تمنع القوانين الألمانية التمييز على أساس الدين، إلا أن بعض أصحاب العمل يستخدمون ذريعة "الحياد" لفرض سياسات تمنع ارتداء الرموز الدينية في أماكن العمل، ما يشكل عائقاً حاسماً لدى كثير من السيدات السوريات أمام تطورهن المهني وقدرتهن على الاندماج في المجتمع الألماني.
لم تتوقع زهراء الجمعة التي فرت من بلدها سوريا ووصلت إلى ألمانيا "بلد الحريات" كما يسميها الكثيرون، أن يكون حجابها عائقاً أمام حصولها على فرصة في التدريب المهني، رغم تحقيقها شروط التدريب اللازمة، حيث خيّرها أرباب العمل ومراكز التدريب بين نزع الحجاب أو رفض تدريبها، وذلك بذريعة رفضهم إظهار الرموز الدينية في أماكن العمل.
تروي "الجمعة" لموقع تلفزيون سوريا، قصتها بعد أن عزمت على دخول التدريب في مجال التمريض في إحدى مدن مقاطعة ساكسونيا السفلى، قائلة: "وصلتني ثلاث ردود بالرفض من عياداتٍ ومراكز طبية ألمانية بسبب الحجاب، حينها كان الخيار الوحيد لديّ التقدم للتدريب العملي في عيادة طبيب عربي" مشيرةً إلى أن هذا الخيار لم يكن محبباً لديها لأنها لن تستطيع تطوير المهارات اللغوية في المجال كونها ستتحدث مع الطبيب وغالبية المرضى بالعربية.
ولم يقتصر الرفض على مكان العمل بل امتّدت للمدرسة التي درست فيها "الجمعة" الشق النظري من التدريب المهني، حيث تروي تعمد إهمالها وتجاهلها من قبل المُدرسة: "كانت المُدرسة لا تتيح لي الفرصة للإجابة عن الأسئلة أو المشاركة في الحصص الدراسية مثل باقي الطلاب رغم أنني كنت أُجِدّ وأحاول كثيراً حتى أكثر من زملائي الألمان، لأنني كنت أدرس اللغة الألمانية إلى جانب مواد التدريب المهني كوني جديدة في البلد"
القوانين تمنع التمييز.. أين الخلل؟
يقول مكتب مكافحة التمييز التابع للحكومة الفيدرالية في تقرير له إن النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب يعانين بشكل خاص من التمييز في الحياة العملية بمعدل أعلى من المتوسط في ألمانيا، وتظهر دراسات للمكتب أن أصحاب العمل يطلبون من النساء مراراً وتكراراً خلع حجابهن، ولا تتم دعوة العديد منهن حتى إلى مقابلة عمل.
ينص الدستور الألماني في المادة الرابعة منه على الحق لكل شخص في ألمانيا بممارسة شعائره الدينية بحرية -حتى في العمل- كما يحظر القانون العام للمساواة في المعاملة (AGG) في المادة الأولى منه التمييز على أساس الدين أو المعتقد في الحياة العملية وهذا يعني أنه لا يُسمح لأصحاب العمل بالتمييز ضد العاملين بسبب عقيدتهم أو إعاقة ممارسة شعائرهم الدينية، سواء عند التقديم أو في حياة العمل اليومية.
التمييز بحجة "الحياد"
على الرغم من وجود قوانين تمنع التمييز على أساس الدين إلا أن أرباب العمل يجدون ما يتذرعون به وهو ما بات يعرف بقانون الحياد, حيث قالت محكمة العدل الأوروبية في حكم صدر عنها القانون عام 2017 إن الشركات قد تكون قادرة على منع موظفيها من ارتداء الرموز الدينية مثل الحجاب إذا كانت هناك قاعدة داخلية للشركة تحظر ارتداء الرموز الدينية أو الأيديولوجية وأن لأصحاب العمل الحق في الظهور محايدين أمام العالم بشرط أن تطبق هذه القاعدة على جميع الموظفين دون تمييز، مع ذلك أكدت المحكمة على أنه يجب على صاحب العمل أن يثبت وجود حاجة حقيقية للحظر، على سبيل المثال أن الشركة يمكن أن تتضرر إذا تم ارتداء الرموز الدينية علناً.
وترى المحجبات أن الحجاب ليس مجرد رمز ديني، بل إنه جزء من هويتهنّ ولهن الحرية في اختيار فيما يرتدين وأنه لا يتعارض مع الحياد المطلوب أمام العملاء وهو ما أكده الناشط في مجال الهجرة نديم منجونه في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "للحجاب ارتباطات ثقافية أخرى ولا يمكن اعتباره رمز ديني فقط وهذا المثال لا ينحصر عند المسلمات فقط ولكن حتى في روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية ترتدي النساء ما يشبه الحجاب أو حتى الراهبات كمثال".
