icon
التغطية الحية

تهديدات ومضايقات تطول من يشهد ضد نظام الأسد في محكمة كوبلينز

2021.09.30 | 06:56 دمشق

2021-02-24t093111z_1925139017_rc2xyl9e4mkb_rtrmadp_3_syria-security-germany_1.jpg
NPR - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يعتقد حسان محمود بأن شهادته عن وفاة شقيقه الأصغر في أحد سجون دمشق قد تساعد في إحقاق العدالة بالنسبة لمسؤول رفيع سابق في المخابرات السورية، ولكن بالرغم من أن هذه المحاكمة تقام في ألمانيا على بعد آلاف الكيلومترات بعيداً عن سوريا، فإنه متيقن من أن شهادته تحمل بين طياتها مخاطر جمة.

فقبل أن يتم تحديد موعد له ليدلي بشهادته في قاعة المحكمة بمدينة كوبلينز الألمانية الواقعة غربي البلاد في شهر تشرين الأول من عام 2020، خشي حسان على شقيق آخر له، واسمه وسيم، لأنه ما يزال يعيش في سوريا.

اقرأ أيضاً: محاكمات أعوان الأسد تهيئ ألمانيا لنورمبيرغ جديدة

إذ مع اقتراب موعد إدلاء حسان بشهادته، بدأ ضباط أمن سوريون بالبحث عن وسيم في مدينته الأم "سلمية"، فأدرك الشقيقان حينذاك بأن في ذلك خطراً محققاً يفرضه عليهما نظام بشار الأسد الاستبدادي.

وحول ذلك تحدث حسان البالغ من العمر 53 عاماً لمحاميه الألمان فقال: "لا يمكنني أن أضحي بأخ آخر، لذلك لن أدلي بشهادتي إلى أن يخرج وسيم من سوريا".

كان حسان محمود أحد السوريين الذين تجاوز عددهم العشرين والذين ظهروا في قاعة المحكمة المحلية العليا بكوبلينز منذ شهر نيسان 2020 ليتحدثوا عن تفاصيل ما رأوه من عمليات تعذيب وحشية وغير ذلك من الانتهاكات التي حدثت في سوريا ضمن محاكمة على جرائم ضد الإنسانية. وقد قام قضاة فيدراليون ألمان بإدانة مسؤول سابق في تلك القضية وذلك في شهر شباط الفائت وذلك لكونه عنصراً مساعداً، إلى جانب الحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف. في حين تستمر محاكمة أنور رسلان، وهو ضابط سوري سابق صاحب رتبة أعلى. بيد أن الشهود في تلك القضية وأقاربهم ذكروا بأنهم يتعرضون لتهديدات ومضايقات.

إذ تخبرنا جمانة سيف، وهي محامية حقوقية سورية وباحثة لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الكائن في برلين عما يجري فتقول: "ما يزال النظام في السلطة، ونحن نعرف بأنه ما يزال يتمتع بكامل السلطات التي تخوله ممارسة العقاب"، وتقوم هذه المحامية بتمثيل بعض السوريين من جهة الادعاء في تلك القضية، وتختتم حديثها بالقول: "إننا نعرف سلوك هذا النظام تماماً".

لكن العديد من السوريين الناجين من التعذيب أدلوا بشهادات موجعة بالرغم من كل المخاطر، إلا أن جمانة ترى بأن بعض السوريين قد تنصلوا من الإدلاء بشهاداتهم أو انسحبوا من قائمة الشهود بدافع الخوف، وتعلق على ذلك بقولها: "في الحقيقة، ذلك هو التحدي الرئيسي الذي نواجهه".

متهم بممارسة عمليات تعذيب ممنهجة

تعتبر المحاكمة التي جرت في كوبلينز أول محاكمة من نوعها، إذ يراها كثيرون بأنها تعرضت لقضية مفصلية وهي محاكمة أفراد وشخصيات من نظام الأسد خارج سوريا.

كان رسلان، البالغ من العمر 58 عاماً، يحمل رتبة عقيد في المديرية العامة للمخابرات بسوريا، وتقول عنه النيابة إنه كان مسؤولاً عن عمليات التحقيق في الفرع 251 وهو مركز اعتقال بدمشق، ثم حصل هذا الرجل على لجوء في ألمانيا، غير أن الشرطة الألمانية ألقت القبض عليه في شباط 2019 بناء على ادعاءات قدمها لاجئون سوريون وناشطون حقوقيون في ألمانيا. وقد شملت التهم الموجهة ضده قيامه بتعذيب أكثر من أربعة آلاف معتقل بين عامي 2011 و2012، ما أدى إلى وفاة 58 شخصاً منهم.

c3363cc4a1d2e6da78d49ba7.jpg

وبحسب ما ورد في بيان الادعاء فإنه: "متهم وبشدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وغيرها من الجرائم، إذ بما أنه كان رئيس فرع التحقيق، لذا كان أنور. ر يقرر ويدير العمليات التي تجري في ذلك السجن، ومن بينها استخدام التعذيب بصورة وحشية وممنهجة". بيد أن رسلان أنكر التهم المنسوبة إليه.

