أحيت "جمعية العاديات السورية" الذكرى المئوية الأولى لتأسيسها في مدينة حلب، بحضور عدد من رؤساء فروع الجمعية في المحافظات، بالإضافة إلى ممثل رئيس النظام السوري ومدير "الأمانة السورية للتنمية" في المحافظة.
وأقيم في مسرح دار الكتب الوطنية بحلب، أمس الأربعاء، احتفالاً خاصاً بمرور 100 عام على تأسيس جمعية العاديات التي وجدت بهدف الحفاظ على التراث الحضاري المهم لسوريا بجوانبه كافة، حيث انطلقت من حلب إلى عدد من المحافظات بـ17 فرعاً، رغم الظروف والتحديات التي واجهتها خلال مسيرتها في عملها بالحفاظ على التراث السوري الذي تعرض لأضرار طبيعية وبشرية مختلفة.
وقال رئيس الجمعية محمد خير الدين الرفاعي في كلمته الاحتفالية، إن الجمعية لم تسعَ فقط للحفاظ على التراث المتمثل بالمعالم والمواقع الأثرية والتاريخية، بل سعت أيضاً للحفاظ على القيم الثقافية والمجتمعية والوطنية والإنسانية التي أبدعت هذا التراث من خلال الحض على العلم والعمل بإخلاص وإعلاء قيم الإخاء الإنساني والتسامح الديني، منوهاً بدور الإدارات المتعاقبة في الجمعية، وآخرهم الرئيس الفخري للجمعية الباحث الراحل "محمد قجة".
وتستمر الاحتفالية من خلال العديد من الأنشطة والفعاليات والندوات الثقافية والمعارض والعروض الفنية في دار الكتب الوطنية ومقر جمعية العاديات، وفي منارة حلب القديمة.
كيف تأسست جمعية العاديات؟
وجمعية العاديات السورية مؤسسة أهلية تعنى بالتراث العمراني والآثاري واللامادي في سوريا، تأسست في مدينة حلب عام 1924 بهدف حماية قلعة حلب في بادئ الأمر ومن ثم استمرت كجمعية هدفها الأساسي هو المحافظة على التراث المادي وغير المادي السوري. يتناول نشاطها مختلف الأراضي السورية، ولها فروع في مختلف المحافظات. وليس لها أي تدخل في الشؤون السياسية والدينية.
بدأت الجمعية في البداية باسم "جمعية أصدقاء القلعة والمتحف"، حيث كان السبب المباشر لنشوئها ما حدث في أثناء الانتداب الفرنسي. حينذاك، تمركزت حامية فرنسية داخل قلعة حلب، وقد أقدم رئيسها على تفكيك محراب موجود في جامع إبراهيم الخليل في القلعة، وهو محراب يعود إلى الفترة الزنكية والذي يُعتبر آية فريدة في الجمال، ولا يوجد سوى محراب واحد في العالم شبيه له ما يزال حتى الآن موجوداً في "المدرسة الحلوية".
نتيجة لهذه السرقة، أقدمت مجموعة من المثقفين في المدينة من مختلف الخلفيات السياسية والاجتماعية على تأسيس جمعية هدفها صيانة الآثار والأوابد الأثرية والتعامل مع التراث بشكل عام، والتي انطلقت رسمياً في عام 1924. واستمرت الجمعية بالعمل تحت هذا الاسم وكان لها مساهمة في إنشاء متحف حلب فيما بعد.
تعد الجمعية الأولى من نوعها في سوريا التي تعمل في هذا المجال، منطلقة من حلب. وفي عام 1931، رغب أعضاء الجمعية بتغيير اسمها القديم وجعله أكثر عمومية، ليشمل الأهداف التي كانت تعمل الجمعية عليها، فتمّت تسميتها بـ "جمعية العاديَّات"، حيث هذه الياء للنسبة، فمفرد كلمة "عاديّات" هي "عاديّ"، والتي تعبر عن ما ينتسب إلى "عاد"، أي الموغل في القدم، وقد كانت هذه الكلمة (العاديّـات) مستخدمةً على نطاق واسع في المنشورات الأدبية حينذاك.
بيان التأسيس والمؤسسون
البيان الأول للجمعية أشار إلى الحفاظ على الثقافة الأثرية وزيارة الآثار والسياحة فيها وما إلى ذلك. ويشمل التراثُ المادي الآثارَ والأوابد التاريخية الموجودة في المدينة، أما غير المادي فهو العادات والتقاليد والطقوس والعلوم والتعامل مع الطبيعة والطبخ وتقاليد الأعراس، وكل ما هو منقول من ممارسات وعادات غير ملموسة بما يبدو أقرب إلى مفهوم التراث.
وكان المؤسسون الأوائل من مختلف الجهات والاتجاهات، ويمثلون التنوع الثقافي والاجتماعي في حلب. إذ ضمّت الجمعية حينذاك شيوخاً وعلماء كبار مثل الشيخ راغب الطباخ والشيخ كامل الغزي والمؤرخ خير الدين الأسدي، كما كانت تضم آباء مثل الأب جبرائيل رباط، بالإضافة إلى شخصيات أخرى مثل أدولف بوخا -المواطن النمساوي الذي استقرت عائلته في سوريا منذ أجيال.
هذه التنويعة من التوجهات والثقافات هي التي رسمت خط جمعية العاديات منذ تأسيسها حتى اليوم، إلا أن النظام لا يفتأ يعمل على التحكّم في أنشطتها وإدارتها وأعضائها، كما هي الحال في جميع المؤسسات الأهلية العاملة في مناطق سيطرته. كما أن النظام ساهم في نهب التراث المادي، وهرّب قسماً كبيراً منه من خلال بيعه بالسوق السوداء، وما لم تتمكن من الحصول عليه، أقدمت على تدميره بحجة محاربة الإرهاب.
تضرر مبنى الجمعية التاريخي بفعل زلزال السادس من شباط المدمر، وما تزال أعمال التدعيم والترميم مستمرة في محاولة لإنقاذ جدرانه وواجهاته الأثرية المتصدعة.