في وقت سابق من هذا العام، شنت إسرائيل هجوماً على مطار دمشق الدولي بعدما نقلت إيران صواريخ وأسلحة من دمشق على متن طائرات مدنية، وذلك لأن إسرائيل تستهدف بغاراتها وبشكل دوري شحنات الأسلحة الإيرانية، والتي يتم نقلها من مصانع موجودة في سوريا تنتج أسلحة تستخدم للقتال البري إلى جانب إنتاجها لصواريخ عالية الدقة، إلا أن طائرات الشحن التي تصل إلى أحد المطارات المدنية لم تعد الممر الجوي الرئيسي لشحنات الأسلحة تلك.
بات أهم خط بري مباشر بين إيران وعملائها لدى حزب الله وسوريا يمر عبر الحدود السورية-العراقية بالقرب من قاعدة التنف التي تشتمل على وجود عسكري أميركي بسيط يعمل على مراقبة نشاط تنظيم الدولة وتحركاته إلى جانب تحصين المنطقة من شحنات الأسلحة الإيرانية. ولذلك اضطرت إيران للجوء إلى ممرات غير مباشرة لنقل أسلحتها، أحدها يمر عبر مدينة البوكمال الحدودية التي أصبحت الاستخبارات الإسرائيلية تراقبها ضمن لعبة القط والفأر بين إيران وإسرائيل.
دروع بشرية لحماية أسلحة إيرانية
واليوم، دخل مطار بيروت الدولي رادار إسرائيل، بعدما أخذت إيران تنقل أسلحتها على متن طائرات مدنية لتمد عميلها حزب الله بالسلاح، وحزب الله هو الذي يسيطر على مطار بيروت والحكومة اللبنانية. كما أقامت إيران مصانع لأسلحة عالية الدقة بالقرب من مطار بيروت وتعمدت نشر مقارها العسكرية ومخازن أسلحتها بين المناطق المدنية، وخير مثال على ذلك ما كشفه مصدر مفتوح أتى عبر منظمة ألما البحثية الإسرائيلية التي كشفت عن صور جوية أظهرت مصانع الأسلحة الإيرانية القريبة من شركة للغاز ومن مدرسة في حي الإباء والجناح بلبنان، بيد أن الاستعانة بدروع بشرية يعتبر جريمة حرب، وهذا الأسلوب اتبعته من قبل حماس ضد إسرائيل في غزة.
إن استهداف مطار بيروت قد يثير رعب إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي مخافة سقوط الحكومة اللبنانية الهشة في مستنقع الفوضى. إلا أن المخاوف التي ترى بأن استهداف إسرائيل لمطار بيروت قد يشعل مواجهة أكبر بين إسرائيل ووكلاء إيران هي الأكبر، وذلك بعدما نقلت القناة 12 الإسرائيلية بأن: "الغارات الإسرائيلية التي تستهدف حزب الله في معقله يمكن أن تدفع تلك الجماعة الإرهابية للانتقام، وعندها ستوجه قوتها النارية نحو إسرائيل، مما سيضع القدس في ورطة".
لذلك، ينبغي على إدارة بايدن أن ترفع جهودها الدبلوماسية إلى أعلى مستوياتها لتعرف مدى تأثيرها على الأقليات في سوريا التي لا ترغب بتحول لبنان إلى ساحة حرب مرة أخرى. إذ قامت الولايات المتحدة بدور الوساطة في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل خلال الشهر الماضي بعدما أخذت موافقة حزب الله، ضمن ما اعتبره البعض تنازلاً من قبل إسرائيل لتجنب أي مواجهة مع حزب الله فيما يتصل بحقول الغاز المتنازع عليها. بيد أن تلك الاتفاقية وما تلاها من وقف مؤقت لإطلاق نار قد يصبحان في خطر في حال استهداف إسرائيل لمطار بيروت.
