انعكس انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات سلباً على سكان مدينة جرابلس وما حولها في ريف حلب الشرقي، ومناطق شرقي الفرات بالعموم، ومن أبرز المشكلات التي تواجه المدنيين، النقص في ساعات وصول مياه الشرب إلى المنازل، وشح المياه المخصصة لري المزروعات على ضفتي النهر.
وأكد المجلس المحلي في مدينة جرابلس أن انخفاض منسوب الفرات انعكس على توفير مياه الشرب في المدينة، حيث أدى ذلك إلى تشغيل محطة واحدة لضخ المياه، ما استدعى تقسيم المدينة إلى منطقتين لكي يتمكن من ضخ المياه لجميع السكان بالتناوب، حيث يأتي نصيب كل منطقة خلال 24 ساعة.
نقص في مياه الشرب
قبل انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، كانت مياه الشرب تصل إلى منازل المدنيين على مدار 24 ساعة، وحالياً يستفيد السكان من المياه ضمن الساعات التي حددها المجلس المحلي في مدينة جرابلس (24 ساعة لكل منطقة).
وذكر أسامة الجابر - أحد القاطنين في مدينة جرابلس - لموقع تلفزيون سوريا أنه يضطر لشراء المياه من الصهاريج، بسعر 7 آلاف ليرة سورية للخزان الواحد (10 براميل)، بعد أن كان سعره في وقت سابق 3500 ليرة.
وأضاف الجابر أن أصحاب بعض الآبار، رفعوا أسعار المياه على سائقي الصهاريج بعد انحسار مياه الفرات، الأمر الذي فاقم معاناة مئات العوائل، ممن تقطن على أطراف مدينة جرابلس ولا تصلها المياه المدعومة من المجلس المحلي، أو النازحين في المخيمات بمحيط المدينة.
المزارعون أكبر المتضررين
ألقى شح المياه بظلاله الثقيلة على المزارعين في المناطق القريبة من نهر الفرات، سواء غربه أو شرقه، وخرج كثير منهم هذا الموسم بخسائر كبيرة لهذا السبب، إلى جانب قلة الأمطار في العام الماضي.
وقال المزارع المقيم في جرابلس أبو أحمد إن الخوف سيطر على عشرات المزارعين، إذ أحجم كثيرون منهم عن زراعة مساحات واسعة من الأراضي، بسبب التكاليف الكبيرة المطلوبة لشراء البذور، ودفع الأموال للعمال، في حين إن الربح غير مضمون نظراً لقلة المياه المخصصة للسقاية.
وأضاف في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الشخص الذي كان يزرع 10 هكتارات من الأراضي في المواسم الماضية، يزرع اليوم هكتاراً واحداً، ليكفي أسرته ذاتياً من الخضراوات، وليس بغرض التجارة والبيع.
وأشار إلى عدم وجود مياه كافية لسقاية المساحات الكبيرة من الأراضي، مضيفاً أن البعض يعتمد مؤقتاً على المياه المتجمعة في المستنقعات والحفر في نهر الفرات لري مزروعاتهم، إلا أن تلك المياه تنفد بعد ساعات من تشغيل المضخات.
قلة الأسماك في النهر
كان العشرات من صيادي الأسماك يتجمعون على ضفتي نهر الفرات على أمل العودة إلى المنزل في المساء بعدة أسماك يطعمونها لأطفالهم، وبيع قسم منها في الأسواق، لكن الوضع بات مختلفاً في العام الحالي، بحسب صائد الأسماك أبو مرعي - المهجر من مدينة دير الزور والقاطن في جرابلس-، الذي قال لموقع تلفزيون سوريا إن الموسم الحالي من أسوأ المواسم بالنسبة للصيادين، إثر الانحسار الكبير الذي شهده نهر الفرات، بالتالي قلة الأسماك وندرتها في بعض الأحيان.
وأفاد "أبو مرعي" بأن مهنة صيد الأسماك تعتبر "باب رزق" لكثير من العوائل في ريف حلب الشرقي، وينذر استمرار منسوب المياه في نهر الفرات بالانخفاض، بفقدان تلك العوائل لدخلها، خاصة أن الأسواق حالياً خالية من السمك لعدم توفرها بالنهر أصلاً.
