كادت البشرية أن تنسى اسمه وتمحوه من ذاكرة شعوبها بعد مرور أكثر من نصف قرن على آخر جائحة له تصيب العالم. ومنذ ذلك الوقت، لم يعد لمرض الكوليرا ذاك الرعب المهول وتلك الخطورة المميتة التي لازمت اسمه طيلة القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20.
فمع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، تمّ القضاء فعلياً على الكوليرا في معظم البلدان، الكبرى منها والصناعية بل والنامية أيضاً، بفعل التطور الذي طرأ على الخدمات الطبية وأساليب الصرف الصحي الحديثة ومعالجة المياه وتدوير النفايات... وغيرها من التحسينات فيما يخص الجانب الخدمي، بالإضافة طبعاً إلى إيجاد اللقاح المضاد للمرض واعتماده من قبل منظمة الصحة العالمية، وتأمينه، وانتشاره الواسع في مختلف بلدان العالم.
وفي الوقت الذي كان العالم فيه يستعد لتجاوز محنة "كوفيد- 2019" وجائحته الأولى وموجاتها، يبدأ ضوء الإنذار الأحمر بالإقلاع من جديد، محذراً من جائحة محتملة للكوليرا، ومعيداً إلى الأذهان هبوب "الريح الصفراء" المميتة (بحسب التسمية المغاربية للمرض). فهل نحن اليوم على أعتاب جائحة ثامنة للوباء تحت اسم "كوليرا- 2022"؟
وباءات الكوليرا السبعة
منذ ظهور المرض في بدايات القرن الـ19 وحتى العام الماضي (2021)، اجتاح فيروس الكوليرا العالم 7 مرّات، متسبباً بوفاة عشرات الملايين من سكانه.
وخلال الأوبئة الثلاثة الأولى (بين 1816 و1860)، قُدّرت الوفيات في الهند لوحدها بأكثر من 15 مليون شخص. كما تُوفي 23 مليون آخرين خلال الأوبئة الثلاثة التالية (بين عامي 1865 و1917). وقد تجاوزت حالات وفاة الكوليرا في الإمبراطورية الروسية خلال تلك الفترة الزمنية المليوني شخص.
ففي الوباء الرابع (1863–1875) الذي انطلق من الهند أيضاً، من دلتا نهر الغانج في إقليم البنغال، فقد وصل المرض إلى الشرق الأوسط عبر الحجاج المسلمين وهم في طريقهم إلى مكة المكرمة. فأودى الوباء في سنته الأولى بحياة 30.000 شخص من أصل 90.000 حاج بمكة.
وانتقل الوباء بعد ذلك إلى روسيا (وفاة 90 ألف شخص أيضاً)، ثم أوروبا (وفاة 165.000 شخص في النمسا عام 1866، و113 ألفاً في إيطاليا، و30 ألفاً في المجر وبلجيكا، و20 ألفاً في هولندا، وفي لندن نحو 6 آلاف).
وعندما وصل الوباء إلى شمالي أفريقيا في عام 1865 تسبب بمقتل 80 ألفاً في الجزائر، وعندما انتقل إلى جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى في الأعوام التالية تسبب بمقتل نحو 70 ألفاً في زنجبار.
وفي أميركا الشمالية، فقد نحو 50 ألف شخص حياتهم في المناطق المنتشرة على طول نهر المسيسيبي
وخلال الوباء الخامس (1881–1896)، توفي نحو ربع مليون شخص في أوروبا و50 ألفاً في الأميركتين، ونحو 267 ألفاً في روسيا و120 ألفاً في إسبانيا، و90 ألفاً في اليابان، وأكثر من 60 ألفاً في إيران، ونحو 58 ألفاً في مصر.
ولم تتأثر أوروبا خلال انتشار الوباء السادس (1899–1923) نتيجة التقدم في أساليب الوقاية والطب والصحة العامة والمرافق، بينما توفي نحو نصف مليون شخص في روسيا لوحدها.
