انتشر في الأيام الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لمجموعة من الأشخاص يقومون بإطلاق الرصاص على فتاة في الثالثة عشرة من عمرها بحجة الشرف. فتاة صغيرة لم يسمع عنها أحد أي شيء، تذرع أهلها بقتلها صوناً للشرف، علم بالحادثة إثر ذلك ملايين ممن شاهدوا الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وكان رد فعل معظمهم البصق على هذا الشرف.
لا توجد في نظر القانون في سوريا امرأة تستحق أن تكون سورية بناء على كينونتها كمواطنة، وإنما على اعتبارها "تبَع" لمواطن سوري
في المقطع تتلوى الطفلة ألماً نتيجة الرصاص الذي اخترق جسمها فيقول أحدهم اضربها برأسها حتى يتم التأكد من موتها. يتحدث عن تلك الطفلة وكأنها حيازة ما جرى القرار بالتخلص منها. لم تكن تلك الطفلة حيازة قاتلها بشكل استثنائي، بل لأنها تعيش في مجتمع ويظلها قانون يؤكد بشكل يومي على تلك الحيازة، فكل امرأة لها مالك تعود له حسب ذلك القانون. في قانون الجنسية السوري مثلا يمكن للرجل منح الجنسية لزوجته الأجنبية، في حين لا يحق للنساء السوريات منح الجنسية لأزواجهن أو أبنائهن، ويبدو أنهن تحصلن أصلا على تلك الجنسية على اعتبار أنهن ذوات صلة من رجل سوري، أي من متعلقاته أو تحت حيازته، ابنة سوري أو زوجة سوري. إذاً لا توجد في نظر القانون في سوريا امرأة تستحق أن تكون سورية بناء على كينونتها كمواطنة، وإنما على اعتبارها "تبَع" لمواطن سوري. لم تكتف الدولة السورية بذلك، بل تحفظت على بعض المواد في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة (سيداو)، ومنها تلك المادة التي تتعلق بمساواة الرجل والمرأة من حيث قوانين الجنسية، وعللت بأن تشريعات البلاد تمنح الجنسية لأطفال الرجل تلقائياً، أي أن سوريا في محفل دولي ضد التمييز ضد المرأة ويدعو للمساواة أعلنت أنها مع المساواة من حيث المبدأ، إلا أن النساء السوريات لسن نداً للرجال السوريين وإنما تابعات لهم.
لم تكتف سوريا بالتحفظ على تلك المادة، وإنما تحفظت على مادة أخرى تقول بمساواة الرجل والمرأة أمام القانون، وهذا ما لا يقبله القانون السوري بأي شكل من الأشكال، فحسب قوانين الأحوال الشخصية التي تم تفصيلها على مقاس كل طائفة وديانة هناك اغتيال رسمي وتشريعي لمفهوم المواطنة، وعلى سبيل المثال يستطيع أي رجل سوري أن يتزوج أي امرأة سوريا في أي وقت يشاء، أما المرأة السورية فعليها فقط أن تتزوج من يقرر لها أبوها، أخوها أو طائفتها أو دينها أن تتزوجه. عندما يتزوج شخص من طائفة ما امرأة من طائفة أو ديانة أخرى يقع أهل الرجل في حرج، ليس لأنه تزوج منها، وإنما كما لو أنه سرق شيئاً ليس ملكه، شيئاً ما يقع تحت حيازة رجل آخر. كذلك الأمر إن أحب شاب فتاة وأحبته فقد أهان أهلها، لأنه اعتدى على ملكيتهم، هذه الملكية تسمى "شرف".
شريف القوم عادة في اللغة من وجهائهم، من يمتلك حيازة حازها بالوراثة أو الكسب، شرفاء القوم زعماؤهم وهم من أغنيائهم، والاعتداء على ممتلكاتهم هو اعتداء على شرفهم، لذلك الاعتداء على البلاد اعتداء على الشرف، ولذلك هناك الشرف الوطني، والحيازة قد تكون مالاً وأملاكاً، أو مكانة اجتماعية أو دينية، أو امرأة. شرف الرجل نساؤه، ولا شرف للنساء، وإن اعتديت على شرف رجل ما حل قتلك، لأنك اعتديت على ملكيته، حيث لا يجب أن تقربها إلا إن أذن لك، وليس المطلوب منها هي أن تأذن، القانون لا يقبل بإذنها. لذلك لا تتزوج المرأة من دون ولي، وهو من يمضي عقدها، فإن لم يكن لديها ولي، لجأ القاضي ليكون وليها، فلا بد أن يكون هناك رجل يمضي العقد.
