أصيب نحو 90 في المئة من أطفال مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية خلال الأسابيع الماضية، بإسهال وإقياء شديدين، دون أن تتمكن النقاط الطبية المحلية من معرفة سبب المرض، نظراً لضعف الإمكانيات، وعدم توفر الأجهزة الطبية المتطورة، أو الأطباء القادرين على تشخيص الحالات.
وبالرغم من تفشي المرض بشكل كبير في المخيم، وإصابة عدد من الرجال والنساء به، لم تستجب الأمم المتحدة لنداءات السكان الداعية إلى إغاثتهم، كما رفضت الحكومة الأردنية فتح الحدود لاستقبال الحالات الحرجة من المرضى، ما دفع السكان إلى إرسال البعض منها نحو المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
40 إصابة في اليوم
أفاد الممرض في نقطة تدمر الطبية التابعة لمجلس عشائر تدمر والبادية السورية داخل مخيم الركبان، شكري الشهاب، بأنهم لاحظوا قبل نحو شهر، مراجعة 5 أطفال بوقت متزامن للنقطة، وجميعهم يعيشون في بيت واحد.
وذكر "الشهاب" أن الأطفال الخمسة أصيبوا بإسهال وإقياء شديدين، ولم تنجح النقطة الطبية في تشخيص المرض، لكن الممرضين توقعوا أن يكون تناول مادة غذائية، مثل حليب الأغنام، هي السبب وراء المرض.
وقال "الشهاب" لموقع تلفزيون سوريا: "خلال أسبوع واحد، راجع عدد كبير من الأطفال النقطة الطبية، وكلهم يعانون الأعراض نفسها، وفي كل يوم كان عدد الأطفال المراجعين للنقطة يزداد، كما علمنا أن النقطة الطبية الأخرى الموجودة في المخيم، تستقبل العدد نفسه من الأطفال"، لافتاً إلى أن عدد الحالات المراجعة وصل في بعض الأيام، إلى أكثر من 40 طفلاً.
وفاة طفلة.. وأدوات التشخيص مفقودة
أوضح "الشهاب" أن النداءات التي أطلقتها النقاط الطبية، للأمم المتحدة، والحكومة الأردنية، لإنقاذ حياة الأطفال، والتدخل لمعرفة مسببات المرض، لم تلق آذاناً مصغية، ليتم نقل بعض الحالات لمناطق يسيطر عليها النظام، ما أدى لوفاة طفلة.
وأضاف: "بعض حالات الإسهال كانت حادة ومدماة، مع إقياءات شديدة، وهذه الأعراض المترافقة تنذر بخطورة الوضع، ولم نستطع تحديد السبب لعدم وجود وسائل التشخيص، وخاصة المخبر".
وعملت النقاط الطبية في المخيم، على تقديم "العلاج النوعي والإفتراضي" بوجود هكذا حالات، مثل المطهرات المعوية، والسوائل، وتقديم مواد تعويض الشوارد بظروف الأملاح، وقال "الشهاب"، إن "مقدمي الخدمة الطبية بالمخيم نجحوا بشكل نسبي في السيطرة على المرض، بالرغم من الظروف السيئة، نتيجة نقص الأدوات الطبية والأدوية".
ومما زاد معاناة الأهالي وذوي المرضى، غلاء الأدوية وقلتها، وتخشى النقاط الطبية -حسب الشهاب - من انتقال المرض للنساء والرجال بشكل كبير، كونه سُجلت حالات لديهم لكنها كانت قليلة جداً.
إجراءات احترازية
قال "الشهاب"، إن الممرضين في المخيم حصروا سبب المرض بتناول حليب الأغنام أو اللبن والجبن، حيث كان تناول هذه الأصناف القاسم المشترك بين جميع المرضى.
وأعدّت النقاط الطبية مجموعة نصائح للأهالي، على أمل الحد من انتشار المرض، ومنها التأكد من غلي حليب الأغنام لمدة 15 دقيقة قبل تناوله، ومنع إطعام الأطفال المصابين مشتقات حليب الأغنام وخاصة اللبن والجبن.
وطلبت النقاط الطبية من بائعي اللبن، التأكد من غلي الحليب بشكل جيد قبل تصنيع اللبن والجبن، ويؤكد "الشهاب" أن "الأمر قابل للأخذ والرد حتى يتبين السبب الحقيقي للمرض".
وخاطبت هيئة العلاقات العامة والسياسية للبادية السورية في 1 من أيار الجاري الأمين العام للأمم المتحدة، عبر بيان أكدت فيه سوء الخدمات الطبية داخل مخيم الركبان، والتي تكاد أن تكون معدومة لقلة الإمكانيات وسوء الحالة المعيشية.
ودعت هيئة العلاقات إلى إيجاد حلول سريعة وجدية لأهالي مخيم الركبان بعيداً عن أي اتفاقات دولية قد تودي بحياة آلاف الأشخاص، وطلبت من الجميع تحمل المسؤولية الإنسانية تجاه المخيم، وفتح طريق لإخراج السكان من "مستنقع الموت".
ويقطن في المخيم نحو 10 إلى 12 ألف نازح، بعد أن قُدّر عدد سكانه بنحو 45 ألف نازح في عام 2018، معظمهم مهجرون من أرياف الرقة ودير الزور وحمص، وتُعرف عن المخيم أوضاعه الإنسانية الصعبة، والحصار المحكم الذي يحيط به، بعد إغلاق المنفذ الواصل إلى الأردن بضغط روسي، وإغلاق طريق الضمير من قبل قوات نظام الأسد والشرطة الروسية، فضلاً عن إغلاق جميع المنافذ لإجبار النازحين على الخروج إلى مناطق سيطرة النظام.