تخوف أمني
يتخوف عدد من الأهالي القاطنين بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات في جرابلس، من تسلل أفراد من "قوات سوريا الديمقراطية" إلى المدينة سيراً على الأقدام، مستغلين انخفاض المياه في النهر.
ووفقاً لـ محمد فياض - أحد سكان جرابلس -، فإن عمق المياه في أجزاء من نهر الفرات لا يتجاوز متراً واحداً فقط، الأمر الذي ربما يدفع قوات "قسد" المتمركزة على الضفة الشرقية للنهر، إلى التسلل للضفة الغربية من الفرات، حيث يسيطر الجيش الوطني السوري، بهدف إدخال عبوات ناسفة أو دراجات نارية ملغمة إلى المنطقة.
ضعف في الإقبال على النهر بغرض التنزه
يقصد أهالي مدينة جرابلس وما حولها نهر الفرات، للترويح عن أنفسهم والاستمتاع بالأجواء الهادئة، بعيداً عن صخب المدن، بالرغم من الانخفاض الكبير في منسوب النهر.
وفي عيد الفطر اتجه مئات المدنيين إلى النهر، مصطحبين معهم الطعام والشراب، لقضاء جزء من الوقت على ضفاف الفرات، والسباحة في مياهه.
وذكر عثمان محمد - المهجر من بلدة الشيوخ الفوقاني والقاطن في جرابلس - أن نهر الفرات "عالم آخر"، ويقصده المئات يومياً، هرباً من معترك الحياة وهمومها.
وأوضح "محمد" خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن زيارة نهر الفرات وخاصة في العيد تعتبر شيئاً أساسياً وأمراً لا يمكن الاستغناء عنه لدى غالبية السكان في المنطقة (جرابلس وما حولها)، إضافة لكونه مقصداً للعشرات من سكان مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، ممن يقطعون عشرات الكيلومترات لزيارة النهر.
وانخفض منسوب النهر بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، وبحسب "محمد" فإن ذلك انعكس سلباً على المنطقة، إذ انخفضت نسبة الإقبال على زيارة النهر مؤخراً.
وتابع: "في السنوات الماضية كان الآلاف يتجمعون على الضفة الغربية للنهر في جرابلس، وكان العشرات منهم يأتون من مدينة إدلب وريفها، رفقة أهلهم وعائلاتهم، لكن الإقبال حالياً يقتصر على الأهالي في جرابلس فقط، وبعض المدنيين في محيطها، وذلك بسبب انخفاض منسوبه وضعف تدفقه مقارنة بالسابق".
عوامل أسهمت في انخفاض المنسوب
قال الصحفي زاهر هاشم المختص بقضايا البيئة، إن مناخ سوريا بشكل عام، مناخ قاحل إلى شبه قاحل، ولا تزيد معدلات هطول الأمطار في المناطق الشرقية من البلاد عن 200 ملم سنوياً، ولذلك فإن الجفاف يتفاقم نتيجة عدم تعويض الفاقد المائي بمياه الأمطار.
ويبلغ متوسط نصيب الفرد في سوريا من المياه ما يقارب 700 متر مكعب في السنة، وهذا يعني تصنيف سوريا دولة فقيرة مائياً بحسب المعايير العالمية.
ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ لفترات طويلة، إلى جعل المناطق الجافة أكثر جفافاً، حيث تتبخر المياه بسرعة أكبر، ويزداد خطر الجفاف ويطول أمده، ويؤكد "هاشم" أن زيادة الكثافة السكانية شمال وشمال شرقي سوريا نتيجة موجات التهجير والنزوح القسري، أدت إلى زيادة النشاطات البشرية في حوض النهر، ما أدى إلى زيادة الفاقد المائي لمياه الفرات، وتفاقم الجفاف.