ويرى نديم منجونه أن المشكلة الحقيقية عند من يرفض الحجاب داخل المجتمع الألماني هو تزايد الإسلاموفوبيا وخصوصاً بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001 حيث تم تسويق الحجاب إعلامياً على أنه رمز لاضطهاد المراة ومحاولة إخفاء جمالها.
حلول مقترحة ومبادرات فردية
ويقترح الناشط نديم منجونه أن الحل الأمثل لمواجهة هذه المشكلة يتمثل في دعم المرأة المحجبة في البحث عن عمل من خلال توفير مراكز دعم وتوجيه مهني خاصة بهن، وتنظيم حملات توعية وورش عمل لتحسين الفهم المجتمعي للحقوق والمساواة وتقبل التنوع الثقافي والديني، وتشجيع الشركات على تبني سياسات توظيف شاملة وعادلة تحترم التنوع وتعزز فرص العمل للمحجبات.
وأضاف: "كما يجب على الحكومة الألمانية مكافحة العنصرية وفرض العقاب الصارم على من يمارس التمييز ضد المحجبات من أصحاب العمل إلى حالات التعدي الفردية المتزايدة على المحجبات في ظل صعود الفكر اليميني المتطرف الألماني".
من جهتها ترى الناشطة الاجتماعية السورية آلاء محرز من خلال تجربتها الشخصية، أن العنصرية والتمييز في سوق العمل أثرا على المرأة المحجبة بفقدان الثقة بقدراتها وإمكانياتها، وأن التغلب على هذه الصعوبة يكمن في تطوير المهارات اللغوية ومحاولة التواصل مع المجتمع الألماني وبناء العلاقات.
وتضيف لموقع تلفزيون سوريا: "من خلال تجاربي والتحديات التي مررت بها وجدت أن هناك فروق كبيرة بين التحديات التي تواجه المرأة في سوقي العمل العربي والألماني مما أدى لوجود نقص كبير في المعلومات القانونية لدى النساء".
اتخذت "محرز" قراراً بتأسيس مجلة "أثر" الإلكترونية لتكون أول مجلة اقتصادية نسائية عربية متخصصة في سوق العمل الألماني لتعمل على صقل خبرات النساء ومعرفتهن في مجالات وقوانين سوق العمل الألماني، من خلال المقالات التي تُنشر في المجلة، لتترك "أثراً" في حياة أقرانها وتحوّل نفسها من ضحية لهذا التمييز إلى مساهمة تدعم النساء اللواتي يتعرضن له.
وقدم تقرير اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب (ECRI) عن ألمانيا في الدورة السادسة عام 2020 مجموعة من التوصيات لمناهضة التمييز والعنصرية في البلاد، مع التركيز على كيفية تحسين السياسات لتحقيق مزيد من الإدماج والمساواة:
- تعزيز القوانين وتنفيذها: تحسين تنفيذ القوانين المناهضة للتمييز وضمان معاقبة المخالفين بشكل فعال.
- دعم الضحايا: توفير آليات دعم فعالة للضحايا وتسهيل عملية تقديم الشكاوى.
- التعليم والتدريب: تعزيز برامج التعليم والتدريب المهني التي تستهدف الأقليات العرقية والدينية لتحسين فرصهم في سوق العمل.
- التوعية المجتمعية: إطلاق حملات توعية لتعزيز فهم وقبول التنوع الثقافي والديني في المجتمع الألماني.
- التعاون الدولي: تعزيز التعاون مع الهيئات الدولية لتحسين سياسات مكافحة التمييز والعنصرية.
في ضوء التحديات التي تواجه النساء السوريات المحجبات في ألمانيا، يتضح أن القوانين المناهضة للتمييز تحتاج إلى تنفيذ أكثر فعالية لضمان تحقيق العدالة والمساواة في بلد تجاوز الحقوق الشخصية إلى النزعة الفردانية. ولذلك من الضروري تعزيز التوعية المجتمعية وقبول التنوع الثقافي والديني، وتوفير دعم أكبر للنساء المحجبات في سوق العمل من خلال مبادرات توجيهية وبرامج تدريبية. وذلك يتطلب التعاون المشترك بين الحكومة والمجتمع المدني وتحديداً المنظمات النسوية، لضمان بيئة عمل تحترم حقوق الجميع وتدعم التنوع.