حرب بين حروب
تعرض حزب الله لضربة كبيرة في عام 2006 في حرب لبنان الثانية لم يقم منها إلا بعد سنوات، ولهذا لن يكون الحزب متحمساً أو مستعداً للعودة للقتال مرة أخرى. إذ بالرغم من أن الحزب يمجد نفسه لأنه القوة الفاعلة الوحيدة التي ما تزال تجابه إسرائيل، بعد تحييد القوات المسلحة اللبنانية، فإن حزب الله يخشى من أن ينقلب عليه الشعب اللبناني وينحي باللائمة عليه في حال استهدفت إسرائيل البنية التحتية المدنية القريبة من المقار العسكرية لحزب الله، مما سيضعف هيمنته على الحكومة. كما أن أي ضربة إسرائيلية تستهدف لبنان سيعقبها شجب واستنكار أوروبي متوقع بالنسبة للضحايا المدنيين الذين لن تتمكن إسرائيل من تجنب قصفهم بسبب توزع المقار العسكرية الإيرانية بالسر بين المناطق المدنية، غير أن إسرائيل ستقف في وجههم عندها وستخبرهم بأنه لم يكن أمامها أي خيار آخر سوى أن تقصف شحنات الأسلحة إذا كانت تشتمل على صواريخ موجهة عالية الدقة.
أصبحت استقلالية حزب الله منقوصة بعدما صار يتبع لأوامر سيده ووليه نعمته في طهران، وذلك لأن الشيعة اللبنانيين التابعين لحزب الله يتبعون أوامر المرشد الأعلى في إيران تبعاً لمبدأ ولاية الفقيه. أي بمعنى أصح، أصبح آية الله علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني هو من يقرر إلى أي مدى ينبغي التصعيد مع إسرائيل، وكثيرون يعتقدون بأن إيران ليست مستعدة لإطلاق يد حزب الله بشكل كامل، إلا أن هنالك رأيا آخر يعتقد بأن إيران قد ترحب بقيام حرب لبنانية لتصرف الانتباه عن الاحتجاجات المتواصلة التي تخرج في شوارع طهران وغيرها من المدن الإيرانية.
يطلق على الحرب بين إسرائيل وإيران في لبنان وسوريا تسمية: "حرب بين الحروب"، إذ تهدف إيران لدعم حزب الله، مع خلق وجود دائم لها في سوريا، وزعزعة الاستقرار في الأردن والضفة الغربية بهدف تطويق إسرائيل بحزام من نار. كما ترغب إيران بأن تزاوج بين ذلك وبين امتلاكها لأسلحة نووية بهدف تخويف إسرائيل وتهديدها على الدوام.
من المؤكد بأن أي حكومة إسرائيلية، سواء أكانت يمينية أم يسارية، لن تسمح بإقامة إيران لوجود دائم لها في سوريا، وستفعل كل ما يلزم لمنعها من نقل الأسلحة التي تغير موازين اللعبة إلى حزب الله في لبنان. كما أن الميليشيات الإيرانية التي تهيمن على الجيش العراقي أصبحت تحت رقابة العين الساهرة في إسرائيل، إلى جانب تعرضها لضربات بين الفينة والأخرى داخل الأراضي العراقية.
وهنا ينبغي على إدارة بايدن ألا تنتظر حتى يفوت الأوان قبل أن تجند لهذه المهمة أحد دبلوماسييها الرفيعين وهو وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ليقوم بإقناع إيران بالكف عن استخدام مطار بيروت لشحن الأسلحة. وإذا افترضنا أن إيران هي من أعطت موافقتها لحزب الله حتى يقبل باتفاقية ترسيم الحدود البحرية، فهذا يعني أن الدبلوماسية بوسعها أن تحقق هذا الإنجاز أيضاً.
إن أي مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله على جبهة بقيت هادئة منذ عام 2006 يمكن أن تقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب، ولذلك تتجه الأماني نحو إدارة بايدن ومدى تفهمها لتلك المخاطر الشديدة.
المصدر: The Hill