بدأت بأفلام شخصية توجتها بفيلم "جمهورية الصمت"، ذلك الفيلم الوثائقي الجديد للمخرجة ديانا الجيرودي والذي يعرض قصة حياتها وعلاقتها ببلدها الأم سوريا ذلك الفيلم الذي أمضت عمرها وهي تحضر له.
وكما يظهر في العبارة التي يفتتح بها الفيلم، فإن ديانا البالغة من العمر 44 عاماً، حصلت على كاميرا للتصوير السينمائي أهداها لها والدها عندما بلغت السابعة من عمرها، ومنذ ذلك الحين وهي تمارس التصوير.
وقبل أسبوعين من عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي، كانت ديانا تتلمس طريقها في هذا المجال من خلال هذا العمل الذي يمتد لثلاث ساعات.
وعن ذلك تقول ديانا في حوار خاص لأحد المواقع: "من الصعب أن أصف الفيلم بنفسي، فأنا قريبة منه حدَّ الالتصاق" ثم صمتت هنيهة وهي تفكر بما يدفع الناس لمشاهدته، وهو بحسب وصفها: "مشاهدة شيء يتصل بهم" وهذا بحد ذاته يعتبر تجربة حساسة تكشف الكثير عن حياتهم.
ومع دخول فيلمها في هذا السباق، نجد ديانا وقد بلغت سعادتها أوجهاً لوقوع الاختيار على فيلمها من قبل القائمين على هذا المهرجان الإيطالي الذي يحظى باحترام ومنزلة رفيعة، وعن ذلك تقول: "لا أعتقد أن هنالك منصة أفضل من هذا المهرجان لإطلاق هذا الفيلم الغريب والمتطلب، وهذا لا يمثل الكعكة التي يسعى الجميع وراءها، وإنما هي رحلة تمضي بك، وهذا الفيلم يحملك معه في تلك الرحلة".
وبالفعل، يعكس ذلك حكاية هذا الفيلم الوثائقي الذي ظل قيد الإنتاج منذ عام 2010، وعنه تقول ديانا: "كان فيلماً على الطريق".
وبما أن هذا الفيلم قد تم تقسيمه إلى فصول، لذا فإن جمهورية "الصمت" يأخذ الجمهور إلى طفولة ديانا وكيف كانت نظرتها للحياة أيام المدرسة، (حيث تصف أساتذتها بالحقراء)، وصولاً إلى آخر سنوات لها في سوريا، وتعلق ديانا على هذا بقولها: "فجأة شعرت بأن بصري عاد إلي" وذلك مع انتقال الموضوع إلى منطقة مرعبة أكثر، ففي عام 2012، كان شريكها المخرج عروة نيربية على وشك الصعود إلى طائرة متوجهة من دمشق إلى القاهرة، إلا أن السلطات السورية اعتقلته في مطار دمشق الدولي.
وبعدما انقطع الاتصال مع عروة، أحسّت ديانا برعب مطبق، وتعترف بذلك بعد مرور ثماني سنوات على الحادثة بقولها: "ما يزال الأمر مرعباً بالنسبة لي".
ثم إن العودة للحديث عن تلك الحادثة في الفيلم لم تكن سهلة بالنسبة لديانا التي تصفها بأنها: "لا بد أن تؤثر على المرء.. ويستحيل أن تخرج منه أبداً".
بيد أن الفيلم يقدم بصيص أمل، وذلك لأن ثلة من المخرجين والممثلين، وعلى رأسهم روبير دينيرو وميشيل رودريغز تدخلوا وضغطوا على الحكومة السورية لتطلق سراح عروة، وهذا ما تم بعد مرور ثلاثة أسابيع على اعتقاله.
وتصف ديانا تلك التجربة بقولها: "كانت مؤثرة للغاية، كما أنها تنطوي على الكثير من الذل، وما زلت حتى اليوم ألتقي بأشخاص نشروا مقاطع فيديو بعنوان: الحرية لعروة، وكل الشكر لهم على المساعدة التي قدموها".
قبل تلك الحادثة بثلاث سنوات كان عروة قد انخرط في الثورة المطالبة بالديمقراطية بسوريا، التي دعمها كل من المخرج مايك لي والمخرج الإيراني محسن مخملباف، وعنهم تقول ديانا: "كما نؤمن دوماً بأن المخرجين ينتمون للمجتمع والعائلة نفسها في جميع بقاع العالم، وهذا ما جعلنا نرتبط بتلك المهنة الشاقة"، بل إنها صناعة انخرطت بها ديانا طوال عقدين من الزمن، ففي عام 2002 أطلقت ديانا شركة للإنتاج السينمائي (برو آكشن للإنتاج الفني) برفقة عروة وبعدها أطلقا مهرجان الفيلم الوثائقي في سوريا الذي كان يعرف باسم مهرجان الدوكس بوكس.
