يظن البعض أن الصحافة مجرد جملة من الأدوات والقوالب توضع فيها المعلومة لتصبح خبراً، وهذا اختصار مجحف للعملية الصحفية في أنها تحرير لغوي فقط، وما هو إلا أسهل خطوات العملية وآخرها، إذ يسبقها التقصي والتحري والتأكيد والانضباط بالسياسة التحريرية لتصبح المعلومة خبراً احترافياً لا يحمل ضعفاً أو خطأ أو تجييشاً شعبوياً سلبياً.
وفي حين من الممتع والسهل أن تكون صحفياً، فإنه من المرهق والصعب أن تكون صحفياً سورياً، لأنك تتعامل مع واقع غير مسبوق، تملؤه صور سيول الدماء وقطع اللحم المتناثرة في أرض المجزرة، ومدن الخيم، وأشواق المهجرين المسمومة بأمل العودة، وأصوات الغارات والبكاء والأمعاء الخاوية؛ لأنك تتعامل مع سوريا غير معهودة قطعتها خطوط النار ودمرتها الطائرات وبراميل البارود، وتقاذفتها بيانات المجتمع الدولي، واستثمرت فيها الدول بمنطق البازار، واشتبكت فيها الأيديولوجيات والأفكار المشوهة وتكاثرت فيها تبعات الحرب على المستويات الشخصية والمجتمعية.
من المرهق والصعب أن تكون صحفياً سورياً، لأنك تقتحم المجال مستجداً أفراداً ومؤسسات تغرد بالإعلام خارج كنف النظام ومؤسساته. وفي حين كان الظن أن تحبو هذه المؤسسات لسنوات حتى تأخذ شكلها المستقر والاحترافي وتتدارك فجوة التجربة الغائبة؛ قفز تلفزيون سوريا إلى عامه الخامس وراح يخطو باتزان.
وعادة لا تنكسر القواعد والأعراف إلا للضرورة، ولهذا كانت قفزة تلفزيون سوريا مبررة بضرورة أن تكون جبهة الإعلام الحر مدعمة، لتتعاطى مع الواقع المعقد وهذا الكم الكبير من الأحداث التي تصهر سوريا على أمل تكوينها مجدداً لتكون كما حلم بها السوريون.
انطلق تلفزيون سوريا في الثالث من آذار عام 2018، عام التهجير والقهر وخسارة المناطق، وأرتال المهجرين إلى الشمال بعد سنوات الحصار، وبعد أن تعبت العين في مقاومة المخارز الثلاثة. وهنا كان التحدي الأكبر، فأن تقنع شخصاً ما بفكرة أسهل من أن تقنع شخصاً جرّب الفكرة وظنّ بعدم جدواها، وهو شخص تملكه اليأس وحارت نفسه في سؤال الجدوى ووسائل المقاومة المفيدة. ولذلك اتخذ تلفزيون سوريا على عاتقه مهمة حماية سردية الثورة السورية من تضليل الضالين وضياع العابثين وإحباط اليائسين، وتعزيز مفاهيم الحرية والكرامة والدولة الديمقراطية.
حقق تلفزيون سوريا في عامه الرابع الاختراق المطلوب، وانتقل من الدفاع عن سردية الثورة إلى حالة الهجوم، فجالت عدسته في مناطق سيطرة النظام، وتغلغلت مصادره في مؤسسات "الدولة"، وظهرت الحقيقة المروعة، فأسقط أوراق التوت عن إعلام النظام، ونقل هموم الناس، وطوّر استراتيجياته ومنهجه لتصل شاشته إلى بيوت السوريين جميعاً، لتصدير الثورة السورية وقيمها.
مع دخوله العام الخامس، يوسّع تلفزيون سوريا نطاق التغطية الخبرية، من منطلق أن محيط سوريا يتفاعل معها خطوة بخطوة، فالانعكاسات مباشرة، والجبهات متداخلة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والأعداء والأزمات وطموح الشعوب متشابهة، والتحالفات متقلبة، والفوضى متجددة.
قبل 11 عاماً أشعل طليعة المتظاهرين جذوة الثورة، وحوّلها السوريون إلى شعلة نار ملتهبة، حماها عشرات آلاف المتظاهرين والمقاتلين، وتناقلها مئات آلاف الشهداء، فحمّلونا ترِكة ثقيلة ينفخ عليها الكثيرون لتخبو. في تلفزيون سوريا نرمي بمنتجاتنا الصحفية حطباً تغذي هذه النار، كي لا تكون نصف ثورة.