الوباء السابع/ الأخير وعلاقته بحيّ "بيرم باشا" في إسطنبول
وبالرغم من التطور الذي طرأ على تقنيات معالجة مياه الشرب وتنظيم التصريف الصحي ضمن مدن وبلدات العالم، ناهيك عن انتشار اللقاح المضاد وما ترتب عليه لاحقاً من "مناعة القطيع"، إلا أن العالم مرّ بوباء سابع قبل نحو 60 عاماً (1961–1975). وبالرغم من محدوديته وانخفاض وفياته مقارنة بالوباءات السابقة، إلا أنه وجّه تحذيراً للبشرية مفاده أن مرض الكوليرا لا يفتأ أن يظهر مجدداً كلما تمّ التهاون بالبيئة الحاضنة له.
انتشر ذلك الوباء انطلاقاً من إندونيسيا، ووصل إلى باكستان الشرقية وبنغلاديش ثم إلى الهند، فالاتحاد السوفياتي. ثم اتجه صوب شمالي أفريقيا، وبعدها إلى إيطاليا (عام 1973). وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي تفشى المرض قليلاً في اليابان وجنوب المحيط الهادئ. وجاءت أيضًا العديد من التقارير عن تفشي وباء الكوليرا بالقرب من باكو في عام 1972.
ومن الأحداث المرتبطة بالوباء في ذاكرة أهالي إسطنبول، كان تفشي الكوليرا في منطقة "ساغمالشيار" الفقيرة في إسطنبول نتيجة التوصيل غير الصحيح لأنظمة الصرف الصحي والمراحيض للمباني، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً. وفي نهاية المطاف أدى الحادث إلى إعادة تسمية المنطقة إلى اسمها الحالي منطقة "بيرم باشا" من قبل السلطات التي تعرضت لانتقادات قاسية حينذاك، وذلك لنسيان الاسم القديم المرتبط بجائحة الكوليرا.
لقاح الكوليرا و"مناعة القطيع"
وبموازاة تطوّر خدمات التصريف الصحي والنظافة ومعالجة مياه الشرب، تم تطوير لقاح الكوليرا منذ أواخر القرن الـ19، وما لبثت منظمة الصحة العالمية أن أدرجته ضمن قائمة الأدوية الأساسية المعتمدة لديها في بدايات القرن العشرين. وهو عبارة عن لقاح (فموي) يستخدم للوقاية من مرض الكوليرا. وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، يكون اللقاح فعالاً بنسبة 85 بالمئة تقريباً خلال الأشهر الستة الأولى من انتشار المرض، وبنسبة نحو 50-60 بالمئة خلال السنة الأولى.
وتنخفض فعالية اللقاح بنسبة تقل عن 50 بالمئة بعد السنتين الأولى والثانية، وذلك عندما يتم تحصين عدد كبير من السكان ضد المرض، فقد يستفيد أولئك الذين لم يتم تحصينهم من "مناعة القطيع"، بصورة مشابهة تماماً لما يحدث اليوم مع جائحة كورونا التي مر على ظهورها وانتشارها أكثر من سنتين؛ ويبدو أن الدول اقتنعت أخيراً بفكرة مناعة القطيع بخصوص كورونا أيضاً بعد العديد من عمليات حظر وإغلاق كلّي وجزئي أخرجت الناس عن طورهم.
