حاجة السوريين للحلّ تفتّت قوى النظام

2024.07.22 | 13:11 دمشق

آخر تحديث: 22.07.2024 | 13:38 دمشق

أهالي محافظة السويداء يواصلون انتفاضتهم الشعبية عبر المظاهرات اليومية المطالبة بإسقاط النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

اعتقل الأمن التابع للنظام في حزيران الماضي ناشطة سياسية تدعى ريتا العقباني في دمشق، وهي تتنقّل بين السويداء ومنزلها في جرمانا منذ بدء المظاهرات ضد النظام قبل نحو عام. بالنسبة للسوريين، يعني ذلك اختفاء الشابة لسنوات أو ربما إلى الأبد من دون أي معلومة عن مكان اعتقالها أو ظروفها. لكن هذه المعضلة تم كسرها في حالة السويداء، فانتشار عناصر النظام في المحافظة ترك لأهلها ورقة ضغط أثبتت نجاعتها خلال السنوات الماضية. فما أن علمت الفصائل المحلية حتى سارعت لاختطاف ما لا يقل عن 15 عنصراً من الجيش والأجهزة الأمنية، بينهم ضباط.

بعد ساعات من الردّ، أفرج النظام عن الناشطة وعادت إلى منزلها في جرمانا بدمشق، لتطلق فصائل السويداء سراح العناصر والضباط. الحادثة تفسّر لماذا يتعامل النظام بحذر مع ناشطي الحراك السلمي في السويداء، بالتأكيد هناك حسابات أخرى للنظام، لكن تظلّ عملية الخطف المتبادل هي الأهم. فرغم الخطوط الحمر التي تجاوزها المتظاهرون، لا يزال بعضهم يتنقّل بين دمشق والسويداء للالتحاق بالجامعة أو للعمل.

"توزعت القوة في سوريا بعد الحرب بطريقة الأواني المستطرقة، وكانت آنية النظام هي الخاسر الأكبر من ذلك، فتشكّلت مراكز قوى جديدة داخل مناطق سيطرة النظام وخارجها."

في درعا أيضاً نجحت معادلة الخطف المتبادل، حيث أفرجَ النظام السوري في أيار الماضي عن أربعة شبان من درعا بعد ضغوط محلية، وذلك عندما حاصر مقاتلون محليون مركز "أمن الدولة" في مدينة إنخل للضغط من أجل إطلاق سراحهم. وأطلق النظام سراح الشاب أحمد مأمون الوادي وثلاثة آخرين. بعد الإفراج، فكّ المقاتلون الحصار. في حادثة مشابهة بمنطقة اللجاة، احتجز أهالي المنطقة ضابطاً وعنصراً من قوات النظام، واشترطوا الإفراج عن شاب يدعى أيهم السامي مقابل إطلاق سراح الضابط والعنصر، مما أدى إلى اتفاق بين الأهالي وقوات النظام.

هناك من طبق المعادلة نفسها شرقي سوريا، فالنظام لا يزال يسيطر على مربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي. ولستُ في وارد نقاش علاقة قسد بالنظام، تستطيع قسد السيطرة على المربعين خلال ساعات. لكنها استفادت منهما أكثر من النظام. فعندما تريد قسد الضغط على الأخير لسبب ما تحاصر المنطقتين أو إحداهما وتصبح أداة تفاوض بيدها. كما تركَ مطار القامشلي حرية التنقل للمدنيين بين دمشق والحسكة حتى في أسوأ أيام الحرب، وسهّل ذلك أيضاً على الأهالي استخراج الأوراق الثبوتية وجوازات السفر. أيضا عندما حاصر النظام مناطق تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" في حلب وريفها، استخدم الأكراد ورقة المربعات الأمنية لفك الحصار.

خلال الحرب، كان أسرى النظام لدى الفصائل أقوى ورقة للإفراج عن المعتقلين أو لمعرفة مصيرهم، مع أن الفصائل استخدمتها لإطلاق سراح مقربين من قادتها، وكان هناك حسابات ضيقة في وضع الأسماء المقدمة للنظام. وحصلت بعض العمليات ضمن مسار أستانا، تحت عنوان تبادل المختطفين - المعتقلين والجثامين وتحديد مصير المفقودين، عبر معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب والذي يفصل بين مناطق سيطرة النظام ومناطق المعارضة.

