شهدت مناطق الاشتباك بين الجيش الوطني السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب الشمالي والشرقي سلسلة من عمليات التسلل المتكررة لـ"قسد" والتي أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف الجيش الوطني، مما يكشف عن نقاط ضعف في أداء القوات الدفاعية بالنسبة للجيش وفصائله.
كررت "قسد" بكثافة خلال الأسابيع الماضية عمليات التسلل الليلية التي استهدفت نقاطاً عسكرية للجيش الوطني السوري في شمالي وشرقي حلب، آخرها كان في منتصف الليلة الماضية، وأسفر عن مقتل عنصرين من الجيش الوطني، فضلاً عن الخسائر في المعدات اللوجستية.
تسلط هذه العمليات المتكررة بشكل شبه يومي الضوء على غياب المعدات اللازمة لدى أفراد الجيش الوطني لكشف التحركات الليلية لـ"قسد"، مما يجعل القوات المتمركزة عرضة للنزيف المستمر، ويطرح تساؤلات عديدة حول سبب إهمال قيادة الجيش الوطني، ممثلة بوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، لهذا الجانب.
وتشير مصادر متطابقة إلى أن القوات الموجودة في نقاط الجيش الوطني تعاني من نقص في المعدات الأساسية التي تمكِّنها من مراقبة تحركات الطرف الآخر، خاصة في ساعات الليل، مما يزيد من احتمالية نجاح عمليات التسلل بالنسبة لقسد، التي يبدو أنها تعرف جيداً كيفية استغلال هذا الضعف لتحقيق أهدافها.
إلى جانب ضعف الأداء، يُلاحظ تكرار الوقوع في نفس الأخطاء مع كل عملية تسلل، دون اتخاذ إجراءات لتعزيز النقاط العسكرية، مثل تدعيم خطوط التماس بالمعدات اللازمة، كأجهزة الرؤية الليلية والأسلحة المتطورة، للحد من هذه الخسائر التي أثقلت كاهل الجيش الوطني.
نقص في المعدات وضعف في التنسيق
تبدأ قوات "قسد" عمليات التسلل عادة ضد مواقع الجيش الوطني في منتصف الليل، ويشمل ذلك بشكل رئيسي مناطق ريف عفرين شمالي حلب، والنقاط العسكرية الواقعة في محيط مدن اعزاز ومارع والباب.
كذلك تبدأ "قسد" عملياتها بالتسلل الخفي، ثم برصد تحركات عناصر الجيش الوطني ضمن نقاطهم باستخدام المناظير الليلية، لتستهدفهم بشكل مفاجئ بالقناصات الحرارية، مستغلة عامل المفاجأة وضعف التنسيق بين نقاط الجيش الوطني التي غالباً ما تكون ذات قيادة مختلفة نظراً لتعدد الفصائل الموجودة في المحور القتالي الواحد.
وقال مصدر عسكري ميداني لموقع تلفزيون سوريا: "إضافة إلى النقص الواضح في المعدات اللازمة للمراقبة الفعالة، يتبين أن هناك غياباً للتنسيق بين الوحدات المختلفة داخل الجيش الوطني السوري، مما يؤدي إلى تشتت الجهود ويجعل من الصعب تحديد التحركات العدائية في الوقت المناسب، مما يتيح لقوات قسد فرصة أكبر لتنفيذ عملياتها بنجاح".
وأضاف المصدر: "في بعض الحالات، يعتمد الجيش الوطني على أجهزة ومعدات قديمة أو غير فعالة، مما يجعل من الصعب التعامل مع التهديدات الليلية، ويزيد من التحديات التي تواجهها القوات المرابطة، كما أن التدريبات العسكرية الحالية التي يتلقاها الجنود تفتقر إلى التركيز الكافي على كيفية التعامل مع عمليات التسلل الليلية".
وتستغل "قسد" في بعض الحالات هفوات عناصر الجيش الوطني للانقضاض عليهم بشكل مفاجئ، حيث ذكر المصدر أن من نقاط الضعف والهفوات استخدام عناصر الجيش الوطني للهواتف المحمولة داخل النقاط ليلاً والانشغال بالتواصل عبر الإنترنت بدلاً من التركيز على المراقبة والرصد.
ويعتقد المصدر أن "تدريب القوات على استخدام المعدات الحديثة وتطوير استراتيجيات ليلية فعالة هو أمر ضروري لتقليل الخسائر وتجنب الوقوع في نفس الأخطاء المتكررة، خاصة أن قوات قسد تستفيد بشكل كبير من الدعم المقدم من الولايات المتحدة، والذي يمكّنها من الحصول على معدات متطورة، بما في ذلك أجهزة الرؤية الليلية والأسلحة النوعية".
ما الحلول لتقليل الخسائر؟
يُجمع العسكريون والقادة الميدانيون على عدة حلول من شأنها تقليل الخسائر في صفوف الجيش الوطني من جراء عمليات "قسد"، منها تزويد القوات الدفاعية بأجهزة الرؤية الليلية، إذ توفر للمقاتلين في نقاط الرباط قدرة على كشف أي تحركات ليلية، مع العمل على استبدال المعدات القديمة بأخرى حديثة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار وكاميرات المراقبة التي تساعد في رصد التحركات على مدار الساعة.