كلا الحالتين المرتبطتين بالتطور الخدمي وتوفير اللقاح، ساهمتا في وقفٍ شبه كامل للمرض بصورة أشبه إلى القطيعة؛ فكيف يعود للظهور مجدداً اليوم؟ وما الأسباب التي جعلت من سوريا "بيئة حاضنة" ومصدّرة للكوليرا؟ وما منعكسات انتشاره، واحتماليات احتوائه أو إنهائه؟
سوريا.. انطلاقة جديدة للكوليرا تنذر بالوباء
بحسب ما تفيد مختلف المصادر والمراجع الطبية، فإن عدم معالجة مياه الشرب والنظافة، وتلوثها، بالتوازي مع نقص معالجة "البراز البشري"، تعدّ من أهم أسباب عودة الكوليرا وانتشارها، كما وأن الجثث التي تُلقى في المستوعبات المائية والينابيع ومجاري المياه تعتبر بمثابة مستودع طبيعي لوباء الكوليرا. ومن هنا ندرك ببساطة أسباب انطلاقتها الجديدة من بعض مناطق سوريا قبل استفحالها وانتشارها لتشمل كافة محافظاتها تقريباً، وتهديد دول الجوار.
فحرب النظام السوري التي شنها على السوريين، والتي تخطّت العقد من الزمن وأتت على مختلف المرافق الحيوية والبنى التحتية والفوقية في معظم المناطق السورية، إضافة إلى مئات آلاف القتلى. بالإضافة أيضاً إلى الإهمال الذي لحق بتلك المناطق بعد تدميرها وخروجها من سيطرة النظام، سواء في شمال شرقي سوريا أو شمال غربها، وعدم الالتفات إلى ترميمها من قبل أطراف النزاع فيها (قوات سوريا الديمقراطية- الجيش الوطني- هيئة تحرير الشام) التي أولت الجانب العسكري اهتمامها الكامل.
كل ذلك شكّل الأرضية المناسبة لعودة تفشي الكوليرا انطلاقاً من سوريا في منتصف فصل الصيف الأخير (أواخر شهر آب الماضي)، وتحديداً من مناطق شمال شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" والتي تضمّ المورد الأول للمياه في سوريا (نهر الفرات) وتفرعاته وقنواته المشقوقة بهدف ريّ الأراضي الزراعية واستخدامها للشرب أيضاً، بالإضافة إلى نهر الخابور وروافده الذي قضى الجفاف واستجرار المياه الجوفية على حصّته المائية القادرة على الجريان.
فظهرت الكوليرا بداية الأمر في أرياف محافظات دير الزور والحسكة والرقة، نتيجة التلوث الذي راح يغزو مياه نهري الفرات والخابور، ثم انتقلت إلى حلب التي تعتمد في جزء كبير من مياه شربها على ما يتم استجراره من مياه الفرات عبر مجرى صناعي أقيم لهذه الغاية منذ تسعينيات القرن الماضي، ثم اجتاحت بسرعة كامل البلد.
موجة الجفاف والسياسة المائية لتركيا
وساعد على انتشار المرض أيضاً، موجة الجفاف الشديدة التي ضربت المنطقة منذ 2019، ودفعت الناس إلى الحصول على مياه الشرب من مصادر معرضة للخطر من مياه الأنهار والقنوات المكشوفة في مناطقهم.
هذا الجفاف ترافق أيضاً مع تراجع جريان نهر الفرات بشكل ملحوظ بسبب السياسات المائية المتبّعة من جانب تركيا التي شملها الجفاف أيضاً نتيجة انخفاض شديد في مستوى هطول الأمطار ، فانعكست الكارثة على سوريا والعراق لا على تركيا التي خزنت حاجتها من المياه عبر مئات السدود. حيث شيدت 600 سد، و590 محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية، ومن بين هذا السدود 9 على نهر الفرات.
ومع تصاعد أعداد الإصابات وحالات الوفاة تدريجياً منذ آب، وعدم تسجيل تراجع أو ثبات في حالات الإصابة المسجّلة، بالإضافة إلى عبور حالات الإصابة الحدود لتصل إلى لبنان ودول إقليمية أخرى، يهيمن الخوف اليوم من تفشي الكوليرا على نطاق واسع، ويزداد هذا التخوف بين أوساط منظومة الرعاية الصحية المحلية التي أنهكتها سنوات النزاع.
