icon
التغطية الحية

تمظهرات اللاجئ السوري في السينما.. من الاستثمار الهوليوودي إلى اكتشاف الذات

2024.06.01 | 06:32 دمشق

نزار العاني وهالة زين في لقطة من فيلم "نزوح
نزار العاني وهالة زين في لقطة من فيلم "نزوح"
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

مثّلت الأفلام التي تناولت قضايا اللاجئين مادة غنية للسينما منذ وقت مبكر في تاريخ هذه الصناعة،  منها ما كان وثائقي أو تسجيلي، ومنها ما كان روائيًا مقتبسًا عن أحداث حقيقية أو متخيّلة. والمتتّبع لهذا النوع من الأشرطة السينمائية لا يخفى عنه انعكاس الجانب الإنساني على معظم القصص التي يتم سردها من وجهات نظر مختلفة.

ودائمًا ما كانت الأسباب المباشرة لموجات اللجوء الجماعية مرتبطة إما بالتغيّرات السياسية أو الحروب والنزاعات المسلحة، وخلال الأعوام الماضية أصبحت موجات اللجوء المتأثرة بالأزمة المناخية مادة إضافية لسينما اللاجئين.

أضافت مشكلة اللاجئين السوريين العابرة للحدود موضوعًا جديدًا إلى الأعمال السينمائية التي تناولت الأحداث في سوريا بعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد، وتنوّعت القصص الإنسانية التي أُعيد تمثيلها على الشاشة الكبيرة، لتكون شاهدة على التحوّلات التي طرأت على حياة اللاجئين السوريين في هجرتهم القسرية نحو المنفى. وهي أعمال تسلط الضوء على اللاجئين الذين يوجهون أنظارهم نحو مستقبل أكثر أمنًا من جهة، وصانعي الأفلام الذين يوجهون كاميراتهم لتوثيق رحلة المغادرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر من جهة أخرى.

سينما اللاجئين.. بحث سوسيولوجي عن الحياة الاجتماعية

ينظر عالم الاجتماع، أوستن هارينغتون، إلى الفن والنظرية الاجتماعية كـ"شريكين متساويين" بصورة جذرية، ويرى أن الفن يمثل مصدرًا من مصادر "المعرفة الاجتماعية الوجودية، ومن استحقاقها الذاتي، وليست أقل من معرفة العلم الاجتماعي"، وعلى هذا الأساس يعتبر هارينغتون أن الأفلام – إلى جانب الفنون الأخرى – تنقل إلينا أشياء مختلفة عن الحياة الاجتماعية التي تصل إلينا "من جزء من بحث سوسيولوجي عن الحياة الاجتماعية، وبمقدار ما تنقل إلينا هذه الأشياء المختلفة، فإنها تخبرنا أشياء إضافية".

لا ينفي هارينغتون فكرة أن تكون القصص المروية في الأفلام – والفنون الأخرى بشكل أوسع – مخادعة، بمعنى أنها لا "تقول الصدق" المطابق للوقائع والأحداث التي تسردها، وغالبًا ما يُشار إليها بأنها "من صنع الخيال"، لكنه يشير أيضًا إلى أن هذه الأعمال يمكنها أن تكون "تنويرية في خداعها"، مثلما يمكنها أن تقول "الصدق المختلف مرتبته عن الصدق المطابق للوقائع"، بحيث لا تكون المعرفة التي تنقلها عن المجتمع بديلًا عن معرفة العلم الاجتماعي المنهجي، بل إنها "أدنى أو ثانوية بالنسبة لها". من هنا يقترح هارينغتون وجوب النظر إلى هذه الأعمال بأنها تخبرنا أشياء عن المجتمع "بطريقة توثيقية" تقدم فيها براهين على بعض من مجموعة وقائع معرّفة علميًا، لأن "المعرفة التي يتمكّن الفن من نقلها إلينا عن معنى حياتنا في المجتمع فريدة"، وهو ما أرى أنه ينطبق على قصص اللاجئين في السينما.

قصص حقيقية.. قصص هوليوودية استشراقية

شكلت قصص السيرة الذاتية مادة روائية – توثيقية للأفلام التي تناولت اللاجئين السوريين، وتنوّعت في طريقة سردها للأحداث التي رافقت رحلتهم للبحث عن مكان أكثر أمنًا. ضمن هذا السياق يبرز لنا فيلم "السباحتان" (The Swimmers) الذي يروي القصة الحقيقية لرحلة الشقيقتين يسرى وسارة مارديني عبر البحر إلى ألمانيا لتحقيق حلم المشاركة في بطولة الألعاب الأولمبية. يقدم "السباحتان" الذي حصل على فرصة أكبر للمشاهدة عبر منصة نتفليكس، الجهة المنتجة، رواية استشراقية من وجهة نظر غربية لقصة نجاح يسرى في رحلة وصولها إلى بطولة الألعاب الأولمبية الـ31 في ريو دي جانيرو.

