يعمل "النحالون" في الشمال السوري على تهجين أصناف جديدة من النحل تحمل خصائص جينية تجعلها أكثر مقاومة لمسببات الأمراض وللمبيدات الحشرية من النحل السوري، كما تمتاز بصفات إنتاجية تزيد عن النحل المحلي بأضعاف، إذ تعتمد طريقة التهجين عبر استيراد أنواع مختلفة من الملكات من دول أوروبية عدّة عبر الأراضي التركية ومنها إلى الداخل السوري.
وتهدف عمليات التهجين المنتشرة في منطقة إدلب تحديداً إلى رفع سوية إنتاج النحل من العسل، وذلك للتخفيف من التحديات المتمثلة بضيق المراعي أولاً وعدم تنوع المزروعات ثانياً، إذ يعاني مربو النحل صعوبة في التنقل إثر غلاء المحروقات في أثناء بحثهم عن المراعي، ما دفعهم إلى تهجين خلاياهم (مناحلهم) للحد من هذه المعوقات.
سلالات النحل
يقول "طه زيدان"، وهو مربي نحل يتخذ من مدينة حارم شمال غربي إدلب مرعى لنحله لما تحويه من أزهار وثمار متنوعة ويملك 85 خلية جميعها مهجنة منذ قرابة 9 أشهر، إن النحل الهجين الذي يملكه منحه استقراراً أكثر من حيث البحث عن المراعي، فمن أهم مزاياه سرعة التنقل وبعد مسافته في البحث عن الرحيق والتي تبلغ ما يزيد على 4 كيلومترات.
وأوضح زيدان، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن أهم ما يميز النحل المهجن هو سرعته الكبيرة في جني العسل والكميات التي يحفظها في خرطومه الطويل الذي يزيد على ثلاثة أضعاف عن النحل السوري صغير الحجم، مشيراً إلى أن النحل المهجن أيضاً يمتاز بهدوئه على عكس السوري (المحلي) الشرس، وتأقلمه مع كل أنواع المراعي وأبرزها "الحمضيات والزهور على أنواعها وحبة البركة والقطن والزيتون".
ويُهجن النحل، وفقاً لـ"زيدان"، عبر شراء ملكة نحل أجنبية مستوردة من إحدى الدول الأوروبية وغالباً تكون "ملكة ذات منشأ ألماني"، والتي تكون غالية الثمن إذ يتراوح سعرها من 400 دولار إلى 1500 دولار أميركي على حسب العمر والمواصفات، إذ يُرمز إلى هذه الملكة بـF0 وهي ما يُطلق عليها بـ"الأم" التي من خلالها يتم تهجين النحل السوري.
وأوضح أن ملكات النحل الناتجة عن الـF0 والتي تصل أعدادها إلى المئات يُطلق عليها بـF1 وهي ما تعني أنها ملكات من الجيل الثاني، وهذا النوع من الملكات يُباع في الأسواق بأسعار رخيصة ويتراوح سعر الملكة من الجيل الثاني من 10 إلى 15 دولارا أميركيا، وذلك بسبب انخفاض جودتها عن الملكة الأم التي تتميز بالشهادات المرفقة معها من حيث الجودة والإنتاج.
وذكر أن الأجيال اللاحقة عن سلالة الملكات F1 تكون أجيالاً شبيهة بالنحل السوري إذ يرمز لها بـF2 وF3، وهي لا ترقى إلى المستويات المطلوبة، لافتاً إلى أن النحّال الماهر هو من يحافظ على سلالة F1 عبر تجديد ملكته في نقلها من قبل المربي إلى خلايا جديدة من شأن النحل قتلها وتربية أحد يرقاتها وتهيئتها لتكون ملكة بديلةً عنها، وهي ما تعود بالدرجة الأولى إلى النحل.
أسعار الملكات
يقول منتج الملكات التاجر "محمد أحمد النعنع" إن الملكات المستوردة تحمل أسماء عدّة من أبرزها "كارنكيا وبيكفاست وكرنيولي وكولد ولوكستيكا" والتي يكون مصدرها ألمانيا وبلجيكا، إذ يتم إيصالها إلى الداخل السوري عن طريق التهريب.
وأوضح لموقع تلفزيون سوريا أن أسعار هذه الملكات يبدأ من 16 دولاراً وقد يصل إلى 4 آلاف دولار، وذلك يختلف من حيث العمر والكفالة والميزات، لافتاً إلى أن هنالك بعض الملكات تعيش مدّة 3 سنوات ومنهن من يعيش لأسابيع قليلة، إثر الهجمات المتكررة التي تتعرض لها خلايا النحل المهجنة من قبل النحل السوري "الشرس" المنتشر بكثافة في المنطقة والذي يعاني في معظمه من الجوع.