من أصل 14.. الكوليرا تجتاح 13 محافظة سورية!
منظمة "أطباء بلا حدود" كانت قد حددت في وقت سابق مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا في مواجهة خطر تفشي وباء الكوليرا. وأشارت إلى أن المياه الملوثة والنقص الحاد بالاستجابة الإنسانية وأسباباً أخرى تهدد بانتشار المرض في جميع أرجاء سوريا، مؤكدةً أن وصول الأهالي إلى المياه الكافية والنظيفة لا يزال يمثل مشكلة مقلقة.
بدورها، قالت منظمة الأمم المتحدة، إن مرض الكوليرا تفشى في معظم أرجاء سوريا، حيث أصاب 13 محافظة من أصل 14 محافظة في البلاد، مضيفة أن قدرات الاختبار المحدودة، والنظام الصحي المختل إلى حد كبير يصعّب عملية التأكد من عدد الحالات إذ يقدر بأنه أعلى بكثير من الإحصائيات المعلن عنها.
أما الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية، فقال محذّراً خلال مؤتمر صحفي في منتصف الشهر الماضي: "لم نعد نشهد فقط المزيد من حالات التفشي، بل إنه تفش أشد فتكاً وحدّة". إذ تكشف تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن أعداد الإصابات بالكوليرا خلال هذا العام أتت أعلى بثلاثة أضعاف من متوسط المعدل السنوي للإصابات خلال السنوات الخمس الماضية.
إحصاءات المرض: مناطق سيطرة النظام السوري
ووفق آخر إحصاءات لحالات الإصابة والوفيات (الإجمالية) في مختلف مناطق السيطرة في سوريا، أفادت "وزارة الصحة" في حكومة النظام السوري أن عدد الإصابات التراكمية المثبتة حتى الـ22 من تشرين الثاني الجاري بلغ 1492 حالة، بينما بلغت الوفيات بسبب الإصابة 49 حالة.
وأوضحت الوزارة أن أكثر حالات الإصابة بالكوليرا سجلت في مناطق محافظة حلب الخاضعة لسيطرة النظام (909 حالات)، تليها دير الزور (224 حالة) ثم الحسكة (87 حالة). إلا أن اللافت في الموضوع هو مجيء محافظة اللاذقية، الساحلية والبعيدة كلياً عن مناطق التفشي، في المرتبة الرابعة بعدد إصابات بلغ 86 حالة، والسويداء -في أقصى الجنوب السوري- في المرتبة السابعة (26 إصابة) متقدمة على حمص ودمشق الأقرب جغرافياً من مناطق الوباء، ما ينذر بخطورة عدم إمكانية السيطرة على انتشار المرض واحتواء تفشيه على المدى القريب.
الكوليرا في شمال غربي سوريا وشمال شرقها
أما حالات المرض في مناطق شمال غربي سوريا بحسب آخر إحصائية، فقد ذكرت مديرية الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أمس الخميس، أن العدد الإجمالي للإصابات -بحسب ما نقلت عن جهات طبية- وصل إلى 384 حالة إيجابية مع استمرار تفشي المرض في شمال غربي سوريا. بينما بلغت الوفيات 12 حالة.
أما في شمال شرقي سوريا، فبالرغم من تشكيل تلك المنطقة البؤرة الرئيسة للوباء، إلا أن "الإدارة الذاتية" الجناح الخدمي لـ "قسد"، تتكتم على أعداد الإصابات والوفيات، كما أنها لم تصدر أي إحصاءات رسمية بخصوصها، في حين أنها تتابع إصدار الإحصاءات الخاصة بإصابات كورونا فقط.
وخلال العامين الأخيرين، تكررت شكاوى سكان مناطق شمال شرقي الفرات بحق التلوث الذي تشهده مدنهم وبلداتهم بسبب تراكم النفايات وانتشار المعامل والمصانع داخل الأحياء.