اقرأ أيضاً: رحلة أنور البني.. من بناء سجن صيدنايا إلى محاربة النظام قضائياً

لم يعثر على جثة شقيقه

يطارد عائلة محمود شبح تجربة أحد أفرادها مع الفرع 251، فقد توفي الشقيق الأصغر لحسان، واسمه حيان، في ذلك السجن عام 2012، بحسب ما ذكره مسؤولون في هذا السجن، إلا أن العائلة لم تستطع استعادة جثته.

غير أن حسان وشقيقه وسيم محمود ذكرا تفاصيل قصة شقيقهما عبر مكالمة زووم من ألمانيا مع شبكة NPR الأميركية.

إذ كان حيان في السادسة والعشرين من عمره، وكان قد تخرج حديثاً في كلية الطب عندما ألقي القبض عليه ضمن عمليات الاعتقال التي جرت في الوقت الذي عمت فيه المظاهرات المناهضة لنظام الأسد شوارع البلاد.

وبعد 12 يوماً من اعتقاله، اتصل مسؤول في السجن بأسرته ليقول: "وصلتنا مكالمة هاتفية تفيد بأن شقيقكم توفي وذكروا لنا بأن عليكم أن تأتوا لتتدبروا أمر جثته"، هذا ما رواه حسان الذي أخبرنا بأن المسؤول لم يقدم أي تفاصيل أخرى عن الموضوع.

وهكذا توجه وسيم وهو طبيب أيضاً عمره 46 سنة، إلى الفرع 251 ليقوم بالتعرف إلى رفات شقيقه وليأتي بالجثة، فبحث في البرادات الموجودة في مشرحة المشفى، ثم في شاحنة تحوي جثثاً أخرى كلها مشوهة بفعل التعذيب.

وعن ذلك يخبرنا وسيم فيقول: "كانت الجثث قريبة من بعضها، وكان الوضع مزرياً، ولكن بما أني طبيب، فإنني أستطيع التعامل مع الجثث، ولهذا حاولت أن أجد شقيقي، لكني لم أتمكن من التعرف إليه".

ويخبرنا وسيم بأن العقيد رسلان كان يشرف على عملية البحث ويراقبها.

يتذكر وسيم أنه نادى رسلان، فغضب الأخير، وعنه يخبرنا وسيم فيقول: "قال لي حرفياً: خذ أي جثة من تلك الجثث واعتبرها جثة حيان، ثم ضعها على الأرض من دون أن تنبس بكلمة بعد ذلك".

وبعد مرور أكثر من عقد على تلك الحادثة، قرر حسان أن يدلي بشهادته حول وفاة شقيقه حيان، ولكن عندما قام مسؤولون سوريون بالبحث عن وسيم، أدرك أن عليه أن ينقل شقيقه الآخر إلى بر الأمان.

وبعد فترة قصيرة، تم تهريب وسيم خارج سوريا بعد عملية ناجحة ساعدت فيها السفارة الفرنسية في بيروت، حيث تم ترتيب أمور استصدار تأشيرة عاجلة لوسيم ليسافر إلى فرنسا. بيد أن الشقيقين لم يتحدثا عن المساعي التي جرت ضمن هذا الإطار بالتفصيل، لكنهما لخصا الأمر بأنه كان أشبه بفيلم إثارة يليق بألفريد هيتشكوك.

شهود بحاجة إلى حماية

استقر الآلاف من اللاجئين السوريين في ألمانيا خلال السنوات الماضية، بينهم كثير من الناجين من التعذيب وغير ذلك من الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد. وقد ساعد هؤلاء الادعاء الفيدرالي في ألمانيا على رفع قضايا أمام المحاكم الألمانية، بما يساعد على عرض أخطر جرائم حقوق الإنسان على العدالة حتى تلك المرتكبة خارج ألمانيا. وهذا ما جعل من ألمانيا وجهة للباحثين عن العدالة بالنسبة للجرائم الدولية الجسيمة. وبذلك ملأت المحاكم الألمانية وغيرها من المحاكم الأوروبية الفراغ الذي خلفه غياب محكمة دولية. إذ عرقلت كل من روسيا والصين المساعي المبذولة في مجلس الأمن الدولي لمحاكمة نظام الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ولكن في الوقت الذي يتعرض فيه الشهود لمضايقات وترهيب وتهديدات، أخذ ناشطون يناشدون الدول الأوروبية لتوفر إجراءات حماية أفضل، مثل إخفاء هوية الشاهد.

2021-02-24T093111Z_1925139017_RC2XYL9E4MKB_RTRMADP_3_SYRIA-SECURITY-GERMANY_0.jpg

ومع ذلك، قد لا تضمن تلك الإجراءات حماية الشهود وسلامتهم، وذلك لأن أفراد أسرهم الذين ظلوا في سوريا ما يزالون عرضة لأي تهجم في حال تم تسريب هوية الشاهد.