نعود لجريمة القتل، هذا القتل دفاعاً عن الشرف له ضابطه القانوني الذي يشجع عليه في قانون العقوبات السوري، وأكثر من شجع عليه "الشريف الأول" في سوريا مجرم الحرب بشار الأسد، الذي أمر عام 2009 بتخفيف حكم مرتكبي جرائم الشرف لسنتين، ثم تم رفعها بالمرسوم الجديد لإمكانية السجن لمدة سبع سنوات. المادة 548 من قانون العقوبات المتعلقة بالتبرير لتلك الجرائم تبدأ نصها بفعل "يستفيد"، حيث "يستفيد من العذر المخفف" من فاجأ إحدى نسائه (زوجته، أخته، ابنته..). إذاً هو سيستفيد، وكأن القانون يمنحه جائزة لفعله، يخبره مسبقاً أنه سيستفيد. قاتلو فتاة الحسكة وأمثالهم من حيث المبدأ سيستفيدون.
إهانة الرجل في سوريا تكون بشتمه في إحدى نسائه، لأن الشتيمة أيضاً اعتداء لفظي على الملكية. كثيرون يضربون نساءهم، يزوجونهن، لا يورثونهن، يقتلونهن، ولكنهم لا يسمحون لآخر بشتمهن، فهن ملك لهم، يفعلون ما يشاؤون بهن، على أن الآخر لا يحق له ذلك، فهو لا يملك. تضع يدك بيد ولي الفتاة لتتزوجها، يخبرك أنه زوجك ابنته، وترد بقبولك، وتنتقل من ملك يمينه ليمينك.
تخلع فتاة حجابها يهاجمها المجتمع بغالبيته، ويقرعها لأنها نسيت فروض الله، يقرعها ويأخذ سيلفي جميل له على شاطئ البحر مثلا بالبوكسر، يقرعها وينشر في منشورات أخرى صور لفتيات شبه عاريات ويكتب جملة ليتفاعل معه أصدقاؤه بوضع "أضحكني" لأن تلك النساء بتن بالنسبة له مشاعاً، خرجن عن ملكية الرجال، يستطيع تناولهن بغض النظر عما يقول الله أو تقول فروضه. يقرعها لخلعها الحجاب ويعذر في الوقت نفسه قتل طفلة الحسكة التي "سببت لنفسها ذلك".
الرجال "المعتدلون المنفتحون" أو الذين يظنون أنهم كذلك يحضون باقي الرجال "المحافظين الملتزمين" أو الذين يظنون أنهم كذلك على احترام المرأة لأنها "الأم والأخت والزوجة والابنة والعمة والخالة والجدة..." وقل ما شئت من صفات عنها، هناك شرط وحيد، أن ترتبط كل تلك الصفات بالرجل.
لا يدري صاحب الجوهرة أن المرأة لا تريد الخروج للشارع لتمتع أنظار الآخرين. تريد أن تخرج لتعمل، لتدرس، لتشارك في الحياة
يجب أن تبقى المرأة في المنزل، يقول بعضهم لأنها جوهرة، ومن عنده جوهرة لا يسمح للآخرين برؤيتها، حتى لا يطمعوا بها. قد تكون بالنسبة له جوهرة رائعة، لكنها وبتمام روعتها تبقى حيازة يخاف أن يسرقها أحدهم منه. مهمة تلك الجوهرة أن تمتع ناظريه فحسب. لا يدري صاحب الجوهرة أن المرأة لا تريد الخروج للشارع لتمتع أنظار الآخرين. تريد أن تخرج لتعمل، لتدرس، لتشارك في الحياة، فالجواهر في نهاية المطاف كائنات غير حية. المرأة على العكس من ذلك كائن حي ليس محدود الاستخدام (طبخ، أولاد، جنس).
يعترض كثير من الرجال على سلوكيات النساء "الغريبة" عند وصولهن لدولة أوروبية، وعن نسبة الطلاق المرتفعة. يتذرعون بأن ذلك نتيجة الرذيلة والانفلات في تلك البلاد، لم يدركوا يوماً أنهن فعلن ذلك لأنهن مطمئنات لأن هناك من يحميهن، يدافع عنهن، الدولة. هذا ما كان ينقصهنّ في بلد مثل سوريا، الدولة. تلك الدولة التي ترى كل مواطنيها مواطنين، دون النظر إلى جنسهم.
في سوريا سلطة استبدادية وضعت قانونا يساهم بتعميم الاستبداد، ويجعل الاستبداد على طبقات، مجتمع يتغول على بعضه، وكل فرد منه يسعى لامتلاك الآخر ليعلو طبقة، وأضعف الشرائح في هذا المجتمع النساء. مجتمع طبقي تحدد فوارقه الطبقية القدرة على الاستبداد، ونساؤه هي أشبه بطبقة العبيد. لا حق لهن حتى في الحياة، كل ما يكلف الرجل في هذا المعتقل الضخم لينتهي من أمر طفلة تتلوى ألماً جملة واحدة "اضربها برأسها حتى تموت". جملة واحدة ورصاصة.