في أيار الماضي، أدخلت تركيا دورية روسية إلى منطقة رأس العين بريف الحسكة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة والجيش التركي لتفقد محطة علوك التي تغذي مناطق سيطرة قسد والنظام بالمياه. وأثارت صورة لعناصر من الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني يقفون بانضباط أمام جندي روسي موجة من الانتقادات في الشمال السوري. حاولت تركيا إدخال دورية روسية إلى مدينة الباب بعدها بأيام بالذريعة نفسها لتفقد محطة مياه، لكن الخطوة تم مواجهتها بمظاهرات وإغلاق الطرق من المحتجين، ليعقبها اجتماع بين الأتراك والروس أسفر عن افتتاح معبر أبو الزندين نفسه الذي كان بوابة لتبادل المعتقلين والأسرى مع النظام. وقد يتم افتتاح معابر أخرى بين ونشهد على خطوط التماس حالة مصغرة لدرعا والسويداء وشمالي شرقي سوريا.

ليس في هذا القول دعوة لإدخال قوات النظام على الشمال السوري وخطفهم بهدف الإفراج عن المعتقلين، فاختطاف كل جيش النظام وميليشياته ربما لا يكفي لكشف مصير عشرات آلاف المعتقلين على مدى 13 عاماً. الخروج إلى خط التماس بين النظام والفصائل واختطاف العناصر قد يكون مستحيلاً. لكن ديناميكيات الحالة السورية تبدّلت كثيراً، وتوزع احتكار العنف الذي كان يقتصر على الدولة أنتج كثيرا من التغييرات. توزعت القوة في سوريا بعد الحرب بطريقة الأواني المستطرقة، وكانت آنية النظام هي الخاسر الأكبر من ذلك. فتشكّلت مراكز قوى جديدة داخل مناطق سيطرة النظام وخارجها، واستحواذها على جزء من احتكار العنف يفسّر كثيرا مما يحصل الآن. مثلاً يتولى عناصر من ميليشيات النظام عملية تهريب السوريين من لبنان إلى الشمال السوري، حتى لو كان الشخص مطلوباً لكل الفروع الأمنية مقابل مبلغ مالي يصل إلى 2000 دولار. وتستمر عملية تهريب الكبتاغون إلى دول الجوار حتى مع محاولة النظام تطبيع علاقاته مع الدول العربية ووعوده بوقف التهريب. وتشير دراسات أمنية إلى أن معظم قرارات النظام لا تصل إلى المستوى الثالث في هرم سلطة مؤلف من ثلاثة مستويات يرأسه بشار الأسد.

"انتشار عناصر النظام في السويداء ترك لأهلها ورقة ضغط أثبتت نجاعتها، حيث تمكنت الفصائل المحلية من اختطاف عناصر النظام لتحقيق مطالبهم."

ومع فهم السوريين لهذه التغيرات، قد نشهد حالة يدفع فيها أهالي معتقل مبلغاً لفصيل مسلح داخل مناطق النظام لاختطاف ضابط مقابل الإفراج عن ابنهم أو الكشف عن مصيره. وتستمر سلسة توزّع القوى بحسب حاجة السوريين، ويحدث مثلاً أن يصدر جواز سفر لشخصية معارضة مطلوبة للنظام مقابل 3500 دولار. ويقول معترض إن كل هذا يتم تحت أعين النظام ويعود له في نهاية المطاف. أظن أن هذه المبالغة لا يدرك أصحابها مدى ضعف النظام، وربما تعود الأموال إلى أعضاء من النظام يتصرّفون وفق مصالحهم بعيداً عن المركز. منهم من زوّد إسرائيل بمعلومات استخبارية عن الإيرانيين في سوريا.

إذا استمر الوضع في سوريا من دون حل سياسي، سيتواصل تشكُّل القوى الصغرى المحلية التي تهتم بمصالحها بعيداً عن المراكز سواء في مناطق النظام أو المعارضة أو قسد، والتي سيكون لديها مرونة وتماسك أكبر يمكنها من اللعب على المصالح الدولية، والقوى الرئيسية في سوريا، وبالتالي قد تنتج مقاربات جديدة لن تكون في صالح النظام.