية هاتاي بسبب الزلزال، وهذه الخسارة كان لها ثمن كبير على السوريين الذي أسسوا مصالحهم ومنشآتهم فيها على مدار 10 سنوات وخسروها بلحظة واحدة.
خسارة مضاعفة
الخسارة التي تعرض لها كل المقيمين في المناطق المتضررة من الزلزال كانت مضاعفة عند أصحاب المحال التجارية التي تدمرت وتهدمت بالكامل فخسارتهم كانت بفقدانهم مصدر عملهم وفقدانهم أيضا بضائعهم ومنتجاتهم التي دفنت تحت الأنقاض.
وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا يقول عبد الله أبو عمر وهو تاجر جملة كان يعمل سابقا في مدينة أنطاكيا: "خسرت بسبب الزلزال جميع المواد المخزنة والمحفوظة في المستودعات حيث سقطت الأبنية المحيطة بالمخزن ودفنت البضائع لأسابيع تحت الأنقاض فتلفت وتم ترحيلها مع الركام".
وبحسب عبد الله فالمخزن كان يضم مواداً غذائية تبلغ قيمتها قرابة 5 ملاين ليرة تركية، خسرها جميعا كما خسر أيضاً بضائعه التي كانت قيد التوزيع.
الزلزال فرض العمل في مهن جديدة
بعد الخسارة الكبيرة التي تعرض لها عبدالله أخذ يبحث عن عمل جديد وهو لا يجيد مهنة محددة فقرر العمل في مجال الإنشاءات حتى يستطيع تأمين مستلزمات عائلته اليومية، وعلى الرغم من صعوبة العمل في هذا المجال إلا أن أجور العمال كانت قد ارتفعت قيمتها نظراً لانخفاض أعدادهم في المنطقة وزيادة الطلب على اليد العاملة بسبب الأعداد الكبيرة من المنازل التي تحتاج إلى ترميم، وهو ما أعطى الفرصة لكثير من السوريين للعمل في هذا المجال حتى مع عدم وجود الخبرة الكافية فيه.
العمال الجدد يتعرضون لحالات أحتيال
وبحسب "عبد الله" فإن العمال الجدد في مجال الإنشاءات لا يمتلكون خبرة كبيرة في المهنة، فكثير منهم كان يريد العمل فقط دون معرفة شروطه لكنه وبعد أشهر عدة في هذا المجال كان قد شاهد مئات من حالات الاحتيال التي تطول العمال خاصة السوريين الجدد، حيث يرفض صاحب العمل دفع مستحقاتهم الكاملة بعد انتهائهم من إنجاز أعمالهم وبسبب عدم وجود عقود عمل رسمية تضيع حقوقهم.
وبحالة مشابهة لعبد الله فرض على "عمر اليوسف" العمل في الإنشاءات بعد خسارته محل الأحذية الذي عمل لسنوات لتأسيسه حيث لجأ لمهنة الإنشاءات وعمل فيها لكن مع تعدد حالات الاحتيال وعدم دفع مستحقاته كان عليه التخلي عن هذه المهنة واللجوء مجددا لعمل آخر.
حالات الاحتيال طالت حتى العمال السابقين في المجال
كان وليم لاذقاني قبل الزلزال يعمل بأجرة اليومية كأغلب العمال السوريين الذين يعملون في مجال الإنشاءات في هاتاي جنوبي تركيا، لكن بعد الزلزال وبسبب النقص الكبير في الكوادر أرادوا توسيع العمل والبدء في التعهد حتى يعود على العمل بمردود أكبر.
يقول لاذقاني: "بدأت بالعمل مع أحد المتعهدين الأتراك بضمان الورشة كاملا أي تجهيز الشقق وترميمها ومن ثم أخذ أجرة العمل أو كما يسمى في مصطلحات الإنشاءات "على حسابنا "، وهو تعهد ترميم المنازل ودفع قيمة مواد التجهيز وأجرة العمال حتى الانتهاء الكامل من التجهيز وبعدها يدفع المتعهد أو صاحب العمل مستحقاتنا".
وأضاف: "لكن المتعهد التركي الذي عملنا معه لعدة أشهر لم يكن يسلمنا حقوقنا كاملة بعد الانتهاء من العمل، حيث كان يبقي مبلغاً من كل مشروع حتى وصل المبلغ الأخير إلى 310 آلاف ليرة تركية، وهو مبلغ خسرناه فقط مع متعهد واحد، وعند مطالبتنا له بحقوقنا كان يهددنا بالترحيل أو توقيفنا عن العمل بالمنطقة بحجة أننا سوريون.
هذه الخسارة الكبيرة دفعت لاذقاني للعودة والعمل بالأجرة اليومية كونها أضمن وقيمة الخسارة أقل في حال رفض صاحب العمل دفع المستحقات.
الشركات الرسمية سبيل العمال لحفظ حقوقهم
وبحسب شادي الأحمد وهو متعهد بناء، فإن بحث العمال وحتى الجدد في المهنة عن شركات تركية مختصة بالإنشاءات تكون الوسيط في عملهم والضامن لحقوقهم هي الطريقة الأفضل لمنع حالات الاحتيال الحاصلة مؤخراً، فالشركات الرسمية تفرض على أصحاب المنشئات عقوداً رسمية تضمن من خلالها دفعهم لكامل المستحقات.
ويقول شادي: تبقى الطريقة التقليدية التي يتبعها عدد كبير من العمال وهي الاتفاق مع صاحب المنشأة بشكل مباشر على العمل، هي الأخطر، فلا توجد وثائق تضمن للعمال حقوقهم في حال أراد صاحب المنشأة أن يحتال عليهم، لكن هذه الطريقة هي السائدة في أغلب الأماكن حيث يلجأ إليها كثير من العمال لأنها توفّر لهم دخلاً أكبر من طريقة تعاملهم مع الشركات الرسمية التي تكون قيمة الأجور فيها أقل.
ومجال الإنشاءات هو واحد من أكثر المجالات التي استقتطبت العمال السوريين مؤخرا خاصة بعد توقف أعمالهم بسبب الزلزال، فإعادة افتتاح وتأسيس مصالح جديدة يحتاج إلى تكاليف عالية لم يعد بإمكان أغلب السوريين تأمينها، وبات العمل بالمياومة هو السبيل الوحيد لتأمين متطلبات الأسرة ودفع تكاليف الحياة اليومية.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة "JHR - صحفيون من أجل الإنسان"