كما يتعرّض نهر الفرات لتلوث كبير نتيجة رمي النفايات في مجراه، ما تسبب خلال شهر أيلول –وحده- من العام الماضي، بتسجيل أكثر من 5 آلاف حالة تسمم غالبيتها من الأطفال بسبب شربهم من مياه الفرات.
كما منعت "الإدارة الذاتية" الصحفيين من التطرق لواقع النفايات والتلوث، حيث اعتقلت في شهر كانون الثاني 2021، مصور وكالة الصحافة الفرنسية دليل سليمان عن العمل بعد تصويره لمشاهد جوية تُظهر حراقات تكرير النفط في ريف القامشلي الشرقي، وكانت قد وجهت "الإدارة" لسليمان تنبيهاً في السابق على إثر تصويره لمكب نفايات بالقرب من حقول النفط بريف القامشلي، حيث تتجمع عشرات العوائل معظمهم نساء وأطفال وهم ينبشون القمامة بحثاً عما يسد جوعهم.
وكانت آخر إحصائية لعدد الإصابات والوفيات بالكوليرا في شمال شرقي سوريا قد سجلتها "شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة" منذ الـ21 من تشرين الأول الماضي، وذكرت فيها الشبكة أن إجمالي عدد الحالات المشتبهة في شمال شرقي سوريا وصل إلى 15 ألف و 190 حالة، مشيرة إلى أنه "لم ترد بيانات حديثة حول تسجيل عينات فحص إيجابية جديدة، وبذلك يستقر العدد الإجمالي المثبت حتى الآن على 150 عينة إيجابية، في شمال شرقي سوريا. أما حصيلة الوفيات (المعلنة) وصل إلى 28 حالة فقط".
دعوة لنجدة مخيمات شمال غربي سوريا وموقف المنظمات
وتبعاً لحالة الوباء المقلقة، أصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" بياناً في بداية هذا الأسبوع، وجّه من خلاله دعوة إلى الجهات المعنية في شمال غربي سوريا، من منظمات وهيئات إنسانية، لحماية المخيمات وسكانها من انتشار مرض الكوليرا. ولفت البيان إلى إن "نسبة المصابين داخل المخيمات تعادل أكثر من 25 في المئة من إجمالي الإصابات المسجلة في المنطقة".
وتابع: "لم نتفاجأ بظهور العديد من الإصابات، خاصة ضمن المخيمات، وهو ما كنا حذرنا من الوصول إليه، خاصة في ظل عدم اتخاذ إجراءات جدية وجذرية لمنع انتشار المرض من الدخول إلى هذه البيئة الهشة".
وبالرغم من ذلك، لم تلق الدعوات المتكررة والعاجلة استجابات فعالة من المنظمات والسلطات المحلية في شمال غربي سوريا، بحسب مدير برنامج اللقاح في "وحدة تنسيق الدعم/ ACU" الدكتور محمد سالم الذي كشف لتلفزيون سوريا أن مشاريع التمويل ما تزال وعوداً فقط، ولم تترجم إلى حقائق".
وأضاف سالم: "تم تفعيل 8 مراكز علاج للكوليرا. وبخصوص تمويل المشاريع الأممية فلا يوجد شيء جديد حتى الآن".
وبالنسبة للقاح، أوضح سالم أنه "تم تخصيص مليوني جرعة لقاح ضد الكوليرا لكل مناطق سوريا"، وأضاف نتسائلاً: "كيف يتم تقسيمها بين المناطق؟ وما هي الفئات المستهدفة؟ حتى الآن لا يوجد شيئاً واضحاً بهذا الخصوص".
وراسل موقع تلفزيون سوريا مشرف مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، للاستفسار عن أسباب عدم إنجاز مشاريع لتدارك الوضع الصحي المتدهور بخصوص كوليرا في شمال غربي سوريا.