النظام يراقب من يعيش في المنفى

عادة لا تدلي وكالات فرض النظام والقانون الألمانية بتصريحات لوسائل الإعلام، بيد أن توبياز شنايدر، وهو خبير بالملف السوري لدى مركز أبحاث ببرلين يعرف باسم معهد السياسة الدولية، أخذ يتابع تلك التحقيقات عن كثب، فأعلن بأن الشهود يعرفون بأن النظام يراقب السوريين في ألمانيا عن قرب، حيث قال: "إذا قرأت التقارير السنوية عن وكالات الاستخبارات المحلية في ألمانيا، ستكتشف بأنهم يعرفون تماماً بأن هذا موجود، ولكنهم بكل بساطة لا يملكون الوسيلة ولا القدرة على مكافحة ذلك بشكل فعال".

إلا أن النظام لم يرد على الطلبات المتكررة التي أرسلتها إليه شبكة NPR للتعليق على الموضوع.

اقرأ أيضاً: أشهر برنامج تحقيقات أميركي يفتح ملف جرائم الأسد

ويشير شنايدر إلى هجوم سابق وقع في ألمانيا وأثار الرعب بين أوساط المهاجرين السوريين فيها، إذ في عام 2019، توفي سوري كان يتظاهر ضد نظام الأسد في ألمانيا، عقب هجوم بفأس تعرض له في منزله بمدينة هامبورغ الألمانية. وقد خشي الناشطون السوريون يومئذ من تورط نظام الأسد أو مؤيديه في تلك الجريمة، إلا أن الشرطة الألمانية ما تزال تحقق بالموضوع.

ويرى شنايدر أن الناشطين السوريين يدركون أن القتل كان رسالة تفيد بأنه بوسع النظام استهدافهم حتى في أوروبا، حيث يقول: "لست بحاجة إلى تهديدات مباشرة، حتى تعرف حجم التهديدات التي تحيط بك لأنك سوري".

في الإدلاء بالشهادة.. راحة

بالرغم من تلك التهديدات، توجه كثير من السوريين إلى قاعة المحكمة في كوبلينز ليواجهوا الرجل الذي اتهموه بارتكاب فظائع وجرائم.

وهنا يخبرنا وسيم مقداد بأنه شعر بالراحة عقب الإدلاء بشهادته في آب 2020، حيث وصف شهادته حول احتجازه في الفرع 251 في عام 2011 بالقول: "إنها تجربة فظيعة، حيث لا يوجد طعام أو دواء. أتذكر بوضوح كيف كان على بعضهم أن يظلوا واقفين طوال الليل حتى يستطيع الآخرون أن يناموا. لقد ضربونا في الشارع بأيديهم وأرجلهم. وجرى التحقيق بكامله في الفرع 251 وكان التعذيب الشديد مرافقاً له على الدوام، بحيث تشعر وكأنك في جهنم خلال تلك اللحظات".

وفي الوقت الذي كان فيه المقداد يدلي بشهادته، كان الرجل الذي تحدث عنه المقداد وذكر بأنه أمر بتعذيبه، أي رسلان، جالساً على مسافة قريبة منه داخل قاعة المحكمة.

وعنه يقول المقداد: "شخصياً، لم يكن الحديث عن تجاربي السيئة وأنا على منصة عامة أمراً سهلاً، إلا أن هذه هي الخطوة الأولى على الطريق الطويل نحو العدالة".

1452cc02c50b44eba9b0ffed755a74ab_18_0.jpg

خمس سنوات قد مرت تقريباً على هروب المقداد من سوريا ليبدأ حياته من جديد في ألمانيا، حيث تعلم الألمانية وتزوج وباشر بمهنة عزف الموسيقى السورية على آلة وترية تعرف باسم العود.

لم يخبر المقداد أي أحد في السجن بأنه موسيقي بحسب ما ذكر لنا، وذلك حتى لا يؤذوا يديه.

٢٠١٧١٢١٠_١٥٢٦٢٥-1024x576.jpg

وأصر مقداد على أن تحلي الناجين بالشجاعة للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة مسألة حاسمة، حيث يقول: "الحل ليس بأن نصبح أكثر خوفاً، بل بمواجهة الأمر أكثر وبإصرار وعزيمة أكبر"، إذ بتلك الطريقة، بوسعهم أن يوجهوا رسالة لدمشق وهي: "رسالة مباشرة للغاية تفيد بأن جرائمكم لن تمر من دون عقاب"، بحسب ما ذكر المقداد.

ويشعر المقداد بالامتنان لألمانيا لأنها قدمت مثلاً يحتذى به في هذا السياق، إذ حتى الرجل المتهم بجرائم مروعة يعامل وفقاً للإجراءات القانونية الواجبة ضمن تلك الظروف، ويعلق المقداد على ذلك بقوله: "شعرت بالغضب قليلاً، لكني شعرت بالفخر أيضاً، لأن أنور رسلان يخضع اليوم لمحاكمة عادلة وكرامته محفوظة، على عكس ما قام به عندما كنا نقاسي في ظل ظروف لا تحتمل من التعذيب تحت إشرافه ورقابته".

يذكر أنه من المتوقع أن يصدر حكم على رسلان أواخر هذه السنة.

المصدر: NPR