فهو مشغول بمعايير النظرة الغربية البيضاء تجاه ما يحدث في المنطقة العربية بشكل عام، فاللغة الإنكليزية تسيطر على معظم حوارات الفيلم، حتى في الأحاديث العائلية، إضافة إلى تجاهل الأسباب التي دفعت يسرى وسارة إلى الهروب من سوريا، وعدم ذكر أي تفصيل مرتبط بالاحتجاجات الشعبية، كما أنه يمر سريعًا على قضية محاكمة سارة في اليونان بتهمة "التجسس" لمساعدتها اللاجئين، كما لو أنه محاولة للتعتيم على أهمية القصة. يظهر في الفيلم أيضًا كثير من الثغرات التي تجاهلها صناعه، على الرغم من محاولة طاقم التمثيل، وتحديدًا منال وناتالي عيسى، منح الفيلم بعضًا من الروح والألفة، لكن الغلبة كانت لصالح ضعف السيناريو الذي أفرغ الفيلم من بعده الإنساني، وجعلنا نستمع إلى قصة إنسانية من وجهة نظر نتفليكس المخلصة لاستثماراتها الهوليوودية.

جسد اللاجئ كوسيلة مادية للربح

يتحوّل جسد اللاجئ في الفيلم المرشح لجائزة الأوسكار "الرجل الذي باع ظهره" (The Man Who Sold His Skin) إلى سلعة استهلاكية الهدف منها الربح المادي، فهو يختار جسد رجل صلب وأملس غير مفتول العضلات ليكون هو السلعة المستغلة فنيًا. فالقصة تدور حول شاب سوري يوافق على تحويل جسده إلى لوحة فنية بوشم تأشيرة سفر على ظهره حتى يتمكن من السفر إلى أوروبا، ليكون قريبًا من حبيبته، حتى لو كان الثمن الحصول على صفة لاجئ، تبدو الفكرة كما لو أنها محاكاة ساخرة للفن تقوم على "الغاية تبرر الوسيلة".

يكشف الفيلم أيضًا عن الجانب الكوميدي السوداوي من حياة اللاجئين الباحثين عن أي فرصة للهروب من واقعهم المأساوي، وهو هنا يحاكي القوانين الأوروبية بسخرية لاذعة بشأن إفراغ العمل الفني من جماليته وفلسفته بتحويله إلى وسيلة مادية في زمن "أصبح انتقال السلع أسهل بكثير من انتقال البشر، وهكذا بتحويله إلى سلعة سيصبح بمقدوره السفر وفقًا لقوانين عصرنا" التي تسمح بها سويسرا المتقدمة بقوانينها علينا نحن المشرقيين. فالقصة تجعل من الجسد و/أو الجلد مادة غنية بالأسئلة الفكرية والفلسفية حول قيمة الإنسان/اللاجئ في المجتمعات الحديثة، حتى لو كان لوحة معروضة في أشهر المتاحف العالمية.

تصوّرات واقعية للاختلافات الثقافية وخطاب الكراهية

يعكس فيلم "عزيزة" (Aziza)، الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل فيلم قصير في مهرجان صندانس (2019)، مخاوف السوريين المقيمين بشكل قانوني أو غير قانوني في لبنان بروايته قصة زوجين حديثي الوصول إلى الدولة المجاورة. القصة باختصار تقوم على محاولة الزوج تعليم زوجته قيادة سيارة من طراز فولكس فاجن بيتل (الخنفساء)، التي يطلق عليها الزوج اسم "عزيزة"، وهي على الرغم من قدمها فإنها تبقى ما يمثل له من إرث ضائع في سوريا، وحولها تنحصر كل النقاشات الفكرية والسياسية التي تدور في سياقات العاطفة والاختلافات الثقافية بين الدولتين المتجاورتين في الحدود، وخطاب الكراهية.

كل هذه المخاوف والنقاشات تجري داخل مرآب للسيارات حيث يحاول الزوج تعليم زوجته قيادة السيارة، لكن السيارة لا تتحرك فعليًا، التعليم قائم على تخيلات الزوج لشوارع بيروت المكتظة بالسيارات، وأزمة المرور الخانقة، وعند الخروج إلى الحياة الواقعية أول ما نشاهده جملة مكتوبة على أحد الجدران بالعربية والإنكليزية "طلعوا برا" "syrian out" الفيلم المنشغل بروح الكوميديا السوداء يقدم لمحة عن الحياة اليومية والاضطرابات النفسية للاجئين السوريين في لبنان، وحجم تأثيرها على العلاقات الاجتماعية فيما بينهم من خلال إسقاطه على فعل تعلّم قيادة السيارة. هو فعل بسيط وعادي، لكنه تصوّر واقعي لمعاناة أكبر إذا ما أردنا النظر إليها بصورة أوسع.