الكوليرا تصل لبنان وتهدد الجوار
وبخلاف جميع الدول المجاورة لسوريا، اجتاح مرض الكوليرا الأراضي اللبنانية منذ مطلع الشهر الماضي. وبحسب آخر إحصائية نشرتها وزارة الصحة اللبنانية في الـ10 من تشرين الثاني الجاري، فقد أصيب 490 شخصاً في لبنان بالكوليرا، توفي منهم 18.
وكانت الوزارة قد أعلنت في الـ6 من تشرين الأول الماضي تسجيل أول إصابة بالكوليرا في البلاد منذ 1993 في محافظة عكار (شمال)، وقالت حينها إن الحالة تخصّ أحد اللاجئين السوريين في المنطقة، لينتقل الوباء بعد ذلك إلى مناطق عديدة في البلاد.
وعلى إثر ذلك، أعلنت الأمم المتحدة أن صندوقها المركزي لمواجهة الطوارئ وصندوقها الإنساني للبنان، خصص مبلغ 9.5 ملايين دولار أميركي لاحتواء تفشي الكوليرا في البلاد.
أما في الأردن، فلم تسجل المملكة أي حالة إصابة بالكوليرا منذ عام 1981، حيث اتخذت منذ ذلك الوقت سياسة فحص ما نسبته 10-15 بالمئة من حالات الإسهال، وبشكل روتيني للتحري عن عدد من الجراثيم ومنها جرثومة الكوليرا.
وكإجراء احترازي، أعلنت الأردن في الـ12 من شهر تشرين الثاني الجاري شراء أجهزة كشف كوليرا لفحص القادمين من سوريا ولبنان بعد انتشار المرض وتسجيل عدد من الوفيات في كلا البلدين.
وأكّد مستشار رئاسة الوزراء لشؤون الأوبئة الأردني، عادل البلبيسي، في حديث لوكالة الإعلام الأردنية أن الإجراءات تشمل جميع القادمين من سوريا ولبنان إضافة إلى منع أي شخص قادم من سوريا أو لبنان من إدخال أي مأكولات عند دخوله المملكة باستثناء المعلبات.
ويبقى السؤال: هل سيتم احتواء المرض المستشري في سوريا ولبنان قبل انتشاره خارجهما؟ أم أنه تمكّن من عبورهما دون الكشف عنه حتى اللحظة؟
الكوليرا.. أسباب المرض ومضاعفاته
ووفقاً لمصادر طبية مختصة، تنتج عدوى الكوليرا بسبب بكتيريا تسمى "ضمّة الكوليرا". وتتمثل الآثار المميتة للمرض في السم الذي تفرزه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، حيث يتسبب السم في إفراز الجسم لكميات هائلة من الماء، ما يؤدي إلى الإسهال وفقدان سريع للسوائل والأملاح. وقد لا تسبب البكتيريا المرض لدى جميع الأشخاص الذين يتعرضون لها، لكنها تمرّ وتنتقل عبر البراز، ويمكن أن تلوث الطعام وإمدادات المياه.
وتعد مصادر المياه الملوثة المصدر الرئيسي لعدوى الكوليرا. لذا يمكن أن تكون في التربة أو مياه الآبار؛ والآبار العامة الملوثة هي مصادر متكررة لتفشي المرض على نطاق واسع. ويتعرض الأشخاص المقيمون في ظروف مزدحمة بدون مرافق جيدة للصرف الصحي للخطر بشكل خاص.
مخيمات اللاجئين كمكامن لخطر الإصابة بالكوليرا
الأشخاص جميعهم معرضون للإصابة بالكوليرا، باستثناء الرضع الذين يحصلون على المناعة من الأمهات المرضعات اللائي سبق لهن الإصابة بالكوليرا. ومع ذلك، هناك عوامل معينة يمكن أن تجعلك أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو أكثر عرضة للإصابة بعلامات وأعراض حادة.
