تشهد مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي بوادر أزمة في مادة السكر، مع ارتفاع متفاوت في الأسعار، تزامناً مع فقدان السكر بشكل نسبي في معظم المناطق، إذ بدأ تجار المواد الغذائية منذ أيام ببيع كميات السكر المتبقية لديهم بالنصف كيلوغرام، حفاظاً على كفاية جميع الأهالي من المادة.
ويأتي ذلك عقب فقدان مادة السكر من مراكز المواد الغذائية التي تبيع بالجملة، والتي أرجعت السبب إلى فقدان المادة من المصدر الرئيسي، الأمر الذي تسبب بموجة استياء حادة بين أوساط السكان في ريفي حلب الشمالي والشرقي.
في مدينتي مارع والباب بريفي حلب الشمالي والشرقي، اشترى الأهالي، خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، كيلوغرام السكر الواحد بـ 16 ليرة تركية من المحال التجارية التي بدأت تبيع الكمية المتبقية لديها بسعر مرتفع عن السعر القديم الذي وصل، قبل اشتداد الأزمة، إلى 11 ليرة تركية للكيلوغرام الواحد.
وفي السياق ذاته، تسببت مخاوف التجار وأصحاب المحال التجارية من فقدان مادة السكر خلال الأسبوع الماضي، بلجوئهم إلى تخزين كميات من السكر والامتناع عن بيعها، بينما بيعت كميات السكر المتبقية في المتاجر الغذائية الصغيرة بأسعار مرتفعة من 4 إلى 5 ليرات تركية، ليصبح سعر الكيلوغرام نحو 16 ليرة تركية.
فقدان مادة السكر من الأسواق
اشتكى عدد من باعة المواد الغذائية في مدينتي الباب ومارع، من فقدان مادة السكر بشكل مفاجئ من مخازن التجار الموردين من دون سابق إنذار أو توضيحات عن أسباب إيقاف البيع، رغم توافر المادة بكثرة في الأسواق قبل بضعة أيام وبأسعار مستقرة تتراوح بين 11 و12 ليرة تركية للكيلوغرام الواحد.
وقال محمود الموسى، صاحب متجر للمواد الغذائية في مدينة مارع إنه لاحظ شح مادة السكر مع بداية شهر شباط الجاري، من دون معرفة الأسباب، مع ارتفاع ملحوظ في سعر الطن الذي وصل إلى 800 دولار أميركي.
وأضاف، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أنه لم يستطع شراء مادة السكر لمحل المواد الغذائية الخاص به، لأن محل الجملة الذي يورد السكر إلى المدينة لم يستطيع الحصول عليها من مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وهو ما دفعه إلى بيع السكر المتبقي لديه في متجر المواد الغذائية بالنصف كيلوغرام، محاولاً تيسير أمور زبائنه.
وتشهد مدينة الباب بريف حلب الشرقي شحاً في مادة السكر، منذ مطلع شباط الجاري، حذرت منه غرفة تجارة وصناعة الباب في بيان لها في 2 شباط جاء فيه: "تعتبر مادة السكر مادة أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها، والجميع بحاجة لها، ولوحظ بالفترة الأخيرة قلة وفقدان مادة السكر بالأسواق وارتفاع أسعارها بسبب تصديرها إلى مناطق أخرى، ما شكل عبئاً على المواطن".
وحثت غرفة التجارة والصناعة في مدينة الباب التجار على عدم تصدير مادة السكر وإبقائها في المنطقة، إضافة إلى عدم احتكارها والتلاعب بأسعارها وجعلها متاحة للجميع، مناشدة الجهات المسؤولة عن إدارة المدينة من أجل ضبط هذا الأمر.
زين العابدين درويش، رئيس غرفة الصناعة والتجارة في مدينة الباب شرقي حلب، قال لموقع تلفزيون سوريا: "بدورنا في غرفة التجارة والصناعة حذرنا من أزمة بسبب فقدان مادة السكر من الأسواق، لكننا لسنا جهة تنفيذية يمكنها فرض قوانينها على التجار لذلك ناشدت الغرفة الجهات المعنية لتحمل مسؤوليتها تجاه الأزمة".
وأضاف: "قامت غرفة التجارة والصناعة في المدينة بجولات ميدانية على مراكز تجار المدينة لمعرفة الأسباب الرئيسية لفقدان المادة، الذين اعتبروا أن دخول مادة السكر مقترناً بإذن من المعابر التركية، يوردها التجار إلى المنطقة وتوقف الإذن لأيام تسبب في فقدان المادة من الأسواق".