انهيار المجتمع البطريركي

يطرح فيلم "نزوح" (Nezouh)، الحاصل على جائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا (2022)، واحدًا من أكثر الأسئلة الإشكالية التي تدور داخل المجتمعات البطريركية في فترة النزاعات المسلحة، معيدًا التأكيد على النساء والأطفال أكثر الفئات عرضة للاستغلال والعنف والضرر النفسي في الحروب. يروي الفيلم معاناة عائلة وجدت نفسها محاصرة في منطقة معزولة على أطراف دمشق من قوات النظام السوري من جهة، وحصار مختلف يفرضه الأب برفضه مغادرة باقي أفراد العائلة، الأم وابنته المراهقة، المنطقة المعرضة لجميع أنواع القصف من جهة أخرى. تمثل لحظة سقوط قذيفة على سقف المنزل مما يؤدي إلى دمار أجزاء منه نقطة التحوّل الرئيسي في الفيلم. إنها اللحظة التي تشهد انهيار المجتمع البطريركي القائم على سلطة الأب، عندما يتحوّل فيها البكاء إلى دموع سببها حساسية العينين من الغبار.

في "نزوح" يصبح المكان الحضري بفعل القصف العنيف مجرد علامات جغرافية تدل على أنه كان هناك مجتمع كامل في يوم من الأيام، ويقدم اختصارًا لانهيار تقاليد هذا المجتمع برفض الأم زواج ابنتها المبكر، هو تمرد من نوع آخر على سلطة المجتمع – السلطة – الأب معًا. إنه تصوير قاسٍ للطفولة الضائعة في الحرب، حيثُ تتحوّل الشظايا والأنقاض إلى طيور وأسماك، والسماء تصبح بحرًا، ورحلة لاستكشاف سن البلوغ في منطقة هشة ومأزومة يكون القصف فعلًا هامشيًا أمام تحوّلات سنوات المراهقة، وفي النهاية تتحرر النساء في "نزوح" من شخصية الأب الهشة والمليئة بالضعف والخوف. إنهنّ يتحررنّ باختيارهنّ عبور البحر نحو المجهول، قد يكون الفيلم أبعد عن حياة اللاجئين في الشتات السوري، لكنه يسلط الضوء على اللحظات المفصلية في حياتنا الواقعية، اللحظات التي نتخذ فيها قرار تحولنا إلى لاجئين مهما كلفنا ذلك من ثمن، طالما ثمة إمكانية لحياة أفضل.

على سبيل الخاتمة

تصوّر هذه العينة من الأفلام التي تتناول قصصًا مختلفة عن اللاجئين السوريين سردًا واقعيًا للحظة اتخاذهم قرارات مصيرية في حياتهم الشخصية. صحيح أنها قد تكون بعيدة في بعض الأحيان عن سرد الأحداث المفصلية في حصولهم على صفة لاجئ، أو أنها تقدّم سردًا متخيلًا، لكنها بالتأكيد غير بعيدة عن الواقع الأكثر مأساوية وسوداوية من القصص التي نشاهدها على الشاشة الكبيرة.

فيلموجرافيا

اسم الفيلم: السباحتان (The Swimmers) | إخراج: سالي الحسيني |كتابة: سالي الحسيني، جاك ثورن | بطولة: منال عيسى، ناتالي عيسى، وماتياس شواجوفر | سنة الإنتاج: 2022.

اسم الفيلم: الرجل الذي باع ظهره (The Man Who Sold His Skin) | إخراج: كوثر بن هنية | كتابة: كوثر بن هنية | بطولة: يحيى مهايني، ديا ليان، كوين دي باو، ومونيكا بيلوتشي | سنة الإنتاج: 2020.

اسم الفيلم: عزيزة (Aziza) | إخراج: سؤدد كنعان | كتابة: سؤدد كنعان | بطولة: عبد المنعم عمايري، كاريس بشار | سنة الإنتاج: 2019.

اسم الفيلم: نزوح (Nezouh) | إخراج: سؤدد كنعان | كتابة: سؤدد كنعان | بطولة: كندة علوش، سامر المصري، هالة زين، نزار العاني | سنة الإنتاج: 2022.