تَصدر اسم إياد الغريب اللاجئ السوري والمنشق عن نظام الأسد أخيراً عدداً كبيراً من الصحف والمواقع الإخبارية الألمانية والعربية، وجاء ذلك بعد أن قامت السلطات الألمانية باعتقاله وتوجيه التهم له على أنه "مجرم حرب" وأنه متهم بتعذيب ثلاثين سورياً في بلاده.
وتُعد هذه المحكمة التي يحاكم بها كل من أنور رسلان وإياد الغريب هي الأولى من نوعها في العالم، حيث إنه ستقوم السلطات الألمانية بمحاكمة أشخاص عملوا في المؤسسة العسكرية في سوريا والتي ارتبط اسمها منذ انطلاق الثورة السورية بشكل مباشر بالانتهاكات وجرائم القتل والقمع. ولم يسبق أن يُقَدم ضباط منشقون وغير منشقين كانوا يعملون لدى تلك المؤسسة إلى العدالة في أي بلد في العالم.
إياد الغريب ورحلة الوصول إلى أوروبا
كان إياد الغريب صف ضابط (مساعد أول) تحت إمرة حافظ مخلوف في فرع التحقيق رقم 41 بدمشق، ويعتبر من أحد الأشخاص المقربين جداً من حافظ مخلوف، وفي نهاية عام 2011 انشق الغريب عن جهاز المخابرات الذي كان يعمل به، وبعدها هرب مع عائلته إلى مخيمات اللجوء في مدينة حرّان التركية وعاش هناك في ظروف مادية قاسية جداً.
في عام 2013 غادر إياد الغريب سوريا متجهاً مع عائلته إلى تركيا، ثم قرر بربيع عام 2016 عبور البحر مع أفراد عائلته متجهاً إلى ألمانيا، ولكن ولسوء حظه تم صدور قرار إغلاق الحدود اليونانية في عام 2016 بوجه اللاجئين، وعلق إياد وعائلته في اليونان مدة تقارب السنتين.
اقرأ أيضاً: محكمة كوبلنز: النيابة تطلب سجن إياد الغريب
وفي شهر نيسان من عام 2018 نجحوا بالوصول إلى ألمانيا بعد كل هذه المشقة.
بداية قصة إياد الغريب في ألمانيا
بعد وصول إياد الغريب وعائلته إلى ألمانيا تقدم بطلب لجوء إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا كباقي السوريين الذي قدموا إلى ألمانيا.
وهنا بدأت رحلة إياد الغريب في ألمانيا تزداد سوءاً عندما ذهب إلى جلسة الاستماع تلك لشرح أسباب قدومه ولجوئه إلى ألمانيا بعد دعوته من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا.
ففي تلك الجلسة شرح إياد بشكل مفصل عن طبيعة عمله في سوريا وأنه كان يعمل بوصفه صف ضابط في فرع التحقيق رقم 41 بدمشق وعن انشقاقه، فلم يكن يعلم إياد الغريب أن جلسة الاستماع تلك ستكون مقدمة لحكاية جديدة.
المعلومات التي أدلى بها إياد الغريب في جلسة الاستماع أصبحت السبب الرئيسي لقيام السلطات الألمانية باعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة "مجرم حرب".
إياد الغريب ومسار المحكمة
بعدما ألقت السلطات الألمانية القبض على إياد الغريب ووجهت تهمة جريمة حرب له بناء على أقواله التي أدلى بها لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين من قبل النائب العام الألماني، قدم محامي الدفاع مباشرةً طلباً لإخلاء سبيل الغريب بحجة أنه لا يحق أن تستخدم أقوال الغريب التي أدلى بها أمام المكتب الاتحادي للهجرة و اللاجئين والتي تعد بالنسبة للغريب هي الأسباب التي تقدم بها للحصول على حق اللجوء والإقامة في ألمانيا ضده في المحكمة لدى النائب العام الألماني، وبذلك تم بالفعل إخلاء سبيل الغريب، وبعدها في منتصف عام 2019 عاد النائب العام الألماني وأصدر بحق إياد الغريب مذكرة تحقيق جنائية جديدة، ولكن في هذه المرة حضر إياد الغريب برفقة محاميه، وتذكر مصادر أن الغريب حاول جاهداً تغيير وتعديل أقواله التي صرح بها خلال جلسة الاستماع لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين خلال تلك الجلسة، و لكن كانت النتيجة هي إعادة اعتقاله مرة ثانية، وتوجيه التهم إليه بأنه متورط بتعذيب 30 شخصاً.
اقرأ أيضاً: ألمانيا: شهود جدد ومحكمة كوبلنز تعلن البت بقضية إياد غريب
وتذكر المصادر، أن إياد الغريب قال أمام الشرطة الجنائية الألمانية (BKA): إنه لمّا كان على رأس عمله تلقى أمراً بقتل المدنيين، فقال: "لم أرغب في قتل أبناء بلدي" ولهذا السبب قرر الغريب أن ينشق ويهرب عائلته.
وبحسب ما نقلت صحيفة تاتس الألمانية عن المحامي ماتياس شوستر (محامي الدفاع) أنه قدم صورة مختلفة عن موكلهِ، وأن إياد انشق عن النظام وأدلى بتصريحات مستفيضة للسلطات الألمانية، والحجة الحاسمة التي تقدم بها محامي الدفاع هي ما يسمى "حالة الطوارئ المبررة" وهي أحد شروط الطوارئ السارية في القانون الجنائي الألماني والتي تنص على الآتي: يرتكب شخص ما جريمة جنائية تجنباً لخطر لا مفر منه قد يهدد حياته الشخصية أو حياة أحد أقربائه.
ويقصد بذلك أن إياد الغريب قام بفعل غير مشروع في أثناء عمله في جهاز المخابرات مثل عمليات التعذيب، القتل، الاضطهاد، الاعتقال.. إلخ لا يجب أن يحاكم على ذلك لأنه قام به حفاظاً على حياته الشخصية أو حياة عائلته، فإذا رفض الغريب تنفيذ تلك المهام التي قد تكون أوكلت إليه قد يفضي به الأمر إلى الموت بسبب عدم تنفيذ الأوامر.
وأطلق على المحكمة فيما بعد اسم "محكمة الخطيب"، ليصبح إياد الغريب وأنور رسلان أول شخصين يقدمان أمام القضاء ويحاكمان بتهم الاشتباه بارتكاب جرائم حرب في سوريا لمصلحة نظام الأسد.
البت والحكم في قضية إياد الغريب
أعطت المحكمة العليا في ألمانيا محامي الدفاع عن إياد الغريب موعداً في 18 شباط الجاري للقيام بتقديم المرافعة الأخيرة عن المتهم، وحددت أيضاً يوم 24 شباط الجاري موعد جلسة النطق بالحكم بحق المتهم إياد الغريب.
اقرأ أيضاً: القضاء الألماني يستخدم "صور قيصر" كأدلة في محاكمة "كوبلنز"
والجدير بالذكر، أن ألمانيا تُعد من البلدان التي يستطيع القضاء بها من خلال قانون الولاية القضائية العالمية أن تُحاكم مجرمين قاموا بجرائم ضد الإنسانية أو شاركوا بجرائم حرب حتى ولو تم ارتكاب تلك الجرائم أو الانتهاكات خارج الحدود الجغرافية الألمانية. فقد سُن هذا التشريع في عام 2002، ومن هذا المبدأ القانوني يُحاكم كل من إياد الغريب وأنور رسلان بتهم ارتكاب جرائم حرب في ألمانيا.