السكر.. بين الاحتكار والتصدير إلى مناطق قسد
وتدخل مادة السكر إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي من المعابر الحدودية مع تركيا عبر التجار السوريين المستوردين، بموجب إذن من الجمارك التركية، إلا أن توقف الإذن تسبب في مشكلة كفاية المنطقة من تلك المادة، إضافة إلى عمليات التصدير غير المنتظمة إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فضلاً عن احتكار المادة من قبل بعض التجار.
وأكدت مصادر محلية من معبر باب السلامة الحدودي، استمرار دخول مادة السكر إلى المنطقة من دون توقف، ما يعني أن السكر الذي يتم إدخاله إلى المنطقة يتعرض للاحتكار من جراء جشع التجار، والتصدير إلى خارج مناطق سيطرة الجيش الوطني.
ومع استمرار أزمة فقدان السكر من الأسواق في مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة "قسد" شرقي حلب، بدأ التجار الموردون لمادة السكر في مناطق سيطرة الجيش الوطني في تصدير المادة إلى منبج عبر تجار ووكلاء تابعين لها يعملون في مناطقها بحسب ما أوضح أحد تجار المواد الغذائية في مدينة الباب خلال حديث مع موقع تلفزيون سوريا.
وأضاف: "سبب ارتفاع مادة السكر يعود إلى ارتفاعها من المصدر، لكن تأخر الشحنات التي تدخل إلى المنطقة تسبب في فقدان مادة السكر من الأسواق لأن المادة ليست حرة وتدخل إلى المنطقة من المعابر الحدودية مع تركيا بموجب إذن، يعمل التجار على توريدها إلى المنطقة بآليات محددة بين الجمارك والمستوردين".
وتابع: "التجار باعوا الكميات التي لديهم إلى خارج منطقة سيطرة الجيش الوطني، ولم يستطيعوا تعويض مخازنهم بعد بيعها بالكامل مع دخول كميات قليلة إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي"، مشيراً إلى أن "مادة السكر كانت متوافرة خلال الفترة الماضية بكثرة إلا أن جشع التجار واحتكارها وتصديرها إلى خارج المنطقة تسبب في اشتداد الأزمة".
كميات من السكر زوّدت بها أسواق مدينة الباب يوم أمس الخميس
ودخلت كميات جيدة من السكر إلى مدينة الباب بريف حلب الشرقي، يوم أمس الخميس، ووصل سعر الطن إلى 720 دولاراً أميركياً، إلا أنها لم تغط كامل المنطقة من جراء توقف بعض محال الجملة عن بيع المادة خشية ارتفاع سعرها مجدداً، لكون الأسواق لا تزال غير مستقرة.
استقلالية الاستيراد.. تمنع التنافس التجاري
مصدر محلي من مدينة الباب قال في حديث مع موقع تلفزيون سوريا إن "مادة السكر يوردها تاجر واحد إلى منطقة ريف حلب الشمالي، بموجب إذن خاص حصل عليه من الجمارك التركية، ومن هنا يقوم بتصديرها إلى منبج الواقعة تحت سيطرة قسد".
وأضاف: "السكر يصدر من ريف حلب إلى مناطق سيطرة قسد، بالتعاون مع تجار ووكلاء يعملون بشركات في مناطق سيطرتها".
واعتبر أن احتكار توريد مادة السكر بمورد واحد تسبب في منع التنافس بين التجار، وهو السبب الرئيسي بارتفاع سعرها، حيث يقوم المورد بعملياته التجارية، وفقاً لما يحقق له الربح، ولذلك فإن عمليات البيع إلى مناطق سيطرة "قسد" هي من ضمن أولوياته.
من جانبه ذكر الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، أن فقدان السكر في ريف حلب أمر طبيعي بسبب استمرار تصدير المادة إلى مناطق سيطرة النظام و"قسد" التي تعيش أزمة من جراء فقدان المادة واحتكارها من قبل بعض الجهات، نتيجة غياب الرقابة التموينية.
وأضاف: "يجب الحفاظ على مخزون جيد من المواد الأساسية القادمة إلى المنطقة ومنع عمليات التهريب إلى خارج منطقة ريف حلب، ومراقبة الأسعار من اللجان الرقابية، وفتح مجال الاستيراد للتجار وهو ما سيساعد على خلق نوع من التنافس الذي تعود فائدته على الأهالي عبر حصولهم على المنتج بأسعار مناسبة".
وتضاف أزمة السكر إلى أزمات المعيشة التي تشهدها مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، إذ ألقت بكاهلها على السكان الذين يواجهون تحديات كبيرة في تأمين قوت عائلاتهم، مع ارتفاع أسعار معظم المواد الأساسية من بينها الخبز والكهرباء والمحروقات، في ظل انخفاض مصادر الدخل في القطاعين العام والخاص، وندرة فرص العمل وانتشار البطالة بين فئة الشباب.