وتشمل عوامل خطر الإصابة بالكوليرا في المرافق الصحية الرديئة. فمن المرجح أن تنمو الكوليرا في الحالات التي يصعب فيها الحفاظ على البيئة الصحية، بما في ذلك إمدادات المياه الآمنة. وهذا ما يجعل الحالات شائعة في مخيمات اللاجئين السوريين والأحياء الفقيرة ومناطق الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.
مضاعفات الكوليرا
بالإمكان أن تصبح الكوليرا من أسرع الأمراض القاتلة. فقد يؤدي الفقد السريع لكميات كبيرة من السوائل إلى الموت في غضون ساعات، في معظم الحالات الحادة. أما في الحالات الأقل حِدة، فقد يموت المرضى الذين لم يتلقوا العلاج بعد ساعات أو أيام من ظهور أول أعراض الكوليرا؛ وذلك بسبب الجفاف وهبوط الدورة الدموية.
وبالرغم من أن الجفاف وهبوط الدورة الدموية هما أسوأ مضاعفات الإصابة بالكوليرا؛ إلا أن مشكلات أخرى قد تحدث، مثل: انخفاض نسبة السكر في الدم (الغلوكوز) -مصدر الطاقة الأساسي بالجسم- بدرجة خطيرة؛ بسبب عدم تناول المرضى الطعام من شدة الإعياء. الأطفال هم الأكثر عرضة لخطر هذه المشكلة؛ حيث إنها تتسبب في حدوث نوبات مرضية، وفقدان الوعي، حتى الوفاة.
بالإضافة أيضاً إلى انخفاض مستويات البوتاسيوم. إذ يفقد المرضى المصابون بالكوليرا كميات كبيرة من المعادن في البراز، بما فيها البوتاسيوم. ويؤثر انخفاض مستويات البوتاسيوم على القلب ووظائف الأعصاب؛ وهو ما يشكل خطراً على الحياة.
الفشل الكلوي. فعندما تفقد الكُلى قدرتها على الترشيح تتراكم كميات زائدة من السوائل والفضلات في الجسم. وغالباً ما يترافق الفشل الكلوي بالهبوط الدموي عند المرضى المصابين بالكوليرا.
الوقاية من الكوليرا
من أكثر التفاصيل المطمئِنة بخصوص المرض، هو أن الوقاية منه لا تحتاج إلى تفاصيل معقدة أو صعبة الالتزام، بحسب الطبيب السوري معين الحاج.
ويوضح الحاج لموقع تلفزيون سوريا أن "خطر الإصابة بالمرض منخفض للغاية في حال اتباع الاحتياطات اللازمة، والتي تتمثل في غسل اليدين بالصابون والماء باستمرار وخاصة بعد استخدام المرحاض وقبل تناول الطعام. وفي حال عدم وجود الصابون يمكن تعقيم اليدين بالكحول".
وأضاف: "شرب الماء الآمن فقط، بما في ذلك المياه المعبأة في الزجاجات أو الماء المغلي أو الذي يتم تعقيمه من قبل نفس الشخص، حتى أثناء تنظيف الأسنان. وتعد المشروبات الساخنة آمنة عموماً، وكذلك المعلبة ولكن يجب مسح العلب والزجاجات من الخارج قبل فتحها. كما يفضّل عدم إضافة الثلج غير المصنوع من المياه الآمنة من قبل نفس الشخص إلى المشروبات".
وتابع الحاج: "تناول الطعام المطبوخ والساخن، وتجنب الأطعمة المكشوفة من الباعة المتجولين، وفي حال شراء وجبة طعام من بائع متجول، فيجب التأكد من طهيها وتقديمها ساخنة. كما يجب تجنّب تناول الأسماك والمأكولات البحرية النيئة أو المطبوخة بشكل غير صحيح، ومن أي نوع كان. وكذلك تجنّب الفواكه والخضروات غير المقشّرة من نفس الشخص، ةالابتعاد عن السلطات الجاهزة للخضار والفواكه".