وينصح الخبراء بتعزيز التنسيق بين الوحدات المختلفة في الجيش الوطني لضمان استجابة أسرع وأكثر فعالية لأي تهديدات محتملة، وتطوير برامج تدريبية تركز على التعامل مع عمليات التسلل الليلي، وتشكيل وحدات متخصصة في المراقبة الليلية مزودة بالتكنولوجيا اللازمة لرصد أي نشاط غير عادي بالقرب من خطوط التماس.
ومن ضمن المقترحات، بناء وتحصين نقاط الرباط بشكل أفضل باستخدام الخنادق والأسلاك الشائكة وغيرها من العوائق التي تمنع التسلل، والاستفادة من الطائرات المسيرة للمراقبة الجوية على مدار الساعة، مما يوفر تغطية واسعة ويعزز من القدرة على كشف التسللات.
كذلك، من الضروري توفير الذخيرة والإمدادات الطبية بشكل منتظم لضمان جاهزيتها الدائمة، ومراجعة وتحديث الخطط الدفاعية بانتظام استناداً إلى التهديدات الحالية المتكررة، مع التركيز على إغلاق الثغرات التي تستغلها قوات "قسد".
ويمكن أن تكون الألغام أحد الوسائل المهمة لتعزيز الدفاعات ضد عمليات التسلل الليلية، خاصة عبر وضع الألغام في مناطق معلنة بشكل واضح لتكون مناطق محظورة على القوات في الطرف المقابل، مما يجبرها على اختيار مسارات أقل فعالية أو أكثر عرضة للمراقبة، مع زراعة الألغام في الصفوف الأمامية أو بين الدفاعات الأخرى مثل الأسلاك الشائكة والخنادق، مما يجعل من الصعب التقدم دون التعرض للخطر.
ما غاية "قسد" من عمليات التسلل؟
في الغالب لا تهدف "قسد" من عمليات التسلل إلى بسط سيطرتها بشكل دائم على المناطق المستهدفة، بل تسعى إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الوطني ثم الانسحاب، خاصة أن عدد العناصر المتسللين لا يساعد على التمركز في المواقع، وإنما تعتمد على مبدأ "اضرب ثم انسحب".
وربما تلجأ "قسد" إلى عمليات التسلل ضد الجيش الوطني السوري لعدة أسباب استراتيجية وتكتيكية، لتجني مكاسب متعددة، منها إضعاف الجيش الوطني عن طريق استنزاف موارده البشرية والمادية، مما يؤدي إلى تقليل قدرته على شن هجمات أو الدفاع عن مواقعه مستقبلاً.
ومن الممكن أن تسهم عمليات التسلل في خلق حالة من الفوضى والارتباك داخل صفوف الجيش الوطني، مما يؤدي إلى تآكل الثقة بين القوات المرابطة من مختلف الفصائل.
وتساعد هذه العمليات على تعزيز الثقة بين مقاتلي قسد في قدرتهم على تحقيق الأهداف الميدانية، كما أن نجاح هذه العمليات يمكن أن يستخدم لأغراض دعائية، مما يعزز من صورة قسد كقوة فعالة قادرة على مواجهة أعدائها، خاصة أنها لطالما تشير إلى قدرتها على محاربة "تنظيم الدولة" (داعش) والحد من خطره، بدعم من الولايات المتحدة.
ويمكن لقسد استخدام تفوقها الميداني كوسيلة للضغط في المفاوضات السياسية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، لا سيما أنها في موقف حرج حالياً، مع زيادة احتمالية تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، وبالتالي إمكانية تنسيق الطرفين لإضعاف "قسد" التي تتخذ من مناطق شمال شرقي سوريا معقلاً لها.
واستبعد الكاتب السوري، حسن النيفي، في حديث سابق مع موقع تلفزيون سوريا، أن "يكون ما تقوم به قسد من عمليات تستهدف مواقع الجيش الوطني يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتقارب التركي مع نظام الأسد، بل إن تلك العمليات كانت تتكرر باستمرار ومنذ فترات طويلة سابقة، باعتبارها الاستراتيجية الوحيدة المتاحة للردّ على الاستهدافات التركية".
وكذلك من غير المستبعد أن تكون تلك العمليات جزءاً من "الرد القسدي على ما تقوم به تركيا من مطاردة فلول حزب العمال الكردستاني داخل العراق، إذ من شأن الردود القسدية أن تشكل جزءاً من المشاغلة للقوات التركية".
ولعله من الواضح - حسب الكاتب - أن "الحكومة التركية لا تخفي دوافعها الكامنة وراء التقرب من نظام الأسد، إذ تعلن تركيا بوضوح أن مسعاها الرامي إلى التطبيع مع الأسد يلبي حاجة أمنية لها، وتتمثل تلك الحاجة بالقضاء على كيان الإدارة الذاتية باعتباره كياناً يهدد أمنها القومي".
ويعتقد النيفي أن "نجاح أي تطبيع بين أنقرة ودمشق مرهون بموافقة دمشق والتزامها بطرد قوات قسد من الأراضي السورية، وهذا ما يجعل قسد لا تنظر إلى أي تقارب بين تركيا ودمشق إلا باعتباره يهدد وجودها عسكرياً وسياسياً بل ووجودياً".