تضاربت الأنباء في الآونة الاخيرة، لا سيما بعد دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ في 17 حزيران الماضي، حول حقيقة مواصلة "قوات سوريا الديموقراطية (قسد)"، لعمليات تهريب وبيع النفط الخام لنظام الأسد في مناطق سيطرته، وتجاهُل العقوبات التي تستهدف الأطراف الداعمة لنظام الأسد بحسب ما تضمّنته المادة (102) من القانون، والتي تنصّ على معاقبة كل من يبيع أو يزوّد نظام الأسد بمواد وبضائع ترتبط بكل من الطيران الحربي والنفط ومشتقاته والغاز ومواد الهندسة والبناء.
وفي السابع عشر من تموز الجاري، عادت قضية بيع النفط لنظام الأسد تطفو على السطح مجدداً عقب تسجيل مصوّر بثّته قناة "روسيا اليوم"، يُظهر صهاريج مليئة بالنفط الخام، قالت القناة بأنها وصلت إلى مصفاة حمص قادمة من مناطق سيطرة "قسد".
التسجيل المصوّر أثار العديد من التساؤلات والاستفسارات حول ما إذا كانت مناطق "الإدارة الذاتية" قد تم استثناؤها من العقوبات، أم أن التهريب يجري من دون علم الأخيرة ومعها الولايات المتحدة الأميركية التي تدعمها، أم أن التسجيل المصوّر يعود لتاريخ سابق وأن القناة الروسيّة نشرته لضرب صدقية الغريم الأميركي -راعي القانون والعقوبات- الداعم لـ "قسد"، واتهامه باتباع سلوك "الكيل بمكيالين".
بين التأكيد والنفي والتبرير.. هل يصل النفط للنظام من حقول "قسد"؟
أحد المتابعين للشأن السياسي والاقتصادي داخل مناطق سيطرة "قسد"، طلب عدم الكشف عن اسمه، ينفي لموقع "تلفزيون سوريا" أن تكون الإدارة الذاتية قد أرسلت أيّ كميّة لمادة النفط من الحقول الواقعة تحت سيطرتها منذ دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ.
ويستدرك المصدر "ولكن قبل السابع عشر من حزيران الماضي، كانت تتم عمليات نقل النفط من حقول الجبسة والرميلان في الحسكة، وحقلي العمر والتنك بدير الزور، إلى حقل (التيّم) القريب من مدينة ديرالزور ويخضع لسيطرة النظام، ومنه إلى مصفاة حمص".
ويتابع واصفاً عملية "المقايضة التي كانت تجري بين قسد والنظام" بحسب تعبيره، من خلال نقل (الغاز) من حقول العمر والتنك والجفرة إلى حقل (كونيكو) جنوب مدينة دير الزور، الذي يعتبر أكبر حقول الغاز والمغذّي الرئيس لمحطات توليد الطاقة الكهربائية التي يديرها ويشغّلها النظام، وبالتالي يتم تزويد مناطق سيطرة قسد بالتيار الكهربائي لقاء تزويد النظام بالغاز من قبل قسد".
ويرى المصدر أن نظام الأسد يحصل على حاجته من الغاز لتوليد الكهرباء اليوم، عقب توقّف قسد عن إمداده بعد تفعيل قيصر، من الحقول الواقعة تحت سيطرة النظام في ريف حمص، بحسب زعمه.
أما الناشط والحقوقي، طارق المصطفى، المقيم حالياً في ناحية الكسرة بريف دير الزور الغربي، فيقول لموقع تلفزيون سوريا إن "الصهاريج الناقلة للنفط الخام إلى مناطق النظام خفّت وتيرتها بالتأكيد بنسبة 90% على الأقل مقارنة بالفترة السابقة لتفعيل قانون قيصر".
وأجرى المصطفى اتصالاً مع أحد المسؤولين الرسميين في "الإدارة الذاتية" للاستفسار عن قضية الصهاريج وتهريب النفط، فأجاب المسؤول الذي تم حجب اسمه بناء على طلب المصطفى، بأن الصهاريج توقفت تماماً عن نقل النفط إلى مناطق النظام، وكما أعرب المسؤول عن رفضه التام لاتهام الإدارة بالتهريب وتجاوز العقوبات.
ويرجّح المصطفى وجود عمليات تهريب وبيع تتم على نطاق محدود وبدفعات خفيفة دون إشعار الجهات المسؤولة.
وحول آلية التهريب وأطرافه وخفاياه، يستعرض المصطفى بعض التفاصيل المهمة والحصرية لموقع تلفزيون سوريا، إذ يقول: "فيما مضى، سيطر شخص يدعى خ. حمدان من أهالي بلدة (بقرص) في الريف الشرقي، على معبار (الشحيل- بقرص) الذي كانت تتم عبره غالبية عمليات التهريب. وكان حمدان أحد عناصر فصائل الجيش الحر ثم شغل منصب العلاقات العامة في تنظيم (داعش) قبل انسحابه من المنطقة وسيطرة النظام وقسد على جزئيّ المحافظة".
ويتابع المصطفى "بعد استيلاء النظام على مدينة دير الزور، تسلل حمدان إلى مناطق سيطرة النظام ليتبيّن لنا لاحقاً بأنه وكيل لأحد أهم ممولي نظام الأسد، القاطرجي".
والمعروف بأن نظام الأسد كان يحصل على النفط الخام من "قسد" عبر وسطاء، ويعتبر حسام القاطرجي الأبرز بينهم. وقد ظهر اسم القاطرجي كمالك لمجموعة "القاطرجي" وتتبع له ميليشيا تشرف على نقل النفط إلى مناطق النظام، وأحد قادة تلك الميليشا كان (خ. حمدان) بحسب وصف الناشط الحقوقي طارق المصطفى، الذي يؤكّد أن عمليات تهريب النفط من المعبار المذكور بقيت مستمرة عن طريق العبّارات النفطية قبل أن تتم إزالتها خلال حملة "قسد" التي شنتها على الشحيل البارحة، السبت 18 تموز.
وخلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، يرى الكاتب والصحافي، سهيل نظام الدين، أن عامل النفط من الطبيعي أن يصبح موضوع مساومة بين نظام الأسد وقوات "قسد"، ولا شك بأن "حقول النفط تعتبر أهم ميزة لقسد، والتي تمكّنها من مقايضة النظام للحصول على مكتسبات سياسية عديدة". إلا أن نظام الدين يعتبر كل ما يجري في مناطق "قسد" لا يمكن أن يتم خارج إرادة وأنظار الأميركان، فالأمر الأول والأخير يعود لهم، و"قسد" لا يمكنها التصرّف ببرميل نفط واحد دون إطلاعهم.
أما عن تعارض عمليات التهريب وبيع النفط مع قانون قيصر، فيعلّق نظام الدين بالقول إن الولايات المتحدة هي التي أقرّت القانون، وهي التي أدخلته حيّز التنفيذ، وهي التي بإمكانها أن تغضّ الطرف عن أي طرف ترغب أو أن تستثنيه من العقوبات.
وكانت الإدارة الذاتية قد طالبت المجتمع الدولي باستثنائها من قانون قيصر في منتصف أيار الماضي، ليقتصر الرد الأميركي على طلب الإدارة لاحقاً، بتصريح وحيد وشفهي أدلى به المبعوث الأميركي لمناطق شمال وشرق سوريا، وليام روباك، بأن قانون قيصر للعقوبات على النظام في سوريا والمتعاونين معه من الدول والشخصيات، سيستثني مناطق "الإدارة الذاتية".