وأشار إلى أن أكثر أصناف الملكات التي يتم استيرادها هي "كارنكيا وبيكفاست" لتميزها في مقاومة درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة.
ولفت إلى أن معظم عمليات الشراء المنتشرة في إدلب تتم عبر بيع ملكات لا تحمل شهادات من شأنها تضمن كمية إنتاجها وخلوها من الأمراض، إذ تباع عبر سماسرة يبيعون الملكة الواحدة بـ"100" دولار أمريكي فقط، وهنا يلعب دور الحظ فقد تعيش الملكة أيام قليلة وقد تعيش ثلاث سنوات.
كيف يتم التهجين؟
وبالنسبة لعملية التهجين، يقول "النعنع": "أولاً نقوم بسحب يرقة من الملكة عمرها من ساعتين إلى 6 ساعات، ومن ثم نضعها في كأس، وبعد 13 يوماً تصبح ملكة ويتم إدخالها على ألواح فلين تسمى بـ نوية تلقيح".
وأوضح أن النحل المهجن يكون في غالبيته يحمل اللون الأسود ويُطلق عليه صفة "كرنيولي" والذي يتميز بخرطومه الطويل وحجمه الكبير وقدرته على الاحتفاظ بالعسل لمسافات بعيدة، على عكس النحل الأشقر الذي يفقد نصف مخزونه في أثناء الرعي.
وأكّد أن من أهم فوائد التهجين على النحّالين هي زيادة الإنتاج، فالخلية المهجنة يبلغ متوسط إنتاجها 25 إلى 27 كيلوغراما من العسل، وأمّا الخلية السورية غير المهجنة فمتوسط إنتاج الواحدة بين 7 إلى 9 كيلوغرامات من العسل.
ويتراوح سعر كيلو العسل الواحد في الأسواق من 8 إلى 15 دولاراً، وذلك بحسب نوع العسل وجودته، وفقاً لـ"نعنع" الذي أوضح أن أنواع العسل مختلفة في الشمال السوري أبرزها "عسل حبة البركة وعسل اليانسون وعسل الجيجان وعسل الحمضيات والسلوع".
المعوقات
يرى النحّال "مصطفى سليم" أن أبرز المشكلات التي تواجه النحالين شمال غربي سوريا هي عمليات بخ المبيدات الحشرية العشوائية على المزروعات التي يقوم بها المزارعون، إذ يقوم بعض الصيادلة الزراعيين ببيع مبيدات حشرية بأرخص سعر وأقل جودة، ما يسفر عن أضرار كبيرة بالنحالين، أبرزها تعرّض النحلة للمرض وموتها بعد أيام، لافتاً إلى أنه سنوياً يخسر قرابة 5 خلايا إثر ذلك.
ويضيف سليم أن المزارع يقوم ببخ مزروعاته بدون أن يخبر النحال، ليتكبد الأخير خسارة قد تتجاوز مئات الدولارات في الموسم الواحد.
ويؤكد ممن استطلعنا رأيهم من المربين، أنه منذ خمس سنوات تفشت العديد من الأمراض في أجساد النحل السوري، وبلغت نسبة الخسائر من النحل ما يزيد على 30 بالمئة، ومن أبرز الأمراض التي أصابت النحل السوري في السنوات الماضية هي "آفة الفاروا" وهو طفيل يعيش على النحل وحضنته ويضعفه وقد يميته في فترة تتراوح بين السنتين إلى ثلاث سنوات، إذ تنتشر هذه الآفة في الساحل السوري بشكل خاص.
والثاني "تكلّس الحضنة" وهو مرض فطري يتركز في المناطق الرطبة والذي من شأنه أن يُسبب مشكلة في الخلية.
والثالث "تعفن الحضنة الأميركي"، وهو مرض سببه بكتيريا تصيب حضنة النحل فتميتها الأمر الذي يُسبب صعفاً في الخلية وينهيها.
والرابع "النوزيما وإسهالات النحل" وهذه سببها وحيدات الخلية، وينتشر في المناطق الملوثة، والمشكلة الأخيرة هي انتشار الأمراض الفيروسية.
وسابقاً، كان يتم تصدير العسل السوري إلى تركيا ولبنان والسعودية والخليج وغيرها من البلدان قبل أن تغلق منافذها وحدودها فأصبح الإنتاج يباع في السوق المحلي، والذي يقتصر استهلاكه من قبل السكان للعلاج.