وتحدثنا ديانا عن تلك التجربة فتقول: "إنها إدمان، إذ عندما تكون جزءاً من ذلك المجتمع، يصبح الأمر وكأنك تنتمي لقبيلة معينة، وبالرغم من كل الخلافات والصراعات، لدينا هدف مشترك، وهو شيء يمكن للجميع أن يجتمع عليه، وأن يفكر فيه.. أرى أنه من الصعب أن يترك المرء كل ذلك، إذ بمجرد أن تدخل ذلك النطاق يصعب عليك أن تتركه وأن تقوم بشيء يخصك وحدك وتعيش منعزلاً عن البقية، ما أريد أن أقوله هو أن هذا العمل يمنحك القوة ويتحول إلى إدمان لديك".
وعلى مدار رحلتها الفنية، سعت ديانا لتقديم رؤى الآخرين عبر إنتاج الأفلام (ومنها: جيانفرانكو ونوتورنو الحائز على جائزة مهرجان روزي لأفلام اللجوء)، وسبق لها أن أخرجت فيلمها الوثائقي الدمى: نساء من دمشق في عام 2007 وهو عبارة عن دراسة غريبة حول دمية الباربي العربية: فلّة تعرض على مدار ساعة من الزمن.
ولكن لا شك أن فيلمها الوثائقي "جمهورية الصمت" هو خطوة إلى الأمام في رحلة الإخراج لديها، تلك الرحلة الحميمية المشوبة بالمخاطر والمغامرات والتي تمتد لتغمر العمر بكامله.
تعيش ديانا برفقة عروة اليوم في برلين، حيث أصبحت لهما مكانتهما ضمن مجتمع المخرجين الألمان، ولكن أما تزال ترغب في العودة إلى دمشق؟ وهل ما تزال تحلم بأن تتغير أقدار هذا البلد الذي أنهكه الحصار؟
ترد ديانا على هذا السؤال بقولها: "يجب أن تتغير تلك الأقدار، ولكني لا أرغب البتة بالعودة إلى سوريا وهي بهذا الوضع، لأني أريد دولة يسودها العدل الذي يشمل كل الناس، أريد أن يحس الجميع بالأمان في بلدهم، وأعتقد بأننا ما نزال بعيدين جداً عن تحقيق ذلك، ولكني لا أعتبر قضيتنا قضية خاسرة".
وتصف المسار الذي تشهده بلادها بأنه: "طريق شاق ووعر للغاية.. إذ كانت البلد تبدو بلداً في السابق، لكنها لم تكن بلداً على الإطلاق، ولهذا آمل أن تصبح بلدي بلداً حقيقياً في يوم من الأيام".
وتعدّ ديانا إخراجها لفيلم جمهورية الصمت على مدار كل تلك السنوات والتفكير بحياتها في سوريا واسترجاع ذكريات هرَبها إلى ألمانيا هو بمنزلة الحل العلاجي لكل ما مرّت به، وتقول عن فيلمها: "أخذت شيئاً من كل شخص قمت بتصويره" وهذا يعني أن المخرجين لا يمكنهم أن يبقوا بعيدين عن الواقع، إذ من المستحيل ألا يتأثروا بمن يتعاملون معهم في أفلامهم.
وتضيف ديانا: "إنك تتعامل مع أشخاص وتتقرب منهم، وتقتحم حياتهم، وفي بعض الأحيان تمضي برفقتهم أياماً طويلة، وترافقهم بصمت في لحظات الضعف ولحظات السعادة.. وهذا ما شهدناه مع الأطفال الذين ولدوا والأطفال الذين يموتون، إذ إنك تتحول إلى جزء منهم، كما يصبحون جزءاً منك، وهذا ما يغيرك، سواء للأسوأ أو للأفضل، فالأمر سيان؛ لأن ما يهم هو أنك تتغير فعلاً".
والآن، بعدما اقترب عرض جمهورية الصمت في مختلف دور العرض في العالم، أصبحت ديانا على مفترق طرق من حياتها الطويلة التي بدأتها في دمشق، وعن ذلك تقول: "لكم أن تتخيلوا قدر الارتياح الذي أحس به، فأنا سعيدة للغاية لأني أنجزت هذا العمل، وصار بوسعي أن أنام أخيراً" ولدى سؤالها إن كانت لديها أي فكرة لعمل قادم ردت بقولها: "الأفكار تأتي ثم تذهب، إلا أن قصص البشر هي التي تأسرني".
يذكر أن فيلم جمهورية الصمت سيعرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي يوم الثلاثاء المقبل.
مهرجان البندقية السينمائي
مهرجان البندقية السينمائي الدولي (بالإيطالية: Mostra Internazionale d'Arte Cinematografica di Venezia) أقدم مهرجان سينمائي في العالم. أسسه جوزيبي فولبي في العام 1932. حاملا اسم "Esposizione Internazionale d'Arte Cinematografica". ومنذ ذلك الوقت يفتتح المهرجان كل عام في أواخر أغسطس أو أوائل سبتمبر بشكل دوري. في جزيرة ليدو في فينيسيا, إيطاليا.
يعدّ المهرجان من أكثر مهرجانات العالم تألقا، ويعد جزءا من بينالي فينيسيا. الذي يعد معرضا فنيا ضخما ومهرجانا للفن المعاصر.
جائزة المهرجان الرئيسية هي الأسد الذهبي "Leone d’Oro"، والتي تمنح لأفضل فيلم يعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان. إضافة إلى جائزة كأس فولبي "Coppa Volpi" التي تمنح لأفضل ممثل وممثلة.