وذكر "هاشم" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن من الأسباب التي أدت إلى انخفاض منسوب نهر الفرات، استنزاف المياه في الزراعة، واتباع سياسات تقوم على الزراعات المروية والزراعات المبذرة للمياه مثل القمح والقطن، واعتماد طرق ري تقليدية تقوم على إغراق المزروعات بالمياه، كما يعتبر نقص الوارد المائي من المنبع والتحكم بكمية المياه الداخلة إلى سوريا، نتيجة عوامل مناخية تسود بلد المنبع أيضاً (تركيا)، من أهم أسباب انخفاض منسوب مياه النهر.
الآثار البيئية
أفاد "هاشم" بأن انخفاض مستوى المياه في حوض النهر، يؤدي إلى زيادة تركيز الملوثات الصناعية والملوثات الناتجة عن الصرف الصحي، وكذلك زيادة ملوحة المياه، ما يجعلها غير صالحة لري المزروعات والشرب.
وينتج عن نقص مستوى المياه، وزيادة تركيز الملوثات فيها أيضاً، نفوق كميات كبيرة من الثروة السمكية، والتي تشكل غذاءً رئيسياً للسكان، كما تسبب الأسماك النافقة أيضاً تلوثاً عضوياً يضاف إلى الملوثات الموجودة في النهر.
وتشكل هذه الملوثات أخطاراً صحية للسكان سواء عبر مياه الشرب أو عبر تناول المزروعات التي تروى بهذه المياه الملوثة، أو انتقال الملوثات إلى الأسماك التي يتغذى عليها السكان.
ولفت "هاشم" إلى آثار طويلة الأجل للجفاف الذي يطول أمده على النظم البيئية، حيث يؤدي ذلك إلى تسارع تدهور الأراضي، والتصحر، وفقدان موارد المياه والأراضي المنتجة بشكل كامل، وخطر نشوب نزاعات محلية بشأنها.
آثار اقتصادية
بحسب "هاشم"، يؤدي انخفاض منسوب نهر الفرات إلى توقف محطات ضخ المياه على ضفاف النهر التي تروي المحاصيل، وبالتالي تلف مساحات واسعة منها، ما يهدد الأمن الغذائي للمزارعين.
وإلى جانب ذلك، يؤدي انخفاض المنسوب إلى توقف محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، وتوقف النشاطات الاقتصادية وتوقف محطات ضخ ومعالجة مياه الشرب والري التي تعتمد على الكهرباء، وتوقف محطات معالجة الصرف الصحي، ما ينذر بكارثة بيئية واقتصادية كبيرة، علاوة على نقص إمدادات المياه على المدى الطويل، ما يؤدي إلى سوء التغذية واعتلال الصحة على نطاق واسع.
ما الحلول؟
ينصح "هاشم" بإعطاء الأولوية لتأمين مياه شرب نظيفة للسكان، وتأمين استمرار عمل محطات الطاقة الكهربائية بالاعتماد على حلول بديلة وسريعة، منعاً لحدوث كارثة بيئية وإنسانية.
وأوضح أن معالجة آثار الجفاف والتأهب لهذه الكوارث يحتاج إلى وضع سياسات سكانية وزراعية، ووضع تدابير استباقية ونهج لإدارة المخاطر، وترشيد استخدامات الموارد المائية، وتقليل الفواقد بها، وتحسين أساليب الري باستخدام التكنولوجيا الحديثة، لكن هذه التدابير لا يمكن البدء بتطبيقها في الوقت الحالي، نتيجة الظروف السياسية والعسكرية في المنطقة.
وفي 16 من أيار الجاري قال المسؤول في الإدارة العامة للسدود في منطقة شمال شرقي سوريا، محمد طربوش، في تصريح لوكالة "هاوار" إن منسوب نهر الفرات شهد "انخفاضاً تاريخياً"، لتبلغ نسبة الوارد المائي المتدفق إلى الأراضي السورية 185 متراً مكعباً في الثانية.
وينبع نهر الفرات من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري في الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب، ووقعت تركيا وسوريا اتفاقية في عام 1987، نصت على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلاً سنوياً من المياه يزيد على 500 متر مكعب في الثانية للجانب السوري، وبعد ذلك بعامين اتفق الجانب السوري مع العراقي على تمرير 58 في المئة من مياه الفرات نحو الأراضي العراقية مقابل 